يبذل رجال الإنقاذ جهوداً شاقة، الخميس 23 يونيو (حزيران)، لمساعدة ضحايا الزلزال الذي أودى بحياة ألف شخص على الأقل في جنوب شرقي أفغانستان، لكن نقص الموارد والتضاريس الجبلية والأمطار الغزيرة تعرقل عملهم.
وكان الزلزال الذي بلغت شدته 5.9 درجة على مقياس ريختر، وقع في ساعة مبكرة من صباح أمس الأربعاء في هذه المنطقة الريفية الفقيرة، التي يصعب الوصول إليها وتقع على الحدود مع باكستان.
وتشكل هذه المأساة الجديدة في أفغانستان، التي تعاني أساساً أزمة اقتصادية وإنسانية، تحدياً كبيراً لحركة "طالبان"، التي تتولى السلطة في البلاد منذ منتصف أغسطس (آب) الماضي. وهو الزلزال الذي أودى بحياة أكبر عدد من السكان في أفغانستان منذ أكثر من عقدين.
1000 قتيل
ولقي ألف شخص على الأقل حتفهم وأصيب 1500 آخرون بجروح في بكتيكا وحدها، الولاية الأكثر تضرراً، بحسب السلطات، التي تخشى ارتفاع عدد القتلى، لأن أشخاصاً كثراً ما زالوا عالقين تحت أنقاض منازلهم المنهارة.
وصرح محمد أمين حذيفة، رئيس الإعلام والثقافة في ولاية بكتيكا، الخميس، بأنه "من الصعب جداً الحصول على معلومات من الأرض بسبب الشبكة (الهاتف) السيئة".
وأضاف أنه "من الصعب الوصول إلى المواقع المتضررة"، خصوصاً أن "المنطقة شهدت الليلة الماضية فيضانات ناجمة عن هطول أمطار غزيرة"، مؤكداً أنه لا يوجد تقييم جديد حتى الآن.
وتسببت الأمطار الغزيرة بحوادث انزلاق التربة، أدت إلى تباطؤ جهود الإغاثة وألحقت أضراراً بخطوط الهاتف والكهرباء.
استدعاء الجيش
واستدعت حكومة "طالبان" الجيش، لكنه لا يملك وسائل كبيرة. فموارده المالية محدودة جداً بعد تجميد مليارات الدولارات من الأصول المحتجزة في الخارج، وتوقف المساعدات الدولية الغربية، التي تعتمد عليها البلاد منذ عشرين عاماً وأصبحت اليوم تقدم بالقطارة منذ عودة الإسلاميين إلى السلطة.
لا تملك أفغانستان سوى عدد محدود جداً من المروحيات والطائرات. وأشارت الأمم المتحدة، التي ذكرت أن ألفي منزل على الأقل يعيش في كل منها بين سبعة وثمانية أشخاص دمرت، إلى نقص في آليات إزالة الأنقاض.
ويظهر مقطع فيديو صورته وكالة الصحافة الفرنسية مجموعة من الرجال يزيلون بأيديهم حطام منزل منهار تماماً لإخراج جثة.
وقالت حكومة "طالبان" إنها تبذل أقصى الجهود وطلبت مساعدة المجتمع الدولي، الذي رفض الاعتراف بها حتى الآن، والمنظمات الإنسانية.
محاولات لحشد المساعدات الدولية
لكن من الصعب حشد المساعدات الدولية، إذ إن وجود المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة تراجع عما كان عليه في الماضي منذ عودة الحركة إلى السلطة.
مع ذلك، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن المنظمة "في حال تأهب كامل" لمساعدة أفغانستان مع نشر فرق للإسعافات الأولية وإرسال أدوية ومواد غذائية.
وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) إلى أن السكان في حاجة إلى مأوى على رأس الأولويات بسبب الأمطار والبرد غير المعتاد في هذا الموسم، وكذلك إلى مساعدات غذائية وغير غذائية ومن حيث خدمات المياه والنظافة والصرف الصحي.
وأعلنت حركة "طالبان"، الخميس، أنها تسلمت طائرتين محملتين بمساعدات من إيران وواحدة من قطر. كما وصلت ثماني شاحنات محملة بالأغذية وإمدادات إسعافات أولية من باكستان المجاورة إلى ولاية بكتيكا.
وأعلن الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، أنه مستعد "لتقديم مساعدات طارئة"، بينما أكدت الولايات المتحدة "بحزن عميق" أنها تدرس "خيارات الرد" الإنساني.
ويتعرض النظام الصحي الأفغاني، الذي يعاني نقصاً خطيراً في التجهيزات، لضغط كبير. وقال محمد يحيى ويار، مدير مستشفى شاران عاصمة بكتيكا، "بلدنا فقير وتنقصه الموارد. إنها أزمة إنسانية، إنها مثل تسونامي".
ونُقل عشرات الناجين إلى هذا المستشفى، بينهم بيبي حوا (55 سنة) التي تعيش في غايان إحدى أكثر المناطق تضرراً، وفقدت 15 من أفراد عائلتها.
وقالت بحزن على سريرها، "قتل سبعة في غرفة وخمسة في غرفة أخرى وثلاثة في غرفة ثالثة". وأضافت "الآن أنا وحيدة لم يعُد لدي أحد بعد الآن".
وتشهد أفغانستان بشكل متكرر زلازل، خصوصاً في سلسلة جبال هندو كوش، التي تقع عند تقاطع الصفائح التكتونية الأوراسية والهندية. ويمكن أن تكون هذه الكوارث مدمرة بشكل خاص بسبب المرونة المنخفضة للمنازل الأفغانية الريفية.
ووقع أعنف زلزال في تاريخ أفغانستان الحديث في مايو (أيار) 1998، وأودى بحياة خمسة آلاف شخص في ولايتَي تخار وبدخشان (شمال شرقي).
إحصاء القتلى
وسط صعوبات عمليات الإنقاذ التي تعتمد أساليب بدائية، في ظروف طبيعية قاسية، يواصل الأفغان إحصاء القتلى جراء الزلزال الأسوأ منذ 2002، وفق هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
ووصل العدد إلى ألف قتيل، فيما أصيب أكثر من 1500 جريح، وفق مسؤولين في هيئة إدارة الكوارث في أفغانستان.
وقال صلاح الدين أيوبي، المسؤول في وزارة الداخلية، "من المرجح أن يرتفع عدد القتلى، لأن بعض القرى تقع في مناطق نائية في الجبال، وسيستغرق الأمر بعض الوقت لجمع التفاصيل".
وتظهر صور نشرتها وسائل إعلام أفغانية منازل تحولت إلى أنقاض وجثثاً ملفوفة بأغطية على الأرض بعد الزلزال الذي بلغت قوته 6.1 درجة. وهناك عدد غير معروف من الأشخاص ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض وفي مناطق نائية.
وقال موظفو الصحة والإغاثة، إن عمليات الإنقاذ معقدة بسبب ظروف صعبة، منها هطول الأمطار والانهيارات الأرضية ووجود عدد من القرى في مناطق تلال يتعذر الوصول إليها.
وقال أحد موظفي الصحة في مستشفى رئيس في إقليم بكتيكا، طالباً عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام، "لا يزال كثير من الناس مدفونين تحت الأرض. ووصلت فرق الإنقاذ التابعة للإمارة الإسلامية وتحاول بمساعدة السكان إخراج القتلى والمصابين".
اختبار "طالبان"
وتشكل جهود الإنقاذ اختباراً كبيراً لحركة "طالبان". ويأتي الزلزال في وقت تشهد أفغانستان أزمة اقتصادية حادة منذ تولي "طالبان" السلطة مع انسحاب قوات دولية تقودها الولايات المتحدة من البلاد بعد حرب دامت نحو 20 عاماً.
ورداً على استلام "طالبان" السلطة، فرضت دول عدة عقوبات على القطاع المصرفي الأفغاني وتوقف تدفق معونات مخصصة للتنمية بمليارات الدولارات.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية إنهم سيرحبون بأي مساعدات من أي منظمة دولية. وأعلنت دول عدة، منها باكستان المجاورة وإيران، أنها تعمل على تقديم المساعدات ومنها الغذاء والدواء.
وقدّم هبة الله أخوند زادة، زعيم حركة "طالبان"، في بيان، تعازيه إلى أسر الضحايا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحاجة إلى رعاية طارئة
من جانبه، دعا غوتيريش، في بيان، المجتمع الدولي إلى "المساعدة في دعم مئات العائلات المتضررة من هذه الكارثة"، في الوقت الذي تعاني البلاد بالفعل "آثار سنوات من النزاع والصعوبات الاقتصادية والجوع".
وأكد مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، الأربعاء، أن الولايات المتحدة "تشعر بحزن عميق" وأن الرئيس جو بايدن "يتابع تطور الوضع" ويدرس "خيارات الاستجابة" الأميركية.
وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "بالنظر إلى الأمطار الغزيرة والبرد، وهو أمر غير مألوف في هذا الموسم، فإن الملاجئ في حالات الطوارئ تمثل أولوية عاجلة".
وأشار إلى أن السكان بحاجة إلى رعاية طارئة فورية ومساعدات غذائية وغير غذائية وتقديم العون لإصلاح خدمات المياه والصرف الصحي.
وكتب مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص إلى أفغانستان توماس نيكلاسون على "تويتر"، "يراقب الاتحاد الوضع وهو على استعداد للتنسيق وتقديم المساعدات الطارئة".
رصد الزلازل
وغرّد مركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي أن الهزة شعر بها نحو 119 مليون شخص في باكستان وأفغانستان والهند، لكن لم ترِد تقارير بعد عن سقوط ضحايا أو وقوع أضرار في باكستان.
وقدّر المركز قوة الزلزال عند 6.1 درجة، على الرغم من أن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية قالت إنها بلغت 5.9 درجة.
ووقع الزلزال على بعد 44 كيلومتراً من مدينة خوست في جنوب شرقي أفغانستان قرب الحدود مع باكستان. وتلحق الهزات الأرضية أضراراً بالمباني والمنازل المتواضعة في البلاد الفقيرة.
وعام 2015، هز زلزال أقصى شمال شرقي أفغانستان، ما أسفر عن مقتل مئات في أفغانستان وشمال باكستان المجاورة. وفي يناير (كانون الثاني)، ضرب زلزال غرب أفغانستان، ما أدى إلى وفاة أكثر من 20 شخصاً.