الحملات الانتخابية عادة ما تبرز وجوهاً جديدة قادمة من آفاق مختلفة، وكل معركة تكون فرصة لتسليط الضوء على أسماء فرضت نفسها عبر تجارب مميزة، بخاصة أولئك القادمين من بيئات متوسطة كأبناء مهاجرين الذين تمكنوا من صعود السلم الاجتماعي والحصول على شهادات جعلت منهم جامعيين وأكاديميين أو انخرطوا بالعمل الاجتماعي أو النقابي.
والحملة هذه المرة كشفت عن مرشحين للانتخابات التشريعية الفرنسية من مهن مختلفة من بينهم خباز استطاع عبر احتجاجه وإضرابه عن الطعام منع ترحيل أحد عماله والحصول على تسوية أوضاعه الإدارية، أو ناشطة بيئة تكافح ضد شركة أمازون، أو طالب جامعي مغمور، والأبرز بينهم عاملة النظافة راشيل كيكي، التي لمع اسمها في الإعلام كمناضلة نقابية خلال الإضراب الذي قادته واستمر ما بين 2019 حتى 2021 في فندق إبيس باتينيول بالدائرة 17 في العاصمة باريس. دافعت خلاله عن حقوق عاملات النظافة للحصول على زيادة رواتب وخفض ساعات الدوام، والحصول على ملابس قطنية، وهي اليوم مرشحة عن "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد" بزعامة جان لوك ميلانشون، وتواجه مرشحة الحزب الحاكم وزيرة الرياضة السابقة روكسانا ماراسنينو.
في رصيد المناضلة النقابية إضراب هو الأطول في تاريخ القطاع الفندقي حيث استطاعت كيكي أن تصمد 22 شهراً في وجه إدارة الفندق التابع لواحدة من أهم السلاسل الفندقية مجموعة "آكور". وهي منتسبة إلى نقابة "سي جي تي" إحدى أهم النقابات في فرنسا. وعلى مدى 15 عاماً كانت تقوم بتنظيف وتجهيز أكثر من أربعين غرفة في اليوم. وتعتبر كيكيي أنها استطاعت انتزاع 99 في المئة من المطالب التي تقدمت بها مع زملائها، حيث حصلت على رفع الرواتب وتخفيض وتيرة العمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"سأهز شجرة جوز الهند"
اختارها "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد" مرشحة عن الدائرة الانتخابية السابعة وهي منطقة "فال دو مارن" في الضاحية الباريسية. تعرف عن نفسها بأنها "ستحمل صوت الذين لا صوت لهم"، تلك الطبقة التي تفانت خلال فترة الحجر في مواجهة فيروس كورونا، والتي لم تحصل في المقابل على أي اعتبار، وأنها مناضلة نسوية ومؤيدة للسترات الصفراء وتردد على الدوام عبارة "سأهز شجرة جوز الهند في البرلمان". وهي لا تعتبر نفسها "متمردة" بل مدافعة عن كرامة الطبقة البسيطة.
راشيل كيكي أم لخمسة أولاد أعمارهم تتراوح ما بين 14 إلى 30 سنة، وهي من مواليد عام 1974 في أبودو، شمال أبيدجان، والدتها كانت تعمل كبائعة ملابس أما والدها فكان سائق حافلة نقل. اضطرت بعد وفاة والدتها لرعاية أشقائها وشقيقاتها وكانت لا تزال في الثانية عشرة من العمر.
وصلت إلى فرنسا عام 2000، مسيرتها لم تكن سهلة حيث كانت تضطر لتغيير سكنها باستمرار بين منازل غير شرعية أو لدى أصدقاء قبل أن تتمكن من الاستقرار بمساعدة جمعية تعنى بمشكلات السكن. بدأت كعاملة تصفيف شعر من ثم انتقلت للعمل في فندق إبيس كعاملة نظافة عام 2003.
حصلت على الجنسية الفرنسية عام 2015، وتقول إن جدها حارب من أجل فرنسا في الحرب العالمية الثانية. واصلت العمل في الفندق حيث باتت مدبرة، وطلبت إجازتها في بداية حملتها الانتخابية.
وحيال عدم خبرتها في السياسة، وكونها ليست خريجة المعاهد والجامعات الكبرى التي تنحدر منها معظم الشخصيات السياسية، علقت في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية "مستوى عاملات تنظيف الغرف في الفنادق معروف، لست حاصلة على بكالوريا + 5 سنوات جامعية، في حال طرح علي سؤال ولم أفهمه فلن أجيب وعلى وسائل الإعلام التكيف مع الوضع". وتتابع بالقول: "في حال التحدث معي بلغة خريجي مدرسة العلوم السياسية سأجيب بلغة سكان الضواحي".
وتعتبر راشيل أن ما دفعها للترشح، هو الاستهزاء الذي وجه للنائب فرانسوا روفان من قبل زملائه في البرلمان حين دافع عن قضية عاملات التنظيف، وقالت "عندها أيقنت أن من واجبي أن انخرط شخصياً".
وتعتبر أن مرشحة الحزب الحاكم التي تواجهها في دائرتها ستتحمل النتائج، معتبرة أن هذه الأخيرة ليست في بيئتها بينما هي تستمد شرعيتها من انتمائها لهذا المجتمع وقربها أكثر من هموم سكان الضواحي.