منذ ما يزيد على 70 يوماً، ما زالت المعركة التي شنتها قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر لــ "تحرير العاصمة طرابلس من قبضة الميليشيات" تشهد جموداً ميدانياً، في وقت يرى مراقبون أنها فشلت في اختراق دفاعات قوات حكومة الوفاق.
ووسط استمرار المعارك في جبهات القتال جنوب العاصمة، لا سيما في محور طريق المطار الاستراتيجي الذي يصل إلى قلب المدينة، أكدت مصادر إعلامية محلية استهداف سلاح الجو التابع للجيش تمركزاً لقوات الحكومة في "شارع الخلاطات" قرب طريق المطار، بينما نشرت الصفحة الرسمية لـ "عملية بركان الغضب" التابعة للحكومة، صوراً تظهر دخاناً متصاعداً قالت إنها مشاهد لاستهداف ذخيرة وإمداد عسكري للجيش في منطقة "جنودبة"، جنوب طرابلس.
قرب حسم المعركة
وكرر جانبا الصراع في ليبيا مرات عدة "قرب حسم المعركة"، ويبدو أن كلاهما فقد المبادرة للهجوم على مواقع الآخر، إذ لا تزال قوتا الجيش والحكومة تتقاسمان السيطرة على أحياء عين زاره ووادي الربيع والعزيزية، بينما يسيطر الجيش على حي "قصر بن غشير" المحاذي للمطار، وتسيطر قوات الحكومة على منطقة "السواني" إلى غريان، وهي المدينة التي تُعتبر المركز الرئيس لقيادة معركة السيطرة على طرابلس.
ويعزو رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أسباب تأخر حسم المعركة من جانب الجيش إلى التدخلات الخارجية، قائلاً خلال حوار صحافي إن "دعم قطر وتركيا للميليشيات في طرابلس أخّر حسم معارك الجيش لتحرير العاصمة"، على الرغم من تأكيده أن "هذا الدعم لن يثني الجيش عن استمرار تحركاته". وهي الأسباب ذاتها التي يعلنها قادة حكومة الوفاق، ففي منتصف أبريل (نيسان) الماضي، أعلن وزير داخلية الحكومة فتحي باشاغا "تعليق التعاون الأمني مع فرنسا"، متهماً إياها بدعم الجيش وإطالة أمد الحرب.
"اقتحام العاصمة عسكرياً ليس هدفنا"
لكن قادة المحاور لدى الطرفين يبرزون أسباباً أخرى، فاللواء فوزي المنصوري، آمر محور عين زارة في قوات الجيش، أكد لـ "اندبندنت عربية" أن "اقتحام العاصمة عسكرياً ليس هدفنا"، موضحاً أن عدم حسم المعركة حتى الآن، جاء بسبب استمرار الميليشيات في مدّ الجبهات بالمقاتلين. وقال "المعركة لاستنزافهم بعيداً من المدنيين ولا يعني هذا عدم مقدرتنا على التقدم نحو وسط المدينة".
وسط هذه الأجواء، نفى أحمد بوشحمة قائد ميداني في قوات حكومة الوفاق مقدرة قوات الجيش على اقتحام العاصمة، وأعطى أسباباً مشابهة تؤخر حسم المعركة لصالح قوات الحكومة، قائلاً لـ "اندبندنت عربية" "لدينا المقدرة العسكرية على طرد قوات حفتر لكننا نأمل أن يسلّم المقاتلون الذين غرر بهم حفتر أسلحتهم، وهم أبناء بلدنا". وذكر أن قوات الحكومة تقدمت أكثر من مرة داخل مناطق سيطرة الجيش.
خلافات قادة المحاور
ومما لا شك فيه، أن المعركة لم تفض بأسرارها كاملة، لكن مشاهد عدم التنسيق والعشوائية التي تعيشها قوات الحكومة تبدو من الأسباب التي أخّرت حسم المعركة لصالحها، كما أن قيادياً في محور السوان، غرب العاصمة، أكد أن الإمدادات العسكرية التي وصلت الشهر الماضي من تركيا بطلب من الحكومة "لم تُوزّع" بسبب خلافات كبيرة بين قادة المحاور حول حصص كل منهم باستثناء الذخائر أو الطائرات المسيرة عن بعد، التي تنطلق للمشاركة في المعركة من قاعدة معيتيقة في طرابلس أو مقر الكلية الجوية في مصراته.
المحلل السياسي حسين مفتاح أقرّ بكل هذه الأسباب، إضافة إلى وجود أسباب أكثر عمقاً، مشيراً إلى أن "فجائية الإعلان عن المعركة أربكت حسابات الطرفين". وقال إن من دوافع المعركة، اللحظة السياسية المرتبطة باستعدادات تجريها الأمم المتحدة بغية التوصل إلى وفاق سياسي موسع بعقد "الملتقى الوطني الجامع" الذي يراه قادة الجيش خطوة لتمكين الميليشيات والتيارات الإسلامية المتشددة في مؤسسات الدولة والقرار السياسي من انطلاق المعركة، التي بدأت بتحرير العاصمة من الميليشيات، ثم ارتفع السقف للمطالبة بإقصاء "حكومة الوفاق" باعتبارها داعمة للميليشيات.
ولفت مفتاح إلى أهمية الأسباب التي أبداها عقيلة صالح بشأن التدخل الخارجي، موضحاً أن "التدخل ليس من جانب تركيا وقطر فقط، فالعراقيل السياسية التي وُضعت أمام الجيش في دوائر صنع القرار الأممي كسعي بريطانيا لقرار يطالب الجيش بالانسحاب، لها تأثيرها بكل تأكيد في ميدان المعركة". واعتبر أن الحسابات الدولية وأطماع بعضها، يضطر الجيش إلى التمهل، تلافياً لمخاطر التدخل الخارجي المباشر.
معركة طرابلس
وتختلف معركة طرابلس، بحسب السنوسي البراني، العميد الليبي المتقاعد والخبير الأمني، عن غيرها من معارك الجيش السابقة، وطول مدتها "لا يعني عدم مقدرة الجيش على الحسم"، بل يعني برأي البراني أن لـ "الجيش حسابات وفق خططه منها استنزاف وتشتيت الميليشيات وإضعافها". وقال البراني "عدم فتح الجيش محوراً جديداً في سرت وسط البلاد مع مقدرته على ذلك، يؤكد أن الخطة لها مراحل"، لافتاً إلى سبب آخر يتمثل في "تجمع كل القوى الميليشياوية الفارة من جنوب وشرق طرابلس، ما يعني أنها معركة وجود بالنسبة إليهم، وبالتالي، فالجيش يخوض أكبر معاركه الآن".
وأضاف أن "تقدم الجيش إلى داخل المدينة هو ما تريده الميليشيات، لكنه يرفض الانجرار إلى معركة شوارع يمكن أن تستمر مدة طويلة وأضرارها كبيرة جداً على المدينة التي تمثل عاصمة البلاد".
معارك وليس معركة
وتتشكل قوات الحكومة من فصائل مسلحة مختلفة بعضها يحمل أفكاراً أيديولوجية متشددة، لذا اعتبر البراني أن "الجيش يخوض معارك وليس معركة واحدة، فكل فصيل مسلح له أهدافه وبعض الفصائل يحاول تسويق حربه على الجيش على أساس جهوي لنقل الحرب إلى حرب أهلية". في هذه الأثناء، لا يستبعد مراقبون أن يقرر الجيش وقف المعركة بفعل متغيرات سياسية دولية قد تدفعه إلى القبول بوساطات على أسس أو شروط جديدة، خصوصاً إذا تحقق هدفه باستنزاف قوة الميليشيات المتشددة، ما يمكّنه من فرض شروطه على ميليشيات مناطقية أقل خطراً، لحلها واستيعابها في برامج مدنية بعيداً من السلاح.