توسيعاً لسياسة يعتبرها المسؤولون الإسرائيليون "وسيلة للحفاظ على الهدوء والأمن"، رفعت تل أبيب في زيادة دراماتيكية وغير مسبوقة، عدد تصاريح العمل التي تصدرها للفلسطينيين في الضفة الغربية بمقدار 20 ألف تصريح دفعة واحدة، وسيصبح عدد الفلسطينيين من الضفة ممن لديهم تصاريح للعمل في إسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية، نحو 130 ألفاً، كما صادقت وزارة الدفاع الإسرائيلية، على خطة مبدئية لرفع عدد تصاريح غزة إلى 20 ألفاً.
عامل شرعي
ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية "ستقلل خطة التصاريح الجديدة من فرص وقوع هجمات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية، وستقلص المديح من جانب الفلسطينيين لمنفذي هذه الهجمات، بل ستحد من ظاهرة العمال غير الشرعيين". وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أن "كل عامل فلسطيني قبل حصوله على تصريح العمل، سيخضع إلى فحص أمني"، زاعمة أنه، في الشهرين الماضيين، كانت هناك زيادة بأكثر من 10 في المئة في عدد العمال الذين يحملون تصاريح قانونية ويمرون عبر المعابر الإسرائيلية.
وبموجب الخطة الجديدة التي أطلق عليها اسم "عامل 360"، ستتم زيادة حصة العمال الفلسطينيين في قطاع الصناعة والخدمات في إسرائيل، وسيرتفع عددهم في قطاع البناء فقط من 74 ألفاً إلى 80 ألفاً، ووفقاً لمنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية غسان عليان، فإن جملة واسعة من التسهيلات ستترافق مع تنفيذ الخطة، وسيتم تغيير معايير عمر التشغيل للفلسطينيين، عبر السماح للرجال المتزوجين من جيل 22 سنة وما فوق، والعازبين من جيل 27 فما فوق، التقدم بالحصول على تصريح عمل، كما سيسمح لغير المتزوجين من جيل 22 حتى 27 الدخول للعمل في إسرائيل، في حال كان لديهم أقرباء درجة أولى يعملون في قطاع البناء هناك، كما تضمن الخطة، بحسب ما هو معلن، اتخاذ خطوات قاسية وجدية ضد السماسرة والمقاولين الإسرائيليين الذي يشغلون عمالاً من دون تصريح، إضافة لتنفيذها حملة رقمية واسعة لرفع المنع الأمني عن فلسطينيين من مختلف المناطق في الضفة الغربية، كانوا قد ارتكبوا مخالفات قديمة.
وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وخلال جولة عند أحد الحواجز العسكرية شمال الضفة الغربية قال، "إلى جانب الاستخبارات والعمليات الهجومية والدفاعية، فإننا نقدم حلولاً ستمكن عشرات الآلاف من العمال الإضافيين من دخول إسرائيل بطريقة منظمة، سيحسن ذلك الأمن والاقتصاد الإسرائيلي والفلسطيني، وسنواصل محاربة الإرهاب والعناية بالاقتصاد".
خسائر فادحة
ومنتصف أبريل (نيسان) الماضي، عززت إسرائيل الإجراءات الأمنية رداً على العمليات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، ومنعت العمال الفلسطينيين من الدخول والخروج من وإلى إسرائيل، ونشرت قوات إضافية في الضفة الغربية وحدود غزة والمدن الرئيسة مثل القدس وتل أبيب، وتمت الموافقة آنذاك على تمويل بـ300 مليون شيكل (نحو 93 مليون دولار) لتحديث امتداد 40 كيلومتراً على طول السياج الحدودي مع الضفة الغربية.
في المقابل، حذر اتحاد مقاولي البناء في إسرائيل من أضرار هائلة تطال قطاع العقارات بسبب الإغلاق الذي تفرضه تل أبيب على الضفة الغربية بين الفينة والأخرى، ونقلت صحيفة "ذى ماركر" الاقتصادية عن الاتحاد قوله، "كل يوم من الإغلاق الذي لا يسمح فيه للعمال الفلسطينيين في الضفة الغربية بالتوجه إلى أعمالهم في إسرائيل، يؤثر على بناء 73 ألف وحدة سكنية، ويكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر بقيمة 406 ملايين شيكل (نحو 120 مليون دولار).
وطالب رئيس اتحاد المقاولين الإسرائيليين راؤول سروغو الحكومة الإسرائيلية بمواجهة مشكلة العمال غير القانونيين الذين يدخلون من دون الحصول على تراخيص، والتعامل معها بشكل جذري، مشدداً على أن أي عقوبات جماعية ضد العمال الفلسطينيين الذين يعملون بشكل قانوني، والذين يدخلون بشكل منظم للعمل في إسرائيل تفضي إلى "أضرار هائلة". أضاف، بحسب الصحيفة، "نحن نواجه نقصاً كبيراً في العمال منذ فترة طويلة، وهذا يوجب العمل بكل الطرق الممكنة من أجل إضافة مزيد من العمال إلى هذا القطاع، إذ لا يوجد إسرائيليون مستعدون للقيام بها."
ووفقاً لاتحاد المقاولين في إسرائيل، فإن 66 في المئة من العمال في مجال البناء والبنى التحتية هم من مناطق السلطة الفلسطينية، وأن 65 في المئة من الأنشطة في مجال البناء تعتمد على تواصل دخول هؤلاء العمال بشكل منتظم إلى إسرائيل.
وبحسب معطيات الاتحاد، فإن 14 ألف موقع بناء سيتوقف عن العمل عند إغلاق الضفة الغربية ومنع العمال الفلسطينيين من الدخول، إذ إن المقاولين يضطرون لدفع 9.7 مليون شيكل يومياً (نحو ثلاثة ملايين دولار) كرسوم تأجير شقق للأشخاص الذين اشتروا الشقق وتأخر موعد تسلمهم لها.
فرق الأجور
ويتقاضى عامل البناء الفلسطيني داخل إسرائيل أو في المستوطنات بالضفة الغربية، بين 70 و100 دولار يومياً، مقابل نحو 20 إلى 30 دولاراً في سوق العمل الفلسطينية، ووفقاً للبنك الدولي، فإن معدل البطالة في الضفة الغربية يصل إلى 18 في المئة، ما يجعل الإيرادات أمراً حيوياً لدى عديد من الأسر الفلسطينية.
وفي الوقت الذي تهاجر فيه الأيدي العاملة الفلسطينية إلى السوق الإسرائيلية، تعاني المنشآت الاقتصادية بالضفة الغربية من نقص كبير وحاد في العمال والمهنيين. وأكد رئيس غرفة تجارة وصناعة محافظة رام لله والبيرة عبد الغني العطاري، أن السبب الرئيس لنقص العمال في السوق الفلسطينية، توجه الغالبية منهم للعمل في إسرائيل بسبب فرق الأجور، مضيفاً، "لا يوجد عمال للعمل، على الرغم من أن رواتبهم قد تصل إلى 2500 شيكل (نحو 735 دولاراً) شهرياً، وفي محافظة رام الله والبيرة نحتاج إلى 30 ألف عامل، والنقص في مختلف القطاعات وبخاصة السباكة والتمديدات الكهربائية، إلا أن قطاع البناء في الضفة الغربية يبقى الأكثر تضرراً، إذ إن بعض المشاريع متوقفة بالكامل بسبب نقص عمال البناء".
حوادث مرتفعة
بحسب جمعية "عنوان العامل" لدعم العمال الفلسطينيين والدفاع عنهم في إسرائيل، يعمل في قطاع البناء الإسرائيلي 85 ألف فلسطيني من سكان الضفة الغربية الذين يحملون تصاريح، وبموجب التقديرات، يعمل 30 ألف فلسطيني إضافي في إسرائيل في قطاع البناء من دون تصريح، ويشكل العمال الفلسطينيون اليوم أكثر من نصف العاملين في أعمال البناء الخارجية (بناء هيكل العمارة)، لذلك، فهم معرضون أكثر لمخاطر العمل في البناء، وبخاصة للوقوع من أماكن مرتفعة، وينعكس هذا الواقع في النسب العالية للقتلى في قطاع البناء.
وقتل في إسرائيل، في كل من عامي 2020 و2021، 32 عاملاً في حوادث عمل في قطاع البناء، وفي 2017-2020، كانت نسبة العمال الذين لقوا حتفهم في حوادث العمل في قطاع البناء أكبر مما هو في الصناعة، والخدمات والتجارة والزراعة، و97 في المئة من القتلى في قطاع البناء لعمال فلسطينيين من الضفة أو من داخل إسرائيل، بينما اثنان في المئة في صفوف العمال الأجانب، وواحد في المئة من العمال الإسرائيليين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير معطيات الاتحاد الأوروبي إلى أن عدد قتلى حوادث العمل في قطاع البناء في إسرائيل وصل إلى 1.12 قتيل لكل 100 ألف عامل في القطاع، وهو الأكبر والأكثر بروزاً بمقياس عالمي، وعلى الرغم من تلك الأرقام المفزعة، يقبل الفلسطينيون الذين يدفعهم الفقر إلى فرص عمل، للإقبال على قطاع البناء داخل إسرائيل، بخاصة أنه من أكثر القطاعات أجراً، وقد يصل الأجر اليومي للعامل المحترف إلى 150 دولاراً.
جامعيون عمال
وأشارت دراسة سابقة نشرها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، إلى أن أبرز أسباب صعوبة ملء الشواغر الوظيفية، بحسب رأي المشغلين لدى المنشآت في الضفة الغربية، ندرة المتقدمين الذين يملكون المهارات والخبرات اللازمة، وتسرب العمال إلى سوق العمل الإسرائيلية، يليها وبفارق كبير عدم توفر التخصصات في المؤسسات الأكاديمية.
وأكد المحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم أن العمالة الفلسطينية مسألة استراتيجية للإسرائيليين لا يمكنهم وقفها. وقال، "استمرت العمالة الفلسطينية، منذ سنوات طويلة، في التدفق إلى إسرائيل، لأن العامل الحاسم كان دائماً الأمن مقابل الاقتصاد، كما أن الاقتصاد الفلسطيني لم يستطع في السنوات الـ10 الأخيرة توفير فرص كافية لاستيعاب خريجي الجامعات الذين يقدر عددهم سنوياً بـ40 ألفاً، في وقت يستوعب المشغلون على المستويات الحكومية والأهلية والخاصة عدداً يتراوح بين ثمانية وتسعة آلاف خريج سنوياً، بنسبة 15 في المئة فقط من حملة الشهادات، وهو ما يعني أن سوق العمل الفلسطينية غير قادرة على استيعاب الفائض".
أضاف، "اليوم، يوجد ما يقرب من 500 ألف خريج جامعي فلسطيني عاطلون عن العمل، وقد يضطر بعضهم للعمل داخل دولة الاحتلال بمهن لا تتواءم البتة مع شهاداتهم العلمية، أو الهجرة إلى الخارج للبحث عن فرصة عمل، حتى يتمكنوا من إعالة أنفسهم وعائلاتهم".
تصاريح نوعية
ونهاية العام الماضي، صادقت الحكومة الإسرائيلية على مشروع تجريبي على مدى ثلاث سنوات، سيتم بموجبه إصدار تصاريح عمل لـ500 فلسطيني من موظفي قطاع التكنولوجيا من الضفة الغربية، إذ يواجه قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي ولا يزال نقصاً كبيراً في العمالة، ووفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" سيكون عدد تصاريح العاملين في مجال التكنولوجيا التي سيتم إصدارها قليلاً، وسيتم إصدار 200 تصريح فقط عام 2022، وسترتفع الحصة بمقدار 200 تصريح آخر عام 2023 قبل أن تصل إلى 500 تصريح بالإجمال عام 2024. وقال وزير التعاون الإقليمي في إسرائيل عيساوي فريج، الذي عمل على المشروع، في بيان، "هذا سيفتح الأبواب ليس فقط للعمال ذوي الأجور المنخفضة، ولكن للموظفين ذوي الياقات البيضاء في صناعة رائدة".
بنك للعمال
ومنتصف مايو (أيار) 2022، نشر الموقع الرسمي لوزارة العدل الإسرائيلية نص مشروع قانون لإنشاء شركة مصرفية جديدة، تعمل على إعادة تنظيم العلاقات المالية بين البنوك الإسرائيلية والبنوك الفلسطينية، وقد بررت تل أبيب حاجتها إلى هذا القانون "بالتسهيل على العمال الفلسطينيين" العاملين داخل إسرائيل، الذين لا يتمكنون دائماً من تحويل أجورهم الشهرية إلى عائلاتهم، لأنهم يبيتون داخل إسرائيل لفترات طويلة تصل إلى أشهر. وإن تحويل الأموال من العمال إلى عائلاتهم من خلال حوالات مالية من البنوك الإسرائيلية إلى البنوك الفلسطينية من شأنه، بحسب القائمين على القانون، أن يسهل حياة العمال وعائلاتهم.
وقال الكاتب والباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية وليد حباس، "تحويل رواتب العمال الفلسطينيين العاملين في إسرائيل إلى البنوك الفلسطينية، يعني إدخال أكثر من 100 إلى 120 ألف عامل فلسطيني إلى المنظومة البنكية الفلسطينية، بالتالي، سيستطيعون الحصول على ائتمانات وقروض، والتمتع بكل الخدمات البنكية التي تمنح فقط لكل من يحصل على راتب عن طريق البنك، لكن في المقابل، وعلى الرغم من الفائدة الربحية التي ستحظى بها البنوك الفلسطينية من ذلك، فإن البنوك الفلسطينية ستكون مكشوفة بشكل أكبر للرقابة الأمنية والمالية الإسرائيلية، وهو أمر قد يعتبر تعديلاً حقيقياً أحادي الجانب على بروتوكول باريس التجاري 1994".