في الوقت الذي يواصل البنك المركزي الأميركي تصعيد الحرب على التضخم، فإن أزمة تلوح في الأفق بسبب تشديد السياسات النقدية، تتمثل في أن تكاليف الاقتراض ترتفع بشكل حاد بالنسبة للعائلات والشركات.
ورفع البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة القياسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية، وهي أكبر زيادة منذ عام 1994. في أعقاب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في مايو (أيار) الماضي، وهي أكبر زيادة في 22 عاماً.
وتظهر حقيقة أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتحرك بشكل حاسم الثقة في صحة سوق العمل، لكن السرعة التي من المتوقع أن ترتفع بها أسعار الفائدة تؤكد المخاوف المتزايدة في شأن ارتفاع تكاليف المعيشة. وقد ارتفعت أسعار المستهلكين خلال الشهر الماضي، بأسرع وتيرة منذ 40 عاماً. ومن المرجح أن يجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة مرات عدة في الأشهر المقبلة. وقد يلجأ مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادات كبيرة إضافية في أسعار الفائدة في محاولة لاحتواء التضخم.
توقعات باستمرار تباطؤ الاقتصاد
من المرجح أن يختبر الأميركيون في البداية هذا التحول في السياسة من خلال ارتفاع تكاليف الاقتراض، حيث لم يعد الحصول على رهون عقارية أو قروض شراء سيارات رخيصة الثمن. وسيكسب النقد الموجود في الحسابات المصرفية شيئاً أخيراً، وإن لم يكن كثيراً.
ويقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتسريع أو إبطاء الاقتصاد عن طريق تحريك أسعار الفائدة أعلى أو أقل. فعندما اندلع الوباء، جعل الاحتياطي الفيدرالي الاقتراض شبه مجاني في محاولة لتشجيع الإنفاق من قبل الأسر والشركات. ولتعزيز الاقتصاد الذي دمره فيروس "كوفيد"، طبع البنك المركزي الأميركي أيضاً تريليونات الدولارات من خلال برنامج يعرف باسم التيسير الكمي. وعندما تجمدت أسواق الائتمان في مارس (آذار) 2020، طرح بنك الاحتياطي الفيدرالي تسهيلات ائتمانية طارئة لتجنب الانهيار المالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأسهت خطط التحفيز الضخمة التي أطلقتها الحكومة الأميركية والبنك الاحتياطي الفيدرالي في زيادة حجم السيولة والنقد بنسب ضخمة، ما دفع إلى تضخم مرتفع سجل أعلى نسبة في أكثر من 4 عقود، لكن في الوقت نفسه، تقترب البطالة حالياً من أدنى مستوى لها منذ 50 عاماً. وفي المقابل، فإن التضخم مرتفع للغاية. ولم يعد الاقتصاد الأميركي بحاجة إلى كل تلك المساعدة من الاحتياطي الفيدرالي. والآن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بإبطاء الاقتصاد من خلال رفع أسعار الفائدة بقوة.
ويكمن الخطر في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يفرط في تناولها، ما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لدرجة أنه يقود بطريق الخطأ إلى حدوث ركود يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة.
تكاليف الاقتراض آخذة في الارتفاع
في كل مرة يرفع فيها الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، يصبح الاقتراض أكثر تكلفة ويعزز من وجود 6 مخاطر، حيث يعني ارتفاع تكاليف الفائدة على الرهون العقارية وخطوط ائتمان حقوق الملكية وبطاقات الائتمان وديون الطلاب وقروض السيارات. كما ستزداد قروض الأعمال سعراً للشركات الكبيرة والصغيرة.
لكن أكثر الطرق الملموسة للتأثير في هذا الأمر هي الرهون العقارية، حيث أدت زيادة أسعار الفائدة بالفعل إلى ارتفاع الأسعار وتباطؤ نشاط المبيعات. وقد بلغ الرهن العقاري معدلاً ثابتاً لمدة 30 عاماً، وقدر بـ5.23 في المئة خلال الأيام الماضية. ما يمثل ارتفاعاً حاداً عن أقل من 3 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي. وتجعل معدلات الرهن العقاري المرتفعة من الصعب تحمل أسعار المساكن التي ارتفعت بشكل كبير خلال الوباء. ويمكن أن يؤدي ضعف الطلب إلى تهدئة الأسعار. وقد ارتفع متوسط سعر منزل قائم تم بيعه في أبريل (نيسان) الماضي بنسبة 15 في المئة على أساس سنوي إلى 391.200 دولار، وفقاً للجمعية الوطنية للوسطاء العقاريين.
يتوقع المستثمرون أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع الحد الأقصى لنطاقه المستهدف إلى 3.75 في المئة على الأقل بحلول نهاية العام. وقد رفع البنك أسعار الفائدة إلى 2.37 في المئة خلال ذروة دورة رفع أسعار الفائدة الأخيرة في أواخر عام 2018. وقبل الركود العظيم في 2007 إلى 2009، ارتفعت أسعار الفائدة إلى 5.25 في المئة.
وفي الثمانينيات، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة بول فولكر أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة لمحاربة التضخم الجامح. وبحلول الذروة في يوليو (تموز) 1981، تجاوز سعر الفائدة الفعلي على الأموال الفيدرالية 22 في المئة. ومع ذلك، فإن التأثير على تكاليف الاقتراض في الأشهر المقبلة سيعتمد بشكل أساسي على وتيرة رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي لم يتم تحديدها بعد.
بشرى سارة للمدخرين
في الوقت نفسه، فإن الأسعار المتدنية أثرت على المدخرين. فالأموال المخبأة في المدخرات وشهادات الإيداع وحسابات سوق المال لم تكسب شيئاً تقريباً خلال جائحة كورونا. وعند قياس التضخم، فقد المدخرون أموالهم، لكن الخبر السار هو أن معدلات المدخرات هذه سترتفع مع رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة. وسيبدأ المدخرون في كسب الفائدة مرة أخرى، لكن هذا يستغرق وقتاً طويلاً. وفي كثير من الحالات، لا سيما مع الحسابات التقليدية في البنوك الكبرى، لن يكون التأثير محسوساً بين عشية وضحاها.
وحتى بعد عدة زيادات في الأسعار، ستظل معدلات الادخار منخفضة للغاية بأقل من التضخم والعوائد المتوقعة في سوق الأسهم ويجب على الأسواق أن تتكيف. وكانت الأموال المجانية من الاحتياطي الفيدرالي رائعة بالنسبة لسوق الأسهم.
وتؤدي أسعار الفائدة الصفرية إلى خفض أسعار السندات الحكومية، ما يجبر المستثمرين بشكل أساسي على المراهنة على الأصول ذات المخاطر العالية مثل الأسهم. وشكلت المعدلات المرتفعة تحدياً كبيراً لسوق الأوراق المالية، الذي اعتاد، إن لم يكن مدمناً، على الأموال السهلة. وانغمست الأسهم الأميركية في سوق هابطة الاثنين، وسط مخاوف من أن الزيادات الشديدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة ستدفع الاقتصاد إلى الركود.
وسيعتمد التأثير النهائي لسوق الأوراق المالية على مدى سرعة رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، وكيفية أداء الاقتصاد الأساسي وأرباح الشركات في المستقبل. وكحد أدنى، تعني زيادة أسعار الفائدة أن سوق الأسهم سيواجه مزيداً من المنافسة في المستقبل من السندات الحكومية المملة.
معادلة احتواء التضخم وإنعاش سوق العمل
والهدف من رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي هو السيطرة على التضخم مع الحفاظ على انتعاش سوق العمل كما هو. والتضخم الذي وصل إلى 8.6 في المئة ليس قريباً من هدف الاحتياطي الفيدرالي عند 2 في المئة، فقد ازداد سوءاً في الأشهر الأخيرة.
ويحذر الاقتصاديون من أن التضخم قد يزداد سوءاً لأن أسعار الغاز استمرت في بلوغ مستويات قياسية في الأيام الأخيرة، ما أدى إلى تفاقم الارتفاع الذي بدأ بعد حرب أوكرانيا وتسبب في ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات بنسب قياسية.
ويتسبب ارتفاع تكلفة المعيشة في حدوث صداع مالي لملايين الأميركيين، ويسهم بشكل كبير في معنويات المستهلك المنخفضة بشكل قياسي، ناهيك بمعدلات الموافقة المنخفضة للرئيس الأميركي جو بايدن. ومع ذلك، سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى تبدأ رفع أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقليص التضخم. وحتى ذلك الحين، سيظل التضخم خاضعاً للتطورات الخاصة بالحرب الروسية في أوكرانيا، وفوضى سلسلة التوريد والإمداد، وأخيراً استمرار تداعيات جائحة كورونا على الأسواق والاقتصادات.