تسعى إسرائيل جاهدةً، بمؤسسَتيها السياسية والأمنية، إلى تحقيق إنجازات من خلال زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، المقررة الشهر المقبل، سواء على صعيد حزبي، إذ يبذل رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، جهوداً على مدار الساعة لمنع إسقاط حكومته ليكون رئيس الوزراء الذي سيستقبل بايدن، ولمنع قرار أميركي بإلغاء الزيارة إلى إسرائيل في حال انهيار الحكومة.
من جهة أخرى، تتواصل الأبحاث الأمنية في كيفية ضمان تحقيق إنجازات بالتوصل إلى اتفاق، أو على الأقل الحصول على وعود من الرئيس الأميركي بكل ما يتعلق بالمصادقة على اتفاقيات أمنية وحول الملف النووي.
ومنذ أن أُعلن عن موعد زيارة بايدن، يناقش الإسرائيليون سؤالاً مركزياً: مَن سيكون رئيس الحكومة الذي سيستقبل بايدن؟ بينيت أم يائير لبيد كرئيس حكومة مؤقت؟ أم أن جهود بينيت ستفشل، وستكون فرصة أمام زعيم المعارضة، بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومة بديلة على أساس الكنيست الحالي؟
الإسرائيليون على قناعة بأن قرار بايدن بإجراء الزيارة في هذا الوقت، إنما يؤكد أن مركز الزيارة ليس إسرائيل، بل السعودية، وليست لتسخين العلاقة بين تل أبيب وواشنطن، بل لبلورة حليف إقليمي في المنطقة لمواجهة مختلف الأزمات، وليس فقط إيران، وهذا بحد ذاته يثير بعض القلق الإسرائيلي حول مدى جدية التعامل مع إسرائيل خلال الزيارة وما هي الوعود التي سيتركها بايدن للإسرائيليين.
من ناحيته، انطلق بينيت في معركة الحفاظ على كرسي رئاسة الوزراء خلال هذه الزيارة، وفيما يجري لقاءات مكثفة، مع عضو الكنيست من حزبه "يمينا"، نير أورباخ، لمنعه من اتخاذ أي خطوة تؤدي إلى إسقاط الحكومة قبل زيارة بايدن، سارع إلى نشر برنامجه كمستضيف للرئيس الأميركي، مشيراً إلى أنه على قناعة بالتوصل إلى بلورة تفاهمات تعزز التعاون بين إسرائيل وأميركا وترفعه إلى مستويات جديدة إلى جانب اتخاذ خطوات لتعزيز دمج إسرائيل في الشرق الأوسط.
أورباخ عنصر مركزي في الزيارة وفي مستقبل الحكومة
وتشتد أنظار الأحزاب الإسرائيلية، في هذه الأيام، إلى قرار النائب نير أورباخ، بالتصويت إلى جانب حل الكنيست، ما يعني إسقاط الحكومة، علماً بأن ذلك لن يؤدي بالضرورة إلى انتخابات برلمانية جديدة، إنما هناك احتمال التصويت على اختيار عضو كنيست لتشكيل حكومة جديدة، وبالوضعية الحالية فإن المرشح الأقوى هو بنيامين نتنياهو الذي قد ينجح في تشكيل حكومة بديلة.
وسواء سيؤدي التصويت إلى انتخابات جديدة أو تشكيل حكومة بديلة، فإن بينيت يريد ضمان وجوده رئيساً للحكومة، على الأقل خلال زيارة بايدن، ومن أجل ذلك يكرس وقته لإقناع أورباخ بتأجيل تنفيذ قراره، لكن الأخير يقود مساراً آخر تجاه بينيت، إذ يسعى إلى جانب وزيرة الداخلية، إييلت شكيد، إلى إقناعه بالانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو.
ويُتوقع، الأحد 19 يونيو (حزيران) الحالي، استمرار جهود بينيت لإقناع أورباخ، عبر عقد لقاءات بين الأخير ونواب من الكنيست تربطهم به علاقات وثيقة، لكن رد أورباخ يقلق بينيت، إذ يرفض التراجع عن قراره، وسيصوّت إلى جانب مشروع قانون لحل الكنيست متوقَّع أن يقدمه حزب "الليكود"، الأربعاء المقبل.
ووفق تصريحات النائبة ميراف بن آريه، من حزب "يوجد مستقبل"، التي التقت أورباخ مرات عدة، فإن الوضع صعب. وقالت، "توقعاتي حل الحكومة وأورباخ يرفض التراجع عن موقفه".
لكن مع ذلك، يستمر بينيت بالترويج لبقائه على كرسي رئاسة الحكومة، حتى خلال زيارة بايدن، إذ حرص على الاستمرار بإطلاق التصريحات حول تلك الزيارة التي برأيه "ستسهم في تعميق العلاقات الخاصة والشراكة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب والتزام الولايات المتحدة بضمان وتعزيز أمن إسرائيل واستقرارها في المنطقة".
واستعرض بينيت بعض ما سيُطرح في الزيارة قائلاً إنه "سيتم خلال الزيارة الكشف عن إجراءات أميركية لصالح إسرائيل واندماجها في المنطقة والتوصل إلى اتفاقيات لتعزيز التعاون الأمني والمدني بين الولايات المتحدة وإسرائيل بما سيسهم برفع مستوى التحالف بين الدولتين إلى آفاق جديدة".
الملف الإيراني
ووفق التخطيط الإسرائيلي لزيارة بايدن، فسيتم تقديم تقرير حول الملف النووي الإيراني ومخاطر توقيع اتفاق مع إيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعرض أمنيون إسرائيليون على حكومتهم مقترحات في هذا الجانب مع التشديد على أن "الاتفاق الذي تبلور، حتى الآن، يقدم تنازلات لإيران تُضاف إلى التنازلات التي يشملها الاتفاق السابق (عام 2015). وبرأيهم، فإن الاتفاق سيتيح لإيران إمكانية الوصول إلى دولة حافة نووية، ومن ثم صناعة قنبلة نووية في غضون فترة قصيرة، ما يشكل خطراً ليس فقط على إسرائيل والمنطقة، إنما سيمس بالتفوق الأميركي في النظام العالمي، ويعمل على تغييره، باعتبار أن الاتفاق سيكون في صالح المعسكر الذي يجمع الصين وروسيا وإيران.
من هنا تسعى إسرائيل، ممثلةً ببينيت ولبيد إلى إقناع بايدن بموقفها، وضمان تعزيز التفاهمات مع واشنطن حول هذه الجوانب.
لبيد الذي أوضح موقفه بهذا الشأن يرى أن الحاجة الضرورية تتطلب إقناع الولايات المتحدة بضرورة إعادة موضوع العقوبات على إيران إلى مجلس الأمن الدولي. وقال إن إسرائيل تحاول بناء "هندسة إقليمية" توضع فيها إيران تحت حصار أمني وسياسي".
في الوقت الحالي، هناك توقعات أميركية مغايرة، نقلها دبلوماسي أميركي في مقابلة مع صحيفة "هآرتس"، حيث قال إنه "غير مقتنع بأن زيارة بايدن ستؤدي إلى شرق أوسط جديد أو حلف عسكري استراتيجي يضم إسرائيل، وحتى جزء من الدول العربية، بخاصة في الوقت الذي لكل واحدة من هذه الدول أجندة منفصلة، وأحياناً مصالح متناقضة".
وفهم الإسرائيليون من هذا التصريح أنه "باستثناء إسرائيل، فإن كل الدول المستعدة للانضمام إلى هذا التحالف لا ترى في إيران هدفاً لهجوم عسكري، وسيكون من الصعب إقناع الولايات المتحدة بالانضمام إلى حرب كهذه في وقت ترى في الخطوات الدبلوماسية المسار الوحيد لإبعاد التهديد النووي الإيراني".
عدم تصعيد التوتر مع الفلسطينيين
وتثير زيارة بايدن في شقها الفلسطيني، أيضاً، نقاشاً إسرائيلياً، تصاعد مع نقل رسالة أميركية إلى متخذي القرار في تل أبيب عبر المندوبة الأميركية التى تعد لزيارة بايدن إلى الدولة العبرية، باربارا آي ليف، والتي طلبت فيها من المستوى السياسي تجنب القيام بخطوات من شأنها زيادة التوتر مع الفلسطينيين حتى موعد الزيارة.
وأوصي سياسيون وأمنيون بضرورة التجاوب مع هذا المطلب وعدم اتخاذ خطوات من شأنها تصعيد التوتر قبل الزيارة. ومما طلبته آي ليف، الامتناع عن هدم بيوت منفذي عمليات أو دخول الجيش الإسرائيلي إلى مناطق تحت السيادة الفلسطينية، علماً بأن إسرائيل رفضت هذا الطلب معتبرةً أن تنفيذه يمس بأمنها.
وقدّرت جهات إسرائيلية أن المسؤولين سيتجنبون، إلى حين الزيارة، عقد جلسات خاصة حول المصادقة على مخططات بناء في المستوطنات أو مناقشة الاعتراضات على البناء في "إي -1" (E-1) غير الجوهرية، وتأجيلها إلى ما بعد الزيارة.
تعزيز النظام الدفاعي
جانب مهم تعوّل عليه إسرائيل من زيارة بايدن، هو تعزيز نظام الدفاع الجوي المضاد للصواريخ، على خلفية توقعات حدوث توتر جرّاء الاتفاق النووي الإيراني كما سيطلب الإسرائيليون الانتقال من تعاون عسكري إلى تطوير القوة العسكرية وتوسيع الهيئات المشتركة في المجال الدفاعي.
ويبدو أن الإسرائيليين مطمئنون في هذا الجانب، إذ نُقل لهم عبر مسؤول أميركي أن الرئيس بايدن قد يزور منطقة في إسرائيل تم نصب منظومة "القبة الحدديدية" فيها للاطلاع عليها عن كثب.
ويستعد الإسرائيليون لاستعراض "القبة الحديدية" و"حيتس" المضادة للصواريخ الطويلة المدى ومنظومة "العصا السحرية" لاستعراض صواريخ متوسطة المدى.
كما سيتم التداول، وفق المسؤول الأميركي، الذي رفض الكشف عن هويته، مجمل تقنيات الليزر المضادة للصواريخ والمخاطر الجوية الأخرى. ومتوقَع استعراض منظومات مضادة للصواريخ والطائرات من دون طيار عبر الليزر أمام بايدن، وسيُطلب خلال الزيارة مشاركة أميركية في تمويل هذا المشروع.