تستمر ظاهرة "تكدس" أسئلة النواب الموجهة للحكومة في مكتب برلمان الجزائر، ويتواصل معها الخصام بين ممثلي الشعب والوزراء في شكل تبادل اتهامات وتنافس على تقديم التبريرات، ما جعل الشكوك تتسرب إلى الشارع حول حقيقة قدرة البرلمان على تحقيق وعوده بالتغيير.
وأثار غياب بعض الوزراء عن الجلسات المخصصة للرد على الأسئلة الشفوية بالغرفة السفلى، حفيظة البرلمانيين الذين انتقدوا تعامل الطاقم الوزاري مع انشغالات الشعب، ما فتح المجال لطرح تساؤلات حول استمرار إشكالية ضعف استجابة الحكومة لأسئلة المنتخبين وتأخرها في الرد، ويعد تقليص عدد الوزراء المعنيين بجلسة الأسئلة الشفوية التي كانت مقررة الخميس الماضي، من 6 وزراء إلى اثنين، القطرة التي أفاضت الكأس، حيث احتج عدد من النواب على التصرف الذي وصفوه بـ "الاستهتار".
انشغال أو هروب؟
وأشار النائب أحمد صادوق، إلى أن جلسة الأسئلة الشفوية المبرمجة الخميس كانت تضم قائمة من 6 وزراء بعدد 30 سؤالاً، ثم بعد يومين تقلصت إلى 4 وزراء بـ 19 سؤالاً، ليتفاجأ الجميع باقتصارها من جديد على وزيرين بـ 9 أسئلة، وشدد أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر، بل أصبحت القاعدة هي الإلغاء والتأجيل والتعديل في آخر لحظة بلا أدنى اعتذار.
ويضيف صادوق، أن عشرات النواب ينتظرون دورهم لطرح الأسئلة لأشهر عدة، على الرغم من أن القانون يحدد مهلة شهر للرد عليها، وأبرز أن هناك العديد من الوزراء لم يبرمجوا في الجلسات من دون معرفة السبب، هل هو انشغال أو هروب. وتساءل: هل أصبحت الرقابة على عمل الحكومة من خلال الأسئلة الشفوية آخر اهتمام المسؤولين؟
ضعف التواصل
بالمقابل، يحمّل البرلماني محمد طويل، كلاً من الحكومة والنواب مسؤولية ضعف التواصل والعمل الرقابي للهيئة التشريعية، وأوضح أن تأخر الطاقم الحكومي في الرد على انشغالات النواب لا يتحمله الوزير فقط، بل حتى البرلماني، فالنواب من أصحاب الخبرة سارعوا في بداية الدورة البرلمانية إلى إيداع أسئلة فاقت أكثر من 30 سؤالاً للنائب الواحد، الأمر الذي تسبب في حرمان زملائهم الجدد من التدخل، إضافة إلى تأخر مكتب المجلس في برمجتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل ما أغضب النواب إشراف السنة الأولى للعهدة التشريعية التاسعة على الاختتام، وفي وقت كان الجميع ينتظر منهم إعادة الاعتبار للعمل الرقابي والعلاقة بين الحكومة والبرلمان، غير أنه أمام هذه الانتقادات لم تحرك الحكومة ساكناً، كما لم يكلف مكتب البرلمان نفسه عناء الرد على انشغالات النواب.
بين البرمجة والعدد الكبير
وأمام صمت مكتب البرلمان، ومن أجل مزيد من التوضيحات، انتقلت "اندبندنت عربية" إلى مقر البرلمان، وتحصلت على تصريحات مقتضبة من النائب محمد علي ربيج، رئيس لجنة الصحة، الذي شدد على أنه يجهل الأسباب الحقيقية لعدم رد الوزراء على أسئلة النواب، رافضاً اعتبار هذا السلوك إهانة للبرلمانيين، وأشار إلى أنه حسب وزيرة العلاقات مع البرلمان، عدد الأسئلة كبير وتبقى البرمجة أحد أهم أسباب التأخر في الرد، لكن دون تأكيده أو نفيه حول وجود 1700 سؤال برلماني من دون استجابة من الطاقم الحكومي، وختم أن البرمجة والعدد الكبير أهم أسباب عدم الرد على الأسئلة.
تقزيم دور البرلمان
في السياق، يرى الناشط السياسي مراد بياتور أنه دائماً ما ارتبط بالنظام السياسي في الجزائر تداخل وغياب التوازن بين السلطات، وهذا "ما يجعلنا حالياً نتساءل عن مهام البرلمان وهل حقيقة أن النواب بإمكانهم مناقشة وسن قوانين قد تغير من يوميات الوطن والمواطن"، مضيفاً أنه من حق الشعب أيضاً أن يتساءل حول دور وأهمية هذه المؤسسة.
ويتابع بياتور، أن "غياب العمل البرلماني والخضوع للسلطة التنفيذية جعل المشرع الجزائري دون أية قيمة مضافة للحياة العامة، وهو الأمر الذي يدفع بالشارع الجزائري كلما أتيحت له الفرصة، لانتقاد إهدار الأموال في أجور نواب لا يقومون سوى برفع الأيدي للمصادقة على أوامر فوقية"، وتساءل عن آخر مرة حضر رئيس الجمهورية إلى البرلمان؟ وكم مرة تم تقديم حصيلة عمل الحكومة أمام نواب الشعب؟ وختم أنه بالإجابة عن هذه الأسئلة "نعرف مدى تقزيم دور البرلمان وسبب سخط الشارع من نوابه".
"أهل الكهف"
يبدو أن نواب البرلمان الحالي أثاروا غضب الشارع في عامهم الأول، وهو ما كشف عنه منشور للناشط السياسي، محمد بن عالية، الذي عنونه بـ "برلمانيو الجزائر وأهل الكهف"، حين قال "برلمانيو الجزائر يقضون عهدتهم في سبات عميق، يتقلبون في نومهم المخزي ذات اليمين وذات الشمال، تحسبهم أيقاظاً وهم رقود، لا يدرون ما يدور حولهم"، وقال إنه منذ 12 يونيو (حزيران) 2021، "لم نسمع لهم حساً ولا مساً، سنة من عهدتهم المتهالكة مضت ولا حياة لهم، لكنهم مقابل سكرتهم يأتيهم رزقهم من خزينة دافعي الضرائب دون كد ولا جهد ولا عناء يبذلونه"، وتابع، "لم نر لهم موقفاً ولم نسمع لهم لا صوتاً ولا صيتاً حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تزداد تأزماً وتعقيداً كل يوم، وحول ما يحيط بالجزائر من تحرشات وتهديدات إقليمية وحتى دولية على غرار الأزمة غير المسبوقة مع إسبانيا".