احتفل الجزائريون للمرة الخامسة برأس السنة الأمازيغية 2972 كعيد وطني وعطلة رسمية والمصادف في 12 يناير (كانون الثاني) من كل عام. يطرح هذا الاحتفال سؤالاً جوهرياً وكبيراً على المثقفين والسياسيين والألسنيين هو: ما هي المكاسب التي حققتها اللغة الأمازيغية في الجزائر؟ وما هي الإخفاقات وما هي طبيعة مصاعب الطريق لتحقيق وجودها الطبيعي في المدرسة والثقافة والإعلام والحياة اليومية؟
لا أحد ينكر أن اللغة الأمازيغية في الجزائر بكل متحوراتها القبائلية والميزابية والشاوية والطوارقية قد عرفت حضوراً بارزاً أفرز نقاشات مفيدة، هادئة تارة ومتشنجة تارة أخرى، على مستوى الحقل السياسي والأيديولوجي والتربوي والثقافي وحتى الديني.
للتذكير، لقد أصبحت اللغة الأمازيغية، بحسب المادة الرابعة من دستور 2020، لغة وطنية ورسمية إلى جانب اللغة العربية، وقد تم وضعها من حيث الديباجة في خانة المواد الثابتة، أي المواد الصماء التي لا يمكن المس بها لاحقاً في أي تعديل قد يطرأ على الدستور، وهو ما يمنحها قوة الثبات والتخلص من الهزات السياسية والأمزجة الشخصية والمزايدات الأيديولوجية.
ما هو واقع اللغة الأمازيغية وما المتأمل في مستقبلها؟
أولاً: يبدو أن أكاديمية اللغة الأمازيغية التي تم إنشاؤها نهاية عام 2017 هي في وضعية الاحتضار، النسيان أو التهميش. فمنذ الإعلان عن قائمة أعضائها واسم رئيسها محمد جلاوي، لم نسمع جديداً عنها، ولم تصدر قوانين تنظيم عملها على مستوى الواقع البيداغوجي والثقافي والسياسي حتى الآن. فالهيئة التي راهن عليها كثيرون تبدو في حالة غيبوبة وغياب.
أعتقد أنه ومن أولويات الدولة اليوم، ومن أجل وضع بناء جزائر متعددة وموحدة على السكة، يجب التفعيل السريع لهذه الهيئة، هيئة العقلاء والعلماء، حتى تتمكن من الانطلاق في مهمتها الأساسية وهي التفكير البيداغوجي واللساني والعلمي القادر على تفكيك الألغام السياسية، التي وقعت فيها هذه اللغة منذ أن تم تهميشها ومنعها ومصادرة حق الإبداع والتكلم بها عبر الأنظمة السياسية الجزائرية المتلاحقة منذ الاستقلال.
ثانياً: يجب الفصل قانونياً ورسمياً في اختيار شكل الحرف الذي تُكتب به اللغة الأمازيغية، وذلك أيضاً من مهمات الأكاديمية المغيّبة بطبيعة الحال بالتشاور مع المثقفين والباحثين والمبدعين في هذه اللغة وبها. وأعتقد شخصياً أن الحرف الإغريقي اللاتيني هو الأقدر على مساعدة هذه اللغة للذهاب بعيداً في تطورها، لأن غالبية البحوث الجادة والإبداع الجاد أيضاً في الرواية والقصة والمسرح وفي الترجمة أيضاً، تتم داخل هذا الشكل من الكتابة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثالثاً: وضع استراتيجية واضحة وميسّرة المعالم لتعميم تعليم اللغة الأمازيغية على كل أبناء الجزائر من دون استثناء. هذا التعليم هو صمام أمان الجزائر الموحدة، وهو الذي يجعل البلد آمناً في وحدته وفي قوته ومناعته، فأعتقد أن تعميم تعليم اللغة الأمازيغية سيخلّصها من المزايدين سياسياً في سوقها، وعلى الدولة أن لا تترك تعليم هذه اللغة للأمزجة السياسية والتخريجات الأيديولوجية والدينية. ويوم تُعمّم اللغة الأمازيغية في جميع مدارس الجمهورية سيتم تفكيك أكبر لغم تعيشه الجزائر سياسياً، وذلك منذ ما سُمّي بـ"الأزمة البربرية" عام 1949 بين فصائل حركة "التحرر الجزائرية" تحت الاستعمار الفرنسي.
رابعاً: حتى تتمكّن اللغة الأمازيغية من استدراك التأخر الذي تعرفه على المستوى البيداغوجي، في رأينا يجب التفكير في إنشاء وزارة خاصة بترقية تعليم اللغة الأمازيغية، ويجب أن توفر لها كل الظروف المادية والسياسية والتربوية لتحقيق برنامجها واللحاق بركب التعليم باللغة العربية في البلاد.
وفي هذا الإطار، يجب التفكير في إنشاء مدارس عليا لتخريج أساتذة التعليم بأطواره الثلاثة بهذه اللغة، إضافة إلى دعم طلبة أقسام اللغة الأمازيغية في الجامعات الجزائرية، وذلك بإدماجهم في سلك التعليم والاستفادة منهم في هذا المجال.
خامساً: على المستويين الثقافي والإبداعي، أتصور أنه حان الوقت الآن لتأسيس كتابة دولة خاصة بالثقافة والإبداع بالأمازيغية أو مديرية مركزية في وزارة الثقافة والفنون للتكفل مباشرة بدعم الكتاب باللغة الأمازيغية نشراً وتوزيعاً، ودعم دور النشر الخاصة التي تهتم بنشر الإبداع بهذه اللغة رواية وقصة وشعراً ومسرحية، ودعم الإنتاج السينمائي بهذه اللغة.
سادساً: على المستوى الإداري، يجب التفكير في منهجية لترجمة الوثائق الإدارية بشكل دقيق، على مستوى البلديات والولايات والوزارات والهيئات المنتخبة أيضاً، حتى لا نسقط في ما أسقطتنا فيه تجربة التعريب المتسرع والأيديولوجي في السبعينيات.
ما في ذلك شك، فقد قطعت الجزائر مسافة مهمة في إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية، وأولها تفكيك العقدة السياسية والأيديولوجية التي ظلت تلاحقها وتلاحق المناضلين من أجلها. مع ذلك، فالطريق ليس سهلاً ولا يسيراً، فهناك أعداء كثر يتربصون باللغة الأمازيغية، وفي كل مرة يخرجون شعارات جوفاء للتعبير عن حقدهم ضد هذه اللغة وعن عنصريتهم بالقول تارة إن دسترتها وتعليمها خطر على وحدة البلد، متناسين أن الأمر عكس ذلك تماماً، فعدم ترقيتها وعدم تعميمها بين أبناء البلد كله، يشكّلان خطراً على وحدة البلد، وبالقول تارة إن دعاة اللغة الأمازيغية هم ضد الإسلام، متناسين أن هذه المنطقة أنجبت أكبر العلماء والفقهاء الذين كانوا يجتهدون من داخل الدين الإسلامي بروحه الشمال أفريقية في انسجام تام مع العادات والتقاليد المحلية من دون نفور ولا تطرف.