يأمل التونسيون في أن يقطع الدستور الجديد المنتظر الطريق على الصراعات السياسية والحزبية، التي سادت طيلة الأعوام الماضية، وأدت بالبلاد إلى حالة من الانسداد، ويراهن كثرٌ على أن يكون هذا الدستور انطلاقة فعلية لتونس على مستوى تكريس أسس الممارسة الديمقراطية الحقيقية، التي تنهض بالبلاد اقتصادياً واجتماعياً.
وبالنظر إلى حال الانقسام في الخريطة السياسية والمدنية في تونس إزاء مسار 25 يوليو (تموز)، الذي رسمه رئيس الجمهورية قيس سعيد، تتفاوت المواقف بين مرحب بما ورد في مشروع الدستور، ومن ينتظر النسخة النهائية لحسم موقفه، ومن يرفض كل ما نتج من لحظة 25 يوليو 2021.
وبينما تقول أطراف سياسية مشاركة في الحوار الوطني، إن الدستور الجديد سيكرس الممارسة الديمقراطية، وسيقطع مع ما جاء في دستور 2014 الذي كان قائماً على تقاسم السلطة بين مكوناتها وفق ترضيات ومصالح سياسية، ترى قوى رافضة لمشروع قيس سعيد، أن الدستور الجديد تمت صياغته على مقاس رئيس الجمهورية.
ضمان الحريات العامة والفردية
رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، الذي شارك في أشغال الحوار الوطني، يؤكد في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه لم يطّلع بعد على مسودة الدستور، التي تم تقديمها إلى رئيس الجمهورية، لكنه شدد على "ضرورة المحافظة على الحريات العامة والفردية، وأن يكرس الدستور الجديد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع العمل على تعزيزها".
وقال إن "النظام السياسي الذي سيكون رئاسياً، يجب أن يحافظ على التوازن بين السلطات، من أجل تكريس أسس الدولة الديمقراطية العادلة". وخلص إلى أن "الرابطة في انتظار النسخة النهائية من أجل بلورة موقفها النهائي من الدستور الجديد".
وضع حد لتشتت السلطة التنفيذية
في الأثناء، يعتبر زهير حمدي، أمين عام التيار الشعبي، في تصريح خاص، أن "الدستور الجديد سينص على الأسس التي تقوم عليها الدولة، في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية، وسيضع حداً لتشتت السلطة التنفيذية وضعفها، وسيضعها بيد واحدة"، نافياً أن يكون هناك "تغوّل للسلطة التنفيذية على حساب بقية السلطات".
وبخصوص الهيئات الدستورية، أوضح أنه "سيتم التنصيص عليها في القوانين كلما دعت الضرورة لإحداث هيئة"، معتبراً أن "تجربة الهيئات الدستورية في دستور 2014 لم تكُن ناجحة، لأن هذه الهيئات تعتبر نفسها فوق الدولة، وهي نتاج محاصصة حزبية".
وأضاف أن "التوازن بين السلطات مضمون في الدستور الجديد، من خلال آليات الرقابة وآليات دستورية أخرى يمكن إدراجها مثل العرائض الشعبية وسحب الثقة، بما من شأنه أن يبقي على فاعلية دور الناخب".
وشدد حمدي على أن "العبرة أن يكون النظام ديمقراطياً وقوياً وناجزاً وفاعلاً في ظل دور البرلمان الرقابي والتشريعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا لنظام ديكتاتوري
من جهته، يقول رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري في تصريح صحافي إن "حزبه يرفض الانتقال من نظام برلماني هجين، إلى نظام رئاسوي ديكتاتوري"، مشدداً على ضرورة "إرساء مبدأ التفريق بين السلطات، إضافة إلى التنصيص على دور الأحزاب والعمل الديمقراطي في الدستور الجديد".
وخلص إلى أن حزبه "سيشارك في الاستفتاء وسيجيب بنعم إذا كان مضمون الدستور يستجيب لمصلحة التونسيين وينص على نظام رئاسي معدل".
دستور على المقاس
في المقابل، يعتبر عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" الأمين البوعزيزي في تصريح خاص أن "الدساتير تفرضها الشعوب على الحكام، وليس العكس، واصفاً الدستور الجديد بدستور ’المنة‘، وهو أبخس أنواع الدساتير ويفتقد إلى المشروعية".
ويرى أن "دستور 2014 كان نتيجة عقد اجتماعي بين كل فئات التونسيين، وأسهمت في صياغته التيارات السياسية والفكرية كافة وتمت تزكيته بنسبة عالية".
ويعتقد البوعزيزي أن "الدستور الجديد هو نوع من التنكر للديمقراطية"، محذراً من "مركزة السلطة ووضع دستور على المقاس، ومن السطو على كل المؤسسات الدستورية، ومن المس بالهوية التونسية من خلال التلاعب بالفصل الأول من دستور 2014 الذي ينص على دين الدولة"، مضيفاً أن "النظام القائم حالياً يعمل على تقليم أظافر كل الأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات".
ويستنتج أن "الدساتير تكون نتيجة نقاش عام ومعمق"، قائلاً إن "هذا الدستور الجديد لن يمر ولن يصوّت عليه التونسيون".
الدستور ليس موضوعاً إنشائياً
ومن جهته، علّق الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي على باب السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التي سيتضمنها مشروع الدستور الجديد، قائلاً إنه "إذا ثبت أن هذه التسريبات رسمية، فعلى الدنيا السلام".
واعتبر في تصريح صحافي، على هامش اجتماع نقابي، أن "الدستور ليس موضوعاً إنشائياً ولا بد من أن يتضمن عناوين رئيسة حول الحقوق الثابتة"، مضيفاً أن "الاتحاد ينتظر النسخة النهائية لحسم موقفه من الاستفتاء".
وينتظر التونسيون نشر مشروع الدستور الجديد في الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية قبل 30 يونيو (حزيران) 2022، من أجل الاطلاع عليه ومناقشته، قبل أن يُعرض على الاستفتاء في 25 يوليو لإقراره واعتماده أو لرفضه.