تعد شمال أفريقيا واحدة من أكثر المناطق جفافاً في العالم، ويتوقع خبراء بيئيون أن تعاني شعوبها خلال السنوات المقبلة ارتفاع درجة الحرارة بشكل كبير، وشحاً في الموارد المائية بسبب التغيرات المناخية، مما يجعل من أولويات دول هذه المنطقة إيجاد حلول لتداعيات التقلبات المناخية، فكيف يمكن لخبرة النساء الأمازيغيات البيئية أن تنقذ شمال أفريقيا من أزمة المناخ؟
تملك أمازيغيات شمال أفريقيا أسرار الطبيعة، فلديهن معارف بيئية ومهارات موروثة منذ القدم تجعلهن يحافظن على المنظومة البيئية، ويواجهن التغيرات المناخية ويحققن الاكتفاء الذاتي ويسهمن في الحفاظ على التنوع البيولوجي للنباتات والحيوانات.
خبرة تدوير النفايات
واكتسبت النساء في شمال أفريقيا منذ القدم خبرة في تدوير النفايات من خلال حياكة الزرابي، ويعملن على توضيب الصوف وصباغته بمواد طبيعية لإعداد زرابي، ولا ترمي النساء الملابس القديمة في النفايات، بل يعدن إنتاجها واستعمالها كمواد أولية لحياكة الزرابي والجلاليب والسجادات، وتستعمل النساء الأمازيغيات فضلات الأبقار في بناء البيوت من خلال خلطها بالماء والطين، وتسهمن بذلك في بناء منزل "إيكولوجي" واق من التغيرات المناخية.
ويشير الباحث في مجال الـ "إيكولوجي" امحمد خافو إلى أن "المعارف التراثية للمرأة الأمازيغية مرتبطة بالمنظومات الـ "إيكولوجية"، ولو لم يتم الحافظ على هذه المنظومة البيئية الموروثة من أجدادنا لما استمرت، وبفضل تدبيرهن للموارد الطبيعية نستفيد منها اليوم". ويضيف، "للأسف المعارف البيئية لهؤلاء النساء مهددة بالزوال بسبب الاستنزاف المفرط للموارد الطبيعية والقضاء على المنظومات الـ (إيكولوجية) من واحات وعيون".
الأطعمة "بيو"
ويعتبر خافو أن المرأة الأمازيغية تسهم بمعارفها البيئية بشكل فعال إلى بجانب الرجل في مواجهة التقلبات المناخية. مضيفاً، "لكن التحولات التي تعيشها دول شمال أفريقيا وانفتاحها على نمط الاستهلاك العالمي جعلت عدداً كبير من النساء يستغنين عن هذه المعارف ويعتمدن على نمط استهلاكي ينسجم مع العصر".
وفي الوقت الذي تنتشر أطعمة الـ "بيو" في المجتمعات الأوروبية بسبب فوائدها الصحية ويزداد الطلب عليها، يتراجع الاهتمام في مناطق شمال أفريقيا بهذا النمط الغذائي الصحي الذي يعد موروثاً ثقافياً وبيئياً حافظت عليه النساء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول خافو، "كانت معظم النساء في شمال أفريقيا يعملن في الحقول ويسهمن في إطعام المواشي ببقايا قشور الخضراوات والفواكه، وينتجن طعاماً صحياً خالياً من المواد الكيماوية، وكن نشيطات وفاعلات في الحياة الاقتصادية والبيئية للمجتمعات".
المعارف البيئية للنساء الأمازيغيات لا تقتصر فقط على إنتاج طعام "بيو"، بل أيضاً في الحفاظ على النظام الغابوي، وفي هذا السياق يوضح الباحث، "تجمع النساء الحطب الميت ويستعملنه في الطهي وهن بذلك يحافظن على البيئة".
الأمازيغيات حماة الطبيعة
يعد برنامج "أكدال" لتدبير المراعي بالمغرب مؤشراً مهماً إلى الخبرة البيئية لدى المجتمعات الأمازيغية بشمال أفريقيا وبخاصة النساء، ويوضح الخبير البيئي قائلاً إن "برنامج (أكدال) قانون تراثي لتدبير المراعي، وينبني على احترام الفصول والتقلبات المناخية، كما أنه يمنع الرعي خلال الأشهر الأولى لفصل الربيع لضمان استمرار التنوع البيولوجي، وقد أكدت منظمات الأمم المتحدة أن برنامج قانون (أكدال) التراثي لديه تأثيرات إيجابية على التنوع البيولوجي".
وطالما كانت الطبيعة جزءاً مهماً من الهوية والثقافة الأمازيغية، وهو ما يكشف عنه الموروث الشفوي الأمازيغي، الذي يؤكد قدسية الطبيعة لدى هذه المجتمعات وضرورة حمايتها والحفاظ عليها، ويصف خافو العلاقة بين نساء شمال أفريقيا والطبيعة بأنها جدلية، موضحاً، "هن يسهمن في استمرار المنظومات الـ (إيكولوجية) عبر الاستعمال المعقلن للموارد الطبيعية، بينما تمنح الطبيعة للنساء الأمازيغيات هويتهن، فهن يعشن في الواحات ويستفدن من مياه العيون".
ويضيف، "الزارابي والملابس التي تحيكها النساء الأمازيغيات من الصوف الطبيعي لا تسهم فقط في حماية البيئة والاقتصاد الوطني، بل أيضاً في الوقاية من الحساسية".
ويدعو الخبير في البيئة إلى ضرورة الحفاظ على هذه المعارف البيئية، مشدداً على أهمية إعادة إحيائها من طرف المستثمرين وأصحاب القرار في شمال أفريقيا لمواجهة تحديات تغير المناخ.
وتحظى الحيوانات أيضاً بمكانة خاصة لدى المجتمعات الأمازيغية في شمال أفريقيا، فبحسب خافو "يتعاملون مع الحيوانات بطريقة إنسانية، فمثلاً يضعون إناء مملوءاً بالماء وأيضاً حجراً متوسط الحجم في المناطق الجافة لتتمكن الطيور من الشرب بطريقة سليمة، ولكيلا تتأثر بالجفاف".
وفي هذا الصدد يشير الباحث إلى أنه "لو لم تحافظ نساء شمال أفريقيا على المنظومة البيئية لما استمرت إلى اليوم". وقال، "للأسف أن المعارف البيئية لهؤلاء النساء مهددة بالزوال بسبب الجشع والاستنزاف المفرط للموارد الطبيعية".