يتابع السودانيون بقلق بالغ ما يجري من نقاشات واتصالات بين الأطراف المختلفة من مدنيين وعسكريين لإنهاء الأزمة السياسية، وذلك عبر وساطة الآلية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيقاد) التي أطلقت في الثامن من يونيو (حزيران) حواراً سودانياً لإعادة النظام السياسي الذي انقضّ عليه انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وحضره المكون العسكري وأحزاب سياسية، والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وقاطعته جماعات مدنية رئيسة.
لكن، أرجئ الحوار بعد الجلسة الافتتاحية لأجل غير مسمى لإتاحة الفرصة للقوى السياسية التي قاطعت الحوار للانضمام لمساعي حوار الآلية الثلاثية، إذ ما زالت النقاشات مستمرة بين الأطراف المختلفة لبلورة رؤية سياسية يتفق حولها الجميع، فما هي العقبات التي تقف حجر عثرة لاستئناف الحوار، وما يدور من مفاوضات خلف الكواليس لتقريب وجهات النظر حول التسوية السياسية المتوقعة لإنهاء الأزمة؟
خوف من التخوين
وقال الكاتب السوداني عثمان ميرغني، "في تقديري، أن الوضع الحالي ينظر إليه بين تقديرات سياسية حزبية عدة تتعلق بالمجموعات المتوافقة ضمن تحالفات قوى الحرية والتغيير بمختلف تسمياتها في مواجهة المكون العسكري، في حين يقف الحزب الشيوعي في مسار منفصل تماماً عما يجري في المشهد السياسي، فضلاً عن مسار لجان المقاومة الذي يتحرك في اتجاه العمل الثوري بعيداً من التطورات السياسية، وسيواصل الضغط في الشارع حتى إذا تم التوصل إلى تسوية ليضمن عودة الجيش إلى ثكناته".
أضاف ميرغني، "لكن المشكلة تكمن في مسار قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، إذ يجري بعضها مفاوضات مع الآلية الثلاثية، وأخرى مع المكون العسكري، وللأسف لها وجهان، وجه داخل الغرف المغلقة أي خلف الكواليس، والثاني وجه إعلامي، والسبب يتعلق بكثير من الحذر لتقديرات بعض الأحزاب بأنها تقوم بتحريك الشارع وتخشى من عملية التخوين، لذلك تتستر حول كل ما يجري في قاعة المفاوضات". ورأى أن العقبة الأساسية بين الأطراف السودانية تتمثل في مسألة كيفية إنهاء عملية انقلاب 25 أكتوبر، وهذه المسألة لها تفسيران، فقوى الحرية والتغيير تفسرها بأنها عبارة عن عملية تسليم وتسلم للسلطة من قبل العسكر باعتبارها الحاضنة السياسية للحكومة الشرعية السابقة، بينما يعتقد المكون العسكري أن إنهاء الانقلاب يتم إما بحدوث توافق سياسي أو اللجوء إلى انتخابات مبكرة، وهذان المساران متوازيان لا يلتقيان.
شرط جزائي
وتابع الكاتب السوداني، "في اعتقادي أن ما يجري خلف الكواليس يرتبط بتظاهرات "مليونية 30 يونيو"، فقوى الحرية والتغيير لا تريد التوصل إلى اتفاق قبل موعد هذه المليونية خوفاً من التخوين واستخدام التظاهرات ضدها، لذلك تحاول ممارسة الضغط على المكون العسكري لتقديم مزيد من التنازلات. في المقابل، نجد أن المجتمع الدولي والإقليمي أرسل رسائل واضحة بأنه من الضروري توصل جميع الأطراف السودانية إلى تسوية، وإلا سيدعم خيار إقامة انتخابات مبكرة بمن حضر مع التلويح باستخدام العقوبات الفردية ضد الذين يحاولون منع إقامة هذه الانتخابات أو يقفون ضدها كشرط جزائي". أضاف أيضاً، "بالتأكيد أن السيناريوهات القاتمة سيدفع ثمنها الشعب السوداني لأنها تزيد من حالة اللا استقرار والمصير المجهول الذي يؤدي إلى الفوضى". واعتبر ميرغني أن المكون العسكري يسعى جاهداً لتمكين رغبته في البقاء في السلطة، بينما نجد أن المشكلة الحقيقية في قوى الحرية والتغيير تتمثل في تواضع وضعف خبرتها السياسية التي هي أقل مما تتطلبه المرحلة الراهنة، لكنه يرى أن الترتيبات الخارجية التي تقودها الآلية الثلاثية مؤثرة جداً على المشهد السياسي، فضلاً عن المساعي الكبيرة التي تبذلها واشنطن والرياض.
محاصصات وانقسامات
في السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم الزمزمي بشير، إن "أكبر عقبة تقف كمعوق للعملية السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية هي القوة المدنية نظراً إلى عدم اتفاقها على الحد الأدنى من المطالب الوطنية، فكل مساعيها خلال المفاوضات الجارية تصب في النسب والمحاصصات وكيفية المشاركة في السلطة، من دون أن تتحدث عن برامج وخطط للتنمية الاقتصادية والزراعية لحل أزمات السودان، فضلاً عن صب غضبها واتهاماتها على المكون العسكري الذي، في نظري، ليس مطلوباً منه خطط للتنمية وغيرها، غير حماية الفترة الانتقالية والبلاد وحدودها، وهو ما قام به، إذ استعاد الجيش خلال فترة وجيزة أكثر من مليوني فدان كان مسيطراً عليها من قبل الإثيوبيين في منطقة الفشقة الحدودية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع، "الأحزاب متباعدة في ما بينها وليست لديها رؤية موحدة، بل إنها سبب أزمات البلاد، كما أن الشباب الذي يقود الحراك الثوري في الشارع غير مقتنع بهذه الأحزاب، فهو يعتقد أنها لا تلبي ولا تحقق طموحاته، لذلك ليس متفائلاً بمجريات الحوار السوداني، فهو لن يفضي إلى نتيجة، فما يحدث الآن في بلادنا شبيه بما جرى في الصومال، حيث بدأ باحتقان سياسي حتى انهارت الدولة الصومالية لأكثر من 20 عاماً، فالشعب السوداني الآن متماسك، لكن يمكن أن تؤدي المماطلة إلى ما لا تُحمد عقباه".
توسيع المشاركة
واستطرد بشير قائلاً، "صحيح، الآلية الثلاثية بذلت جهوداً مضنية في التواصل مع الأطراف المعنية بالأزمة السياسية، وهي حال السودانيين، عندما يجلسون لمناقشة قضايا الوطن يتشاكسون، فلا أعتقد أن هناك مبرراً لتأجيل الحوار الذي أطلقته الآلية الثلاثية في الخرطوم في الثامن من يونيو، لكن أظن أن القوة المدنية أجبرت الآلية الثلاثية على هذا التأجيل، وهذا تهويل لن يحل مشكلة، فنحن، كسودانيين، من مصلحتنا أن نتوصل إلى اتفاق سريع لأنه لم يتبقَ من عمر الفترة الانتقالية إلا سنة ونصف السنة، ومن ثم تُجرى الانتخابات لتحقيق الاستقرار المنشود، لكن المدنيين يريدون حكومة مدنية من دون مشاركة العسكريين، وهذا توجه غير محبذ لأن وجود الجيش في السلطة الانتقالية مهم لحماية العملية الانتخابية واحترام القانون، كما أن إبعاد الجيش عن المشهد السياسي سيعيدنا إلى الانقلابات والديكتاتورية". ولفت إلى أن "المشهد السياسي السوداني يحتاج إلى دعم دولي وإقليمي وتوافق داخلي بحيث تشارك كل القوى المدنية في العملية السياسية ما عدا حزب (المؤتمر الوطني) المحلول، وأعتقد أن كل السودانيين متفقون على ذلك، فلماذا لا نوسع المواعين لتسع الجميع حتى تكون هناك معادلة تحفظ الأوزان، لكن يبدو أن المجتمع الدولي لن ينتظر كثيراً، فإذا لم يحصل اتفاق، سيعلن عن انتخابات مبكرة، ولا أظن أن الإسلاميين سيعودون للسلطة مرة أخرى، إذ معروف أن من يهزم لن يعود، ومؤكد أن الحظوة في هذه الانتخابات ستكون لصالح رجال الأعمال ورجالات الطرق الصوفية والإدارات الأهلية والقيادات الشابة".
تظاهرات مستمرة
ويشهد السودان منذ أن أزاح قائد الجيش عبد الفتاح البرهان المدنيين من حكم المرحلة الانتقالية، اضطرابات سياسية واقتصادية، ويخرج بشكل منتظم آلاف السودانيين للتظاهر في شوارع العاصمة ومدن أخرى للمطالبة بعودة الحكم المدني ومحاسبة قتلة المتظاهرين في وقت تقدر لجنة أطباء السودان المركزية أن نحو 101 شخص على الأقل قتلوا وجرح العشرات في خلال هذه التظاهرات.