"بكل سرور" هكذا أفصح رئيس جمهورية لوغانسك الشعبية، ليونيد باسيتشيك، عن استعداد بلاده إرسال شحنات من القمح إلى سوريا، معلناً في حديث له على هامش فعاليات ملتقى منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، دعم السوريين والتعاون معهم بالمجال الغذائي.
ويأتي إعلان رئيس الدولة الوليدة، بعد انفصالها عن أوكرانيا بشهر فبراير (شباط) بالتزامن مع اندلاع حرب (موسكو – كييف) المستعرة، في وقت يخوض العالم بأسره معركة لكسب القمح، حيث تشكل الدولتان المتنازعتان أكبر منتج ومصدر للقمح، بما يساوي 30 في المئة من صادرات القمح عالمياً.
ومن غير المعلوم، إلى أي حد ستفضي نتائج معركة السنابل المندلعة، لا سيما مع ارتفاع أسعار القمح، وسط تخوف من شح التوريدات اللازمة بسبب الحرب، في حين يأخذ رئيس جمهورية لوغانسك في الاعتبار قدرة أراضي بلاده الزراعية على تزويد نفسها من الحبوب 100 في المئة، بالتالي سيكون متاحاً تزويد سوريا بالفائض.
ويقول الرئيس اللوغانسكي "يسعدنا أن تعترف دول المعسكر الاشتراكي السابق وبعض الدول الأجنبية ولا سيما سوريا، ويمكن للشعب السوري والحكومة السورية الاعتماد على جميع أنواع المساعدة من جمهوريتي دونباس". وأضاف "سنساعدكم وسنمد يد العون، لن نخذلكم".
الاعتراف والجائزة
في غضون ذلك، يعتقد مراقبون بالشأن الروسي أن تحرك دولة منفصلة حديثاً عن أوكرانيا، يعني من دون أدنى شك، أنها تسعى إلى إثبات وجودها دولياً، ولعل البوابة لذلك ستكون عن طريق إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية مع دول صديقة، وبالذات حليفة لروسيا الاتحادية.
ويشير الباحث الأكاديمي في الاقتصاد السياسي، محمد حاج عثمان، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن دمشق كانت أولى دول العالم، بعد موسكو، التي أعلنت نيتها الاعتراف الرسمي الصريح بالإقليمين المنفصلين (دونتيسك، لوغانسك) على هامش زيارة وفد روسي أواخر عام 2021 والاتفاق على بناء علاقات مع الدولتين، إذ تعززت العلاقات الاقتصادية والتجارية خلال الأشهر القليلة الماضية، على الرغم من حداثة عهد الدولتين، لا سيما مع تكرار الزيارات لوفود اقتصادية وأخرى دبلوماسية تمهيداً لإعلان الاعتراف.
وعلى الرغم من نظرة فريق المعارضة السورية الذي يرى إرسال شحنات القمح إلى الداخل السوري بمثابة جائزة محفزة لدولة حليفة لموسكو على المستوى العربي، إلا أن المسألة تتخطى ذلك برأي الباحث حاج عثمان، فهذا سيزيد من رصيد لوغانسك عالمياً في حرب القمح، وسيجعل الانقسامات الدولية والتكتلات ليست مبنية على مصالح اقتصادية كالطاقة فحسب، بل على الغذاء ومنه القمح.
يقول حاج عثمان "سيضغط الكرملين باتجاه تزويد سوريا بالقمح اللازم، إذ يلزمها ما يقارب مليون طن خلال هذا العام، ومع انضمام أراض أوكرانية سيكون من المتسع أن تفي بالتزاماتها".
في السياق، أفادت معلومات برسو سفينة شحن محملة بالقمح والحبوب بميناء طرطوس، غرب سوريا، قادمة من ميناء ريني جنوب أوكرانيا، تحمل قرابة 6 أطنان من المواد.
الحصاد والقمح الأوكراني
من جهة أخرى، علت أصوات قادة أوروبيين بفرض عقوبات على روسيا، بعد دعمها للانفصال، بينما اتهم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، موسكو بممارسة ما وصفه بـ"ابتزاز" مقابل رفع العقوبات الدولية من خلال منع صادرات القمح الأوكرانية. وقال في تصريحات سابقة له "لقد بدأت موسكو تحتفظ بصادراتها الغذائية بعد أن فرضت حصاراً بحرياً في البحر الأسود يمنع نقل المحاصيل الأوكرانية حول العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير التقديرات الأولية إلى وجود بين 20 إلى 25 مليون طن من الحبوب العالقة حالياً في أوكرانيا نتيجة المعارك الدائرة هناك، مع تضاعف هذا العدد لثلاث مرات مع حلول فصل الخريف.
الاكتفاء الذاتي
في هذه الأثناء، تتواصل عمليات حصاد القمح في أرجاء البلاد عبر ما يقارب خمسين مركزاً لتسلم الحبوب، وسط حسرة سورية على ما وصلت إليه الحال، إذ كانت البلاد مكتفية ذاتياً لمدة سبع سنوات قبل الحرب مع تحقيق أمن غذائي. وقال مدير عام مؤسسة الحبوب السوري، عبد اللطيف الأمين، إن مدينة حماة، وسط البلاد، تصنف باعتبارها أكثر المحافظات تسليماً للمحاصيل، تليها حلب، ثم حمص، وبعدها دير الزور، شرقاً.
وخرجت مساحات شاسعة من أراضي الجزيرة السورية لصالح نفوذ الفصائل المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية، وهي أراض خصبة توفر محاصيل كالقمح والحبوب والقطن، الأمر الذي جعل الإنتاج يتدنى إلى ما دون مليون طن من القمح، في حين وصل عام 2013 لثلاثة ملايين طن، وهو العام الذي اشتدت معه وطيس المعارك في أنحاء البلاد.