عوامل عدّة أعادت، أمس الأربعاء، البورصات الأميركية إلى مواصلة "رالي" الصعود، فما أن ألمح مجلس الاحتياطي الاتحادي إلى احتمال خفض سعر الفائدة الأميركية لاحقا هذا العام، حتى قفزت مؤشرات "ستاندرد آند بورز 500"، الذي يقيس أكبر الشركات الأميركية، و"داو جونز" الصناعي، و"ناسداك"، الذي يشمل الشركات التكنولوجية.
وجاء ذلك في وقت خالف فيه المجلس الاحتياطي بعض التوقعات بخفض محتمل للفائدة في اجتماعه أمس، حيث أبقى على معدلات الفائدة عند مستواها الحالي. وأدار "المركزي" ظهره لكل الضغوط السياسية من إدارة ترمب لخفض الفائدة، ليؤكد على استقلالية قراره وحياديته في النظرة الاقتصادية والسياسة النقدية، معطيا إشارة جيدة "نسبيا" عن عدم تحريك الفائدة صعوداً أو هبوطاً، وبأنه يرى استقرارا في الأوضاع الاقتصادية، عكس التوقعات بأن الاقتصاد آخذٌ في التباطؤ بعد 10 سنوات من القفزات المتواصلة، بسبب الحروب التجارية والسياسية.
مرونة سياسية
كما أعطت مرونة الرسائل السياسية من البيت الأبيض بخصوص الملف التجاري الشائك مع الصين، تطمينات للمستثمرين بأن هناك حلحلةً مقبلة للحرب التجارية،
حيث أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تغريدة له الثلاثاء إلى أنه أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الصيني شي جين، وصفها بـ"الجيدة"، وأن الاثنين سيجتمعان في قمة مجموعة العشرين المقررة في اليابان الأسبوع المقبل، وأن فريقه سيجتمع مع مسؤولين صينيين قبيل الاجتماع الثنائي.
وأحدثت هذه التغريدة انتعاشة جديدة للبورصات الأميركية، حيث قفز مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 1%، و"داو" بنسبة 1.35%، و"ناسداك" بنسبة 1.39%، ورصدت "ياهو" أن مؤشر "داو" قفز بنسبة 6.65% في يونيو (حزيران) الحالي، وهي أفضل بداية شهر منذ يونيو (حزيران) من العام 1940.
الاتفاق التجاري صعب
ويعلق طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز "كروم" للدراسات الإستراتيجية لـ"اندبندنت عربية" على هذا التحول في الخطاب الأميركي- الصيني الذي أعطى الأمل بمواصلة قفزات الأسهم "نعتقد أن هذا الأمل سيؤدي في النهاية إلى دفع مؤشرات الأسهم الأميركية للوصول إلى مستويات قياسية جديدة في الأيام أو الأسابيع المقبلة قبل أن تتراجع مع تراجع الأمل في الوصول إلى اتّفاق تجاري بين البلدين".
ويضيف "ما زلنا نتوقع استمرار التوتر التجاري وأن تستغرق الصفقة التجارية وقتاً أطول للوصول لحل".
"الفيدرالي" يتحرك متأخرا
وبخصوص قرار البنك المركزي أمس وتوقعاته بخفض محتمل للفائدة هذه السنة، يقول الرفاعي "لم يخفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي تاريخياً أسعار الفائدة إلا عندما يصبح الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، أو بمجرد دخوله هذه الحالة. يتحرك (الفيدرالي) دائما بشكل متأخر ويدخل اللعبة بعد مرور الوقت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحلل الرفاعي مدى إمكانية استفادة الأسهم الأميركية من الخفض المحتمل للفائدة، ويقول إنه "تاريخيا، كان تخفيض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي أمراً فظيعاً بالنسبة إلى الأسهم، فإذا نظرنا خلال العشرين عاماً الماضية عندما كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة (2001- 2003 و2008- 2009) كانت هناك فقاعة الإنترنت، ثم الأزمة المالية العالمية. وهذا يقودني إلى وجهة النظر بأن (الفيدرالي) يخفّض الفائدة بعد فوات الأوان. فعندما يبدأ في خفض الفائدة يكون الوقت متأخرا لمنع الركود وتراجع السوق. وعلى هذا الأساس، لا أتوقع أن تكون هذه المرة مختلفة عن طريقة تفاعل مجلس الاحتياطي الفيدرالي مع هذا الملف في الماضي".
تباطؤ النمو
لكن هل يعني ذلك أننا في مرحلة تباطؤ في النمو قد تؤدي إلى انهيارات مفاجئة يتفاعل معها "الفيدرالي" في وقت لاحق؟ يجيب الرفاعي "علينا أن نضع في الاعتبار أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي كان جيداً حتى الآن، والبطالة لا تزال في أدنى مستوياتها منذ عدة عقود والتضخم ضعيف، ولكن من المتوقع حدوث تباطؤ في وقت مبكر من هذا الربع".
وكان "الفيدرالي" أبقى على أسعار الفائدة مستقرة يوم أمس الأربعاء، لكنه أشار إلى تخفيضات محتملة بما يصل إلى نصف نقطة مئوية فيما بقي من العام، للتعامل مع تنامي عدم التيقن الاقتصادي وتراجع في التضخم المتوقع.
وقال البنك المركزي إنه "سيتخذ اللازم للمحافظة على نمو اقتصادي يقترب من عامه العاشر"، وأسقط تعهّده السابق بتوخي "الصبر" عند تغيير أسعار الفائدة. ويبدي حالياً نحو نصف صنّاع السياسات بمجلس الاحتياطي استعداداً لخفض تكاليف الاقتراض خلال الأشهر الستة المقبلة، كما نقلت "رويترز".
وارتفع مؤشر "داو جونز" الصناعي أمس 38.59 نقطة، بما يعادل 0.15% ليصل إلى 26504.13 نقطة، وزاد "ستاندرد اند بورز" 8.72 نقطة أو 0.30% مسجلاً 2926.47 نقطة، وتقدم المؤشر "ناسداك المجمع" 33.44 نقطة أو 0.42% إلى 7987.32 نقطة.
تشاؤم المستثمرين
وقال بنك "أوف أميركا ميريل لينش" إنه أجرى استبيانا لآراء مديري صناديق الاستثمار لشهر يونيو (حزيران)، أظهرت نتائجه أن "تشاؤم المستثمرين عند أعلى مستوى منذ الأزمة المالية".
وقال مايكل هارتنِت، كبير المحللين الاستراتيجيين للاستثمارات في بنك "أوف أميركا ميريل لينش" إنه "لم يسبق أن كانت مشاعر مديري صناديق الاستثمار تشاؤمية بهذا القدر منذ الأزمة المالية العالمية، وذلك نتيجة الحرب التجارية ومخاوف الركود الاقتصادي".
وتضمنت أبرز نقاط نتائج الاستبيان أن مخصصات النقد في المحافظ الاستثمارية ارتفعت من 4.6% إلى 5.6% في الأشهر الثلاثة الماضية، في أكبر قفزة منذ أزمة الديون الأميركية في عام 2011. وقد تراجعت مخصصات المستثمرين في الأسهم العالمية بمقدار 32 نقطة مئوية إلى صافي 21% من مستثمرين خفضوا استثماراتهم في هذه الأسهم، في أدنى مستوى منذ مارس (أذار) 2009، وفي ثاني أكبر هبوط سجل في شهر واحد.
وقد فضل المستثمرون هذا الشهر الاستثمار في القطاعات الدفاعية (شركات السلع الأساسية والمرافق العامة والسندات والحيازات النقدية) عن أنشطتهم الدورية التي شملت الاستثمار في (الأسهم والبنوك والأسهم الأوروبية وأسهم شركات التكنولوجيا).