وضع علماء للمرة الأولى خريطة بموائل قردة الشامبانزي البرية بفضل درس حمضها النووي، مما أتاح إعادة تكوين الهجرات السابقة لهذه الأنواع المهددة بالانقراض بالتفصيل، ووفر أداة جديدة لمكافحة التهريب غير المشروع بهذه الحيوانات.
وهذه الخريطة الجينومية التي شملت 828 قرداً، قد تستخدم لربط قردة الشامبانزي المخطوفة أو لحومها وأعضائها بموائلها الأصلية بهامش دقة يصل إلى مئة كيلو متر، مما يساعد السلطات في مكافحة الصيد الجائر لهذه الحيوانات.
ونشرت هذه النتائج، الأربعاء، الأول من يونيو (حزيران)، في المجلة العلمية "سيل جينوميكس".
وتقول معدة الدراسة الرئيسة من المعهد الإسباني للبيولوجيا التطويرية كلاوديا فونتسيري، لوكالة الصحافة الفرنسية، "إن استطعنا معرفة التنوع الجيني لهذه الأنواع المهددة بالانقراض وتاريخها الديموغرافي السابق، سنتمكن من وضع استراتيجيات حفظ أفضل".
تقنية حديثة
وجمعت عينات من الحمض النووي من كميات كبيرة من براز الشامبانزي في إطار مشروع طاول 48 موقعاً في غرب أفريقيا ووسطها.
ويشكل البراز عاملاً ذا فائدة كبيرة في دراسة الأنواع المهددة بالانقراض لأنه يسمح بجمع معلومات كثيرة بأقل تعرض ممكن للحيوانات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن استخدام البراز ينطوي على تحديات تقنية لأنه لا يحتوي على إلا القليل من الحمض النووي الخاص بالحيوان.
ولتجاوز هذه العقبة، استخدم الباحثون تقنية حديثة لتسلسل الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأوكسيجين، وهي طريقة استعملت للمرة الأولى في دراسة بقايا تابعة للإنسان البدائي كانت تالفة لأنها تعود إلى آلاف السنين.
وأتاحت هذه التقنية للعلماء أن يكتشفوا متغيرات أكثر بنسبة 50 في المئة لكروموسوم معين (كروموسوم 21) مقارنةً بما حدد حتى اليوم. وبفضل ما توصلوا إليه استناداً إلى هذه التقنية، تمكنوا من استنتاج التاريخ الجيني لمختلف مجموعات الشامبانزي، ما أدى إلى تحسين المعرفة العلمية في هذا المجال بشكل كبير.
تاريخ معقد كالبشر
وفي الماضي، وضع تسلسل لـ59 جينوماً كاملاً للشامبانزي، وكانت معظم هذه الحيوانات موضوعة في الأسر، ما أتاح توفير معلومات قليلة ومحدودة في شأن أصولها.
وعلى غرار البشر، لقردة الشامبانزي تاريخ هجرة معقد. واستطاع العلماء في هذه المسألة أن يعودوا بالزمن إلى ما قبل 100 ألف عام.
وتقول ميمي أرانديلوفيتش، التي شاركت في إعداد الدراسة وتعمل في معهد "ماكس بلانك" للأنثروبولوجيا التطورية، "سجل الكثير من الجدل في شأن إذا ما كانت سلالات الشامبانزي الأربعة متباينة بالفعل في ما بينها أم إنها تتمتع باستمرارية جينية".
وتضيف، "باستخدام طرق مختلفة لتحليل اختلافات قديمة جداً وأحدث بقليل، توصلنا إلى تأكيد أن تاريخ هذه الحيوانات معقد كتاريخ البشر".
ويبدو أن الأنواع الفرعية من قردة الشامبانزي فصلت في الماضي، ولكن مرت كذلك بفترات من التبادل الجيني، مما يساعد على تفسير سبب توصل الدراسات السابقة في كثير من الأحيان إلى استنتاجات مختلفة.
ويلاحظ الباحثون أن الحواجز الجغرافية بين الأنواع الفرعية أو مجموعات معينة (البحيرات والأنهار...) كانت تؤدي إلى اختلافات وراثية، وحصلوا على معلومات إضافية في شأن تزاوج الشامبانزي مع قردة البونوبو.
إعادة الدمج
ومن المسائل المهمة التي توصل إليها الباحثون كذلك، أنهم تمكنوا من تحديد روابط قوية بين قردة الشامبانزي التي تعيش في غرب أفريقيا، مما يدل على أهمية الحفاظ على الجسور بين الغابات في هذه المنطقة، وفق ما تؤكد ميمي أرانديلوفيتش.
وتتيح هذه الخريطة الجديدة كذلك تحديد الأماكن التي أتت منها قردة الشامبانزي التي تعرضت لأسر غير قانوني.
وعلى الرغم من أن إعادة دمجها في البرية مهمة صعبة بسبب الأنماط الاجتماعية المعقدة التي تتمتع بها هذه المجموعات من الحيوانات، فجرى إثبات أن القردة تتغلب على ما مرت به بطريقة أفضل عند إطلاقها قرب موائلها الأصلية.
وتوضح كلاوديا أن إطلاق القردة قرب موائلها الأصلية "من شأنه أن يساعد السلطات على تتبع مساراتها المحتملة".
ويأمل العلماء في أن يتمكنوا مستقبلاً من تحسين هذه الخريطة عبر جمع عينات جديدة، وتوسيع تقنية التحليل هذه لتشمل رئيسات أخرى.