رجح مسؤولون ومحللون ماليون أن تتجه سوق الصكوك إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بزيادة الطلب على التمويل في السوق العالمية، حيث تسببت أزمات التضخم المرتفع ومشكلات سلاسل التوريد والإمداد، إضافة إلى الحرب الروسية بأوكرانيا، في اتجاه الحكومات إلى البحث عن آليات تمويلية جديدة.
وخلال جلسة بعنوان "الاستفادة من أسواق الصكوك للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر"، التي جاءت في إطار الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية، كشف محافظ البنك المركزي في إندونيسيا، بيرى راجيو، أن "جائحة كورونا علمتنا ضرورة الاتجاه للاقتصاد الأخضر، كذلك أحد الموضوعات الملحة في وقتنا الحالي، وعلينا أن نتعافى معاً وسريعاً وبقوة وعلينا التحدث عن الاقتصاد الأخضر والتمويل الأخضر مادياً ومعنوياً".
وقال، إن "الاقتصاد والتمويل الأخضرين يهدفان لحياة أفضل. كما يتردد صدى مقاصد الشريعة والاقتصاد الأخضر في كل مكان حول كيف يمكن له دعم النمو المستمر والمستدام والشامل وكذلك تعزيز الصمود الاقتصادي والمالي، مع خفض انبعاثات الغازات الحرارية".
وأوضح أن أكثر الدول المصدرة للصكوك الخضراء هي إندونيسيا ثم السعودية ثم الإمارات وماليزيا، ولا يوجد سبب يمنع من إصدار الصكوك الخضراء، التي بلغت قيمتها في إندونيسيا 4.3 مليار دولار. وتابع، "قررنا الاتجاه نحو الاقتصاد الأخضر من أجل حياة أفضل لأسرنا، وتتراوح مدة الصكوك الخضراء من 5 أعوام إلى 30 عاماً، وبلغ معدل العائد عليها في 2021، نحو 3.55 في المئة بقيمة 750 مليون دولار". وأكد أن "الصكوك الخضراء أثرت في الاقتصاد الأخضر بشكل كبير وأسهمت في بناء خطوط سكك حديدية مزدوجة وإنشاء مشروعات طاقة شمسية وليست مشروعات كبيرة فحسب، وإنما صغيرة للتعليم أيضاً وللحياة الاجتماعية".
توسيع قاعدة المستثمرين في الصكوك
بالنسبة لمصر، كشف وزير المالية، محمد معيط، أن بلاده تحدثت خلال نحو 15 عاماً عن الصكوك السيادية، ولكن المشكلة كما اتضح من عرض إندونيسيا أن هناك كثيراً من العمل المطلوب لإصدار الصكوك كأداة تتماشى مع الشريعة، وهي وسيلة غير تقليدية لتوفير التمويل للمشروعات ولها هيكل خاص يحتاج إلى قدرات ومهارات ومستثمرين، ولكن ينبغي أن يكون هناك مظلة قانونية وبنية تحتية قانونية.
وأضاف، "بعد ثورة 2011 في مصر، صدر قانون ينص على الصكوك، ولكنه لم يفعل وما حدث خلال العامين الماضيين أن الحكومة أحرزت نجاحاً في إصدار قانون الصكوك وصدر القانون بالفعل، وقطعنا خطوات عديدة لضمان تفعيل تلك الصكوك".
وتابع، "هناك كثير من صيغ وأنواع الصكوك وفي بعض الأحيان تظهر بعض الحساسية في نوع الأصول التي سيتم استخدامها، وهناك كثير من اللجان التي ينبغي تكوينها مثل لجنة الشريعة ولجنة التقييم ولجنة التصكيك. النقطة الأهم هي توسيع قاعدة المستثمرين في الصكوك الذين يرغبون في أدوات استثمارية متماشية مع الشريعة والصكوك الخضراء تنطوي على أبعاد اجتماعية ولها اعتبارات وأبعاد مالية، كما يجب الحرص على مصالح المستثمرين وتوفير الأدوات الإسلامية لتوفير رأس المال المتماشي مع الشريعة ومع الاعتبارات الاجتماعية".
تطور كبير في إصدارات الصكوك عالمياً
وقالت زينب شمسونة أحمد، وزيرة المالية من نيجيريا، إن "بلادها لديها مشروع يتضمن الصكوك الخضراء وصكوك الادخار. نجحنا من خلاله في تحقيق أرباح لنحو 30 عاماً"، مشيرة إلى أن "نيجيريا أصدرت نحو 1.5 مليار دولار من الصكوك وتدرس حالياً إمكانية التوسع في استخدامها بما يتخطى بناء الطرق مثل مشاريع الكباري والكهرباء". وتمنت أن تغطي الصكوك مشاريع الإسكان الأخضر، فضلاً عن برامج الطاقة الشمسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت هبة أحمد، وزيرة المالية المكلفة الحكومة السودانية، أن "الدولة راعت الإسهامات والالتزامات الوطنية لضمان السير في مسار أخضر. وأنشأت مجموعات عمل لمختلف القطاعات للعمل على كل أهداف التنمية الوطنية. وأصبحت هذه المجموعات مرشحة للمشروعات المزمع تنفيذها". وأشارت أحمد إلى "أن السودان ليس لديه الإمكانية لدراسة جدوى المشروعات التنموية الكبرى، ومنها المشروعات الخضراء، كما أنها تأمل أن يكون للبنك الإسلامي للتنمية دور كبير في هذا الشأن".
في كلمته، توقع عصام أبو سليمان، المدير الإقليمي لبلدان الخليج العربي في البنك الدولي، أن "يبلغ حجم سوق الصكوك نحو 2.4 تريليون دولار في أول العام المقبل، حيث يشهد الاكتتاب على الصكوك زيادة كبيرة، ويوجد في الوقت الحالي نحو 27 تريليون دولار لإنتاج الطاقة المتجددة".
إعادة ترتيب أولويات الإنفاق
في الوقت نفسه، دعا المشاركون في الجلسة الحوارية حول تمويل "التنمية المستدامة من التعافي المستدام والشامل إلى مستقبل مرن"، إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق مع مزيد من التخطيط والإنفاق والتنفيذ الوطنيين المتوافقين مع أهداف التنمية المستدامة وتعزيز المسار لضبط أوضاع المالية العامة وتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي والتدفقات الخارجية المتقلبة، وتوفير الحيز المالي للقطاع الخاص للنمو".
وشدد المشاركون على أهمية المحافظة على الإصلاحات الجارية في نظام إدارة المالية العامة والاستخدام الأمثل لجميع تدفقات التمويل كالمساعدة الإنمائية الرسمية، والتعاون في ما بين بلدان الجنوب، وتمويل المناخ، وما يخصصه المجتمع المدني في هذا الصدد.
كما ناقشوا كيفية مواءمة التمويل بشكل أفضل مع أهداف التنمية المستدامة وأولويات التنمية وكيفية الاستفادة من قنوات التمويل المبتكرة لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكذلك أطر التمويل الوطنية المتكاملة. كما استعرض المشاركون مفهوم "الاستثمار المؤثر" ودوره في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وسبل الاستفادة من الشراكات والعمل الجماعي نحو تعزيز الإصلاحات الضريبية اللازمة لتمويل أهداف التنمية المستدامة.
وقال وزير المالية المصري، إن حكومة بلاده تعمل على الصياغة السليمة للقواعد الضريبية وتيسير المنظومات الضريبية، مع استمرار النهج المتخذ نحو تكامل القطاع الخاص ومساهمته في النمو الشامل، ودعم التحول الرقمي لجمع الضرائب التي حققت نمواً بنسبة 13 في المئة خلال عام 2021 بفضل التحول الرقمي. وأشار إلى أنه خلال العام المالي (2021 – 2022)، من المتوقع زيادة حصيلة منظومة الضرائب بنسبة 16 في المئة، إلى جانب قيام الحكومة بإعادة ترتيب أولوياتها من حيث النفقات.
وكشف عن تضمين مؤتمر المناخ المقرر انعقاده في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، على يوم مخصص للتمويل، لتضافر الجهود لمواجهة التحديات، وحشد فرص تمويل أكثر استدامة بحلول عام 2030، مؤكداً ضرورة الإيمان بأن هناك كثيراً مما يمكن عمله بالمشاركة لتمكين الشعوب وصناعة مستقبل أفضل.
مطالب بضرورة الاتجاه إلى الاستثمار وليس الاقتراض
فيما شدد محمود محيي الدين، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي والمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل خطة التنمية لعام 2030، على ضرورة الاتجاه للاستثمار وليس الاقتراض، موضحاً "ضرورة التركيز أكثر على الاستثمار الحقيقي حتى لا تتراكم الديون للأجيال القادمة". وأشار إلى "أن مصر وكثيراً من الدول النامية عليها إنفاق 30 إلى 40 في المئة من ميزانيتها للحماية من مخاطر تغيرات المناخ ومن دون أي عائد مباشر"، مشيراً إلى وجود مساعدات دولية تهتم بتلك الاستثمارات. وأوضح "أن بعض الدول متوسطة الدخل قد تتحول إلى منخفضة الدخل في الغد القريب بسبب مخاطر تغيرات المناخ وتأثيرها في المحاصيل الزراعية والموارد المائية"، متابعاً، "لا يزال هناك الوقت الكافي لإنقاذ البشر والبيئة".
وذكر أليساندرو فراكاسيتي، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن القطاع الخاص له إسهامات مهمة في التنمية الاقتصادية ولكن التمويلات لا تكفي لمواءمة نسبة 1 في المئة من سد فجوة التنمية المستدامة، لذلك يجب إطلاق العنان للقطاع الخاص في جميع الاقتصادات وهناك عدد من الطرق لتيسير التمويلات للقطاع الخاص حيث يمكن للحكومات توفير الإرشاد للقطاع الخاص وإعلامه بالأولويات التنموية وأن توفر استراتيجيات تنموية واضحة.
وأضاف، "وضعت كثير من الشركات ضمن أولوياتها تقليل المخاطر البيئية، ونحاول دعم هذه الشركات وتحويل تركيزها إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما ينبغي ضخ الاستثمارات في الشكل الصحيح مثل استخدام الصكوك الخضراء والإسلامية والتنمية المستدامة، بخاصة أنه قد تم إطلاق مثل تلك الصكوك بنجاح في المكسيك وأماكن أخرى من العالم".