انعكست الأزمة السياسية في العراق المتمثلة باستقالة نواب الكتلة الصدرية من مجلس النواب العراقي، سلباً على الأردن، الذي يخشى أن تؤدي هذه التعقيدات إلى تعطيل مصالحه الاقتصادية مع بغداد، وأبرزها اتفاقيات مهمة جرى توقيعها منذ نحو عامين، لكنها تواجه منذ ذلك الحين استعصاء برلمانياً يتمثل بتشويش متعمد من قبل بعض التيارات المحسوبة على إيران، واستغل الأردن زيارة رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي إلى البلاد، الاثنين 13 يونيو (حزيران)، للتأكيد على أهمية تطبيق الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين بعيداً من التجاذبات السياسية الداخلية.
والتقى الحلبوسي بالملك الأردني عبدالله الثاني الذي أكد على مركزية العراق في المنطقة، مضيفاً أن "نجاح العراق هو نجاح للجميع في الإقليم، ونحن في خندق واحد".
وبينما يحتفظ رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي زار الأردن أربع مرات خلال العقد الأخير، والتقى خلالها بالعاهل الأردني، بعلاقات جيدة مع عمّان، تحاول الدبلوماسية الأردنية منذ سنوات التواصل سياسياً مع كل المكوّنات العراقية بخاصة تلك التي تمتلك ثقلاً ونفوذاً في البلاد.
وعود عراقية
بدوره، كشف رئيس مجلس النواب الأردني عبد الكريم الدغمي، عن وعود أطلقها الحلبوسي خلال زيارته عمّان، لحث السلطة التنفيذية في بلاده على تنفيذ المشاريع المتفق عليها مع الأردن التي تشكل طوق نجاة للاقتصاد الأردني، وقال الدغمي إن المباحثات مع الحلبوسي ركزت على تقوية ودعم الحكومتين الأردنية والعراقية في تنفيذ مخططات المشاريع التي اتفق عليها سابقاً في لقاءات كثيرة مشتركة، بخاصة بعد التعاون الثلاثي بين الأردن والعراق ومصر.
وتحدث الدغمي عن التكامل الاقتصادي بين البلدين من خلال تنفيذ المنطقة الاقتصادية المشتركة، ومشروع أنبوب النفط العقبة - البصرة، إضافة إلى النقل البري المشترك عبر التذكرة الموحدة والربط الكهربائي المشترك ومشاريع المقاولات والإنشاءات.
الملف الأمني ومكافحة الإرهاب
وطغى الملف الأمني على مجريات زيارة الحلبوسي للأردن، وبدا هذا واضحاً من خلال انضمام مدير المخابرات الأردنية اللواء أحمد حسني إلى اللقاء الذي جمع الحلبوسي بالعاهل الأردني.
وأكد رئيس مجلس النواب الأردني وقوف الأردن إلى جوار العراق لمواجهة التحديات والعقبات التي يواجهها لا سيما ما يتعلق بالإرهاب والتطرف، في حين أكد الحلبوسي دعم الحكومة العراقية كل ما من شأنه تعزيز العلاقات مع الأردن، داعياً لزيادة تبادل المعلومات الأمنية مع الأردن للقضاء على الإرهاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعب الأردن، منذ سنوات، دوراً مهماً في محاربة تنظيم "داعش"، كما احتضنت عمّان، لسنوات، تدريبات مكثفة لأجهزة الأمن العراقية، وقبل نحو عام، أطلق رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة تصريحات خلال لقائه وفداً أمنياً عراقياً برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي، بقوله إن أمن العراق جزء لا يتجزأ من أمن الأردن، في إشارة الى التنسيق الأمني بين البلدين.
ولطالما عرضت عمّان تقديم خبراتها الأمنية المتقدمة، بخاصة بعد تعرض شريكها السياسي في العراق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لمحاولة اغتيال عام 2021.
اتفاقات مشتركة تعطلها إيران
في العام 2019، عقدت قمة بين رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي مع نظيره الأردني السابق عمر الرزاز قرب الحدود المشتركة بين البلدين، وتمخّض عنها اتفاق على إنشاء منطقة صناعية وتجارية مشتركة، تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، ولم تكن هذه الاتفاقية الوحيدة بين البلدين، إذ اقتربت عمّان من بغداد أكثر، طيلة السنوات الماضية، ضمن ما بات يعرف إعلامياً بمشروع "الشام الجديد"، الذي رأت فيه طهران تهديداً لنفوذها وسطوتها في العراق، لذلك، حاولت جاهدة عبر المكونات السياسية التي تمثلها وتدين لها بالولاء في البرلمان العراقي، إجهاض أي مشاريع قد تنبثق من هذا التعاون.
بموازاة ذلك، نمت حماسة شعبية أردنية للعلاقة مع بغداد، إذ عبر 60 في المئة من الأردنيين عن رغبتهم بتقويتها وفقاً لاستطلاع رأي رسمي، كما يرغب 51 في المئة بتعزيز العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين.
وعطلت إيران الكثير من الاتفاقيات المهمة بين الأردن والعراق كمشروع الربط الكهربائي وتزويد العراق الأردن بالنفط، وكان التباطؤ سمة بارزة ترافق تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بسبب تحفظات قوى سياسية عراقية حليفة لطهران، بخاصة حيال مشروع أنبوب البصرة - العقبة، باعتباره مناكفة لإيران التي وجدت نفسها أمام خطر الاستغناء عن شراء الغاز والكهرباء منها.
وشكت عمان مراراً من وجود تدخلات إيرانية تضغط في اتجاه عدم فتح الحدود العراقية مع الأردن، وإعادة العلاقات إلى طبيعتها، وشنت وسائل إعلام عراقية موالية لإيران حملة ضد الأردن، مطالبة بوقف الاتفاقيات التجارية بين البلدين، ووقف ضخ النفط العراقي إلى عمان بأسعار تفضيلية.