أورد مجلس العلاقات الخارجية الأميركي على موقعه الإلكتروني تقريراً مفاده بأن إيران تواجه ضغطاً دولياً بسبب برنامجها النووي وموجة اغتيالات تطال مسؤولين بارزين فيها في حين تهدد مساعيها إلى رفع الدعم عن مواد أساسية بإثارة انتفاضة شعبية. وذكر التقرير أن السنة التي مرت على انتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي شهدت مواجهته مصاعب اقتصاد ضعيف يقترب من الفشل، وتوقف العمل الدبلوماسي حول الاتفاق النووي، وزيادة التهديدات الأمنية جراء سلسلة من الاغتيالات. "وهذه كلها تحديات لنظام مصمم على قمع الاحتجاجات المحلية وعلى المماطلة في مجال السياسة الخارجية".
على صعيد الاحتجاجات الشعبية بسبب غلاء أسعار الأغذية، لفت مجلس العلاقات الخارجية إلى أن إدارة رئيسي تجري ما تسميه "جراحة اقتصادية" للتعامل مع عجز في الميزانية يقدر بعشرات المليارات من الدولارات وتضخم سنوي يبلغ 40 في المئة. "ولا يهدف هذا الجهد فقط إلى التعامل مع المشكلات الاقتصادية الحالية الناجمة جزئياً عن العقوبات المفروضة على البلاد والتي تقودها الولايات المتحدة بسبب البرنامج النووي لإيران وأنشطتها الإقليمية، بل يهدف أيضاً إلى معالجة مسألة إجراءات الدعم السارية في الاقتصاد الإيراني منذ عقود". وأضاف المجلس، أن إيران "دولة رفاهية" واسعة النطاق لا تدعم المواد الغذائية الأساسية فحسب، بل تدعم أيضاً قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم. "ويبدو رئيسي عازماً على التحرك على هذه الجبهة، على خفض الإعانات على منتجات مثل القمح والدقيق حتى وسط نقص الحبوب الناجم عن الاجتياح الروسي لأوكرانيا. وأصرت إدارة رئيس منذ البداية على أنها لن تنتظر إحياء الاتفاق النووي لسد أوجه القصور الاقتصادية".
ووفق التقرير، كان ثمن القيام برفع الدعم تدريجياً احتجاجات في أنحاء البلاد كلها، حيث ارتفعت تكلفة كيلوغرام الدقيق في بعض الأماكن ستة أضعاف وزادت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل زيت الطهو والدجاج والبيض والحليب. وكما يحصل في الأغلب في إيران، تتحول المظالم الاقتصادية إلى سياسية بسرعة كبيرة، ويتردد صدى هتافات "الموت لخامنئي" (في إشارة إلى علي خامنئي، المرشد الأعلى منذ عقود) و"الموت لرئيسي" في الشوارع. ويبدو أن الحكومة واثقة من قدرة قواتها الأمنية على التعامل مع هذه الاحتجاجات، وكانت قبضتها محكمة في قمعها. وحتى الآن، كانت هذه الاستراتيجية فاعلة، لكن كلما خفض رئيس مستوى الإعانات والأسعار المدعومة، تعاظم خطر خروج التظاهرات عن السيطرة. "ويمكن أن تكون إيران أمام صيف طويل حار"، على حد تعبير التقرير.
الحرس الثوري في مفاوضات النووي الإيراني؟
وفي مجال المحادثات النووية المتوقفة، لا تزال محاولة إحياء الاتفاق النووي، واسمه الرسمي خطة العمل الشاملة المشتركة، أمام طريق مسدود، بحسب مجلس العلاقات الخارجية. وعلى الرغم من أن الأطراف كلها أبلغت عن إحراز تقدم في المسائل النووية الحرجة والعقوبات، فإن إدراج الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية يبدو مستعصياً على الحل. "ولا يبدو أن إيران ولا الولايات المتحدة مستعدتان لتقديم تنازلات في هذه المسألة: تصر الولايات المتحدة على أن التصنيف هذا خارج شروط الصفقة، في حين تشدد إيران على أن التصنيف يعود إلى قرار اتخذته إدارة دونالد ترمب للضغط على إيران على الجبهة النووية، بالتالي يجب إلغاؤه من ضمن حزمة تخفيف العقوبات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت تقرير المجلس إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجهت انتقادات حادة في شكل استثنائي إلى إيران بسبب عدم تعاونها في تقييد برنامجها النووي. وتزعم الوكالة أن طهران لم تقدم بعد إجابات واضحة على الأسئلة المتعلقة بآثار اليورانيوم المخصب عثر عليه المفتشون الدوليون في ثلاثة مواقع مختلفة. ورفضت إيران الاتهامات ووصفتها بأنها افتراءات. ونظراً إلى عدم تعاون طهران، قدمت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة قراراً إلى مجلس محافظي الوكالة يدين إيران ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد الجمود ومراوحة الأزمة مكانها. وأبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن زيادة حادة في إمدادات إيران من اليورانيوم المخصب، ما يجعلها أقرب إلى القدرة على صنع قنبلة نووية. "ويقول بعض المسؤولين السابقين في مجال الحد من التسلح إن إيران تفصلها أشهر فقط عن حيازة هذه القدرة، على الرغم من إصرار النظام على أنه لا يملك خططاً لتطوير أسلحة نووية".
وفي ما يخص الاغتيالات، أشار المجلس إلى أن يوم 22 مايو (أيار) شهد مقتل العقيد حسن صياد خدايي، وهو ضابط في الحرس الثوري الإيراني، خارج مكتبه على يد مسلحين كانا يستقلان دراجة نارية. ووجهت السلطات الإيرانية أصابع الاتهام إلى إسرائيل التي يعتقد أنها نفذت عمليات مماثلة ضد علماء نوويين إيرانيين في الماضي. وتنخرط إيران وإسرائيل في نزاعات عسكرية مباشرة في سوريا، حيث إسرائيل مصممة على الحيلولة دون تشييد أذرع طهران معسكرات عسكرية دائمة في هذا البلد. "وإذا كانت إسرائيل وراء مقتل خدايي، ستكون المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل مسؤولاً إيرانياً في طهران لا علاقة له بالبرنامج النووي. ويقال إن خدايي شارك في عمليات ضد إسرائيل لها صلات بمتشددين فلسطينيين. وهذه خطوة خطيرة، فهي قد تكون رسالة إسرائيلية إلى إيران مفادها أن علاقاتها بسائر المنظمات الإرهابية هي السبب الكامن وراء عمليات اغتيال مسؤوليها".
وختم تقرير المجلس بالقول: "كان نهج حكومة رئيس هو الاعتماد على الأجهزة الأمنية للتعامل مع الاحتجاجات المحلية. ويبدو النظام واثقاً من أن الاضطرابات الداخلية والدبلوماسية التي يواجهها لم تخرج عن نطاق السيطرة وأنه قادر على الاعتماد على القمع".