في الوقت الذي تشرع فيه الحكومة الإثيوبية لنشر السلام، عبر دعوة الحوار، التي تبناها حزب الازدهار الحاكم خلال مؤتمره الأول في مارس (آذار) الماضي، وإعلان رئيس للوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، هدنة إنسانية مفتوحة، لا يزال البعض يتساءل هل انتهت الحرب في تيغراي؟
التساؤل يأتي ضمن غموض يحيط الساحة الإثيوبية، في ظل الواقع الماثل والمرئي تجاه الأوضاع، التي لا تزال ما بين حرب وسلم، وتبعات غزو تيغراي بالأمس للعديد من المدن في أمهرة وعفر، وأخذ المنطقة لطابع جمود (اللاسلم) في حيثيات احتفاظ تيغراي ببعض المناطق التي احتلتها في السابق، وتذمر يسود بعض القوميات المتأثرة.
وترافق الأوضاع كذلك ضغوط دولية على الحكومة الإثيوبية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيغراي ورفع الحصار عنه، وهو ما نفذته الحكومة فعلياً بعد إعلانها الهدنة الإنسانية المفتوحة.
وكانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي قد أيدت خطوات أديس أبابا نحو الهدنة، كبداية لوضع نهاية للحرب، لكن مؤشرات عديدة ما زالت تعطي بوادر سالبة. وعلى الرغم من الجهود الأممية، وتجاوب السلطات الإثيوبية معها في رفع الحصار عن الإقليم، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إليه، فإنه لا تزال خطى السلام الفعلي غير واضحة في عدم إجراء الأطراف لأي محادثات معلنة، واتهامات متبادلة، إلى جانب تجهيزات خفية يجريها الطرفان.
مليون مسلح
أوردت وكالة الأنباء الإثيوبية (فانا) في 8 مايو 2022 عن رئيس تحرير "سكوب اندبندنت نيوز"، والمراقب للنزاع الإثيوبي في شمال إثيوبيا، أليستر طومسون، "أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تحاول إنشاء جيش مليء بالمليون فرد من سكان تيغراي لشن حرب عدوانية على إثيوبيا.
جاء ذلك خلال مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الإثيوبية، عقب عودته من زيارة للمناطق التي مزقتها الحرب في الجزء الشمالي من البلاد. وأكد طومسون، أن "نية الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هي شن حرب أخرى، وإذا فشل المجتمع الدولي في التحرك فستندلع حرب أخرى هنا مع كل العواقب الهائلة".
وكان رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وحكومة الإقليم، دبرصيون قبرميكائيل، من جهته وجه خطاباً إلى الرئيس السنغالي ماكي سال، رئيس الاتحاد الأفريقي في مايو الماضي، متهماً إريتريا بزعزعة الاستقرار في المنطقة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، داخل إثيوبيا، وتحديداً في تيغراي، وفق اتفاق سري مع السلطات الإثيوبية، واتهامها بانتهاكات جسيمة للقانون الإنساني، مشيراً إلى شرط الانسحاب الكامل والشامل والتحقق منه لجميع القوات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الإريترية من إثيوبيا كشرط مسبق لإثيوبيا لاتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة أزمتها الوطنية.
استعادة السلام النسبي
ومن جهتها، قالت وزيرة الدولة للاتصالات، سلموني كاسا، في بيان الجمعة 10 يونيو (حزيران) الحالي، إنه تم استعادة السلام النسبي في إقليم أوروميا وتحرير المناطق الواقعة تحت سيطرت جماعة "شن" الإرهابية، وقالت، "تمت استعادة السلام في إقليم أمهرة من خلال إجراءات إنفاذ القانون التي يتم اتخاذها". وأوضحت أن "المناقشات جارية إلى جانب إنفاذ القانون لتقديم خدمات التنمية إلى المجتمع".
وعلى جانب آخر، ووفق ما أوردته وكالة "فانا للأنباء"، وفي حيثيات التجهيز للاحتمالات الواردة بشأن الحرب، يشير مراقبون إلى زيارة رئيس هيئة الأركان الإثيوبي، المشير برهانو جولا، إلى تركيا الأربعاء 8 يونيو الحالي وإجرائه محادثات مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار.
وضمن ظروف الأوضاع الحالية، توصف الزيارة كدلالة على حرص الحكومة الإثيوبية في توثيق علاقاتها العسكرية مع تركيا، حيث تجمعهما علاقات ثنائية مميزة، وشارك برهانو جولا التدريبات العسكرية الميدانية التي يرمز لها بـ"EFES-2022" والتي تنظمها الحكومة التركية.
وبحسب وزارة الخارجية الإثيوبية، ناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون بين البلدين في القطاع العسكري. كما ناقش المشير برهانو جولا القضايا الثنائية مع نظيره التركي الجنرال ياسر غولر.
مؤامرة شريرة
وكان رئيس إقليم أمهرة، يلقال كيفالي، اتهم بدوره في مايو الماضي، الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، "بأنها ما زالت تدبر مؤامرة شريرة لزعزعة استقرار البلاد وتفكيكها وجر الناس والبلاد إلى حروب داخلية أخرى".
من جهتها، أعلنت الخارجية الإثيوبية، الجمعة 10 يونيو الحالي، رفضها تحقيقاً إضافياً لمجلس حقوق الإنسان في الانتهاكات المزعومة في إثيوبيا، ووصفته بغير المقبول.
وجاء على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، السفير دينا مفتي، أن "الحكومة مستعدة لتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير المشترك للجنة حقوق الإنسان الإثيوبية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان".
وقال، إن "تسهيل الوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية إلى جميع الأشخاص المتضررين من الأزمة قد تم تعزيزه، وإن عملية إجراء حوار وطني شامل حول مختلف القضايا الوطنية جارٍ إلى جنب بذل الحكومة جهودها وتعزيزها للحفاظ على السلام والاستقرار في البلاد".
ولفت المتحدث إلى أن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لا تستجيب بشكل إيجابي لجهود السلام، وتستعد لحرب أخرى من خلال تحويل مواردها الضئيلة إلى جبهة الحرب لإحداث كارثة إضافية في البلاد". ودعا المجتمع الدولي إلى "إدانة الممارسات والأعمال اللاإنسانية لأعضاء جماعة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ومحاسبتهم".
مايك هامر
على صعيد متصل، كان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي، دمقى مكونن، التقى الجمعة، المبعوث الخاص للولايات المتحدة للقرن الأفريقي المعين حديثاً مايك هامر.
وتناول الجانبان قضية الإمدادات الإنسانية، وتسهيل الوصول غير مقيد للشركاء الإنسانيين إلى إقليم تيغراي، والتدابير المتخذة بشأن المساءلة في انتهاكات حقوق الإنسان بالإقليم. وأشار نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية إلى "قرار إثيوبيا بتنفيذ توصيات تقرير التحقيق المشترك للجنة حقوق الإنسان الإثيوبية ومفوضية الأمم المتحدة السامية، منوهاً إلى تحفظات حكومته على قرار الأمم المتحدة، الذي يقضي بتشكيل لجنة من ثلاثة أعضاء من الخبراء للتحقيق في الانتهاكات. وكون لا يأخذ القرار في الاعتبار مخاوف إثيوبيا بشأن تركيز التحقيق، الذي يحذف الفظائع التي ارتكبتها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في إقليمي أمهرة وعفر، وتجنب إجراءات المساءلة الحكومية وتقويض الاستقلال المؤسسي للجنة حقوق الإنسان الإثيوبية".
وفي حين أكد المسؤول الأميركي أن زيارته إلى إثيوبيا كانت لإثبات حرص الولايات المتحدة على العمل مع الحكومة الإثيوبية وتقديم الدعم لمبادرات السلام، أشار مكنن إلى أن "الشعب الإثيوبي شهد دماراً كافياً بسبب النزاع، وأن الحكومة ليس لديها مصلحة في التورط بجولة أخرى من الصراع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
متجافية مع أديس أبابا
الخبير والمؤرخ الإثيوبي، آدم كامل، وصف الأوضاع في إثيوبيا بالغموض، على الرغم من تحركات الحكومة نحو السلام والحوار. وقال إن "المعلومات ضعيفة بشأن السلام"، مشيراً إلى أن "الوساطات ما زالت جارية من بعض الأطراف كالطرف النيجيري بقيادة الرئيس النيجيري أوباسانغو، إلى جانب الدور الأميركي لتركيزهم على تحقيق عملية السلام في القرن الأفريقي".
وقال كامل لـ"اندبندنت عربية"، إن "رئيس الوزراء آبي أحمد أطلق دعوة لحوار وسلام وطني شامل يعم البلاد، لكن استجابة الأطراف الأخرى حتى الآن غير واضحة، وفي مقدمتها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. كما أن ما قامت به الحكومة في تسهيل عمل المنظمات الأجنبية والهدنة الإنسانية يأتي كدلالة على حسن النوايا نحو السلام".
وأشار إلى أن "هناك من جهة أخرى حرص المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة على سلام الساحة الإثيوبية، فيما ظلت تدفع به واشنطن من توجيهات وتمارسه من ضغوط، لكن هناك أبعاداً أخرى تتمثل في ما تركته الحرب السابقة من ضغائن لا تزال باقية في النفوس، إلى جانب أطراف إقليمية كدولة إريتريا".
وأكد أن الأوضاع في إريتريا ليست على ما يرام، وأن علاقات إريتريا الحالية مع أديس أبابا مشكوك فيها لغياب القيادة الإريترية في كثير من المواقف، وعدم مشاركتها في المناسبات القومية في إثيوبيا، التي تقلصت بدرجة كبيرة جداً". وأضاف، "ربما ليس لدى إريتريا رغبة أن يكون هناك صلح مع تيغراي نسبة للمشكلات الكثيرة بين الطرفين".
وأشار كامل إلى أن ما ارتكبته عناصر تيغراي من فساد إبان قيادتها للسلطة خلال الـ27 عاماً الماضية، ترك مرارة لدى الإثيوبيين، إلى جانب انعكاسات اقتصادية لا تزال تعانيها البلاد في غلاء الأسعار، وتأثر النشاط التجاري. وأوضح أن "الأوضاع الإقليمية الحالية ليست من مصلحة تيغراي"، لافتاً إلى أنه "وعلى الرغم من استعداداتهم للحرب ضد الحكومة الإثيوبية فإن كثيرين منهم أصبحوا يفكرون في تحقيق الصلح مع أديس أبابا".
وأضاف كامل أن الحكومة حريصة على تحقيق السلام، ولكن لا يتم ذلك إلا إذا تبعته مشاركة دولية جادة تضع الأمور في نصابها بالضغط على جبهة تحرير تيغراي والعناصر المتمردة الأخرى، وتقديم مساعدات في إعادة إعمار ما خلفته الحرب من دمار". وأشار إلى أن "الأوضاع العالمية جراء الحرب في أوكرانيا جعلت الأميركيين والأطراف الغربية متورطة في ظروف سياسية واقتصادية عالمية تجبرهم إلى تحقيق سلام جاد في منطقة القرن الأفريقي، لما تمثله من أهمية استراتيجية في القارة الأفريقية قابلة لأي احتمالات سيئة".