كارتي باروان حي في الشمال الغربي من كابول، وهو على ارتفاع كبير مقارنة بالأحياء الأخرى من المدينة. وبيوته، الواقعة تماماً بجوار مرتفعات باكهمان الخصبة، تمنح السكان مزية الابتعاد عن الفوضى الحضرية. صباح السبت، استيقظ سكان كارتي باروان، ليس على نسيم باكمان اللطيف، بل على دخان وانفجارات وموت ورائحة بارود. استهدفت عصابات الموت، أو الإرهابيون الانتحاريون، معبد السيخ الأفغان.
الأنباء عن التفجيرات وقتل المواطنين، التي تتراوح بين الهجمات على تلاميذ المدارس ودخول المهاجمين الانتحاريين مساجد الشيعة وأماكن العبادة الخاصة بالأقليات الإثنية والدينية في أفغانستان، أصبحت شائعة إلى حد يجعل من الواضح أنها تشكل جزءاً من الحياة اليومية العادية للناس ووسائل الإعلام. إن وجود "طالبان" هو ما يفرض هذا الموقف على شعب أفغانستان. فالإرهاب جزء من الطبيعة المتكاملة للجماعات الإرهابية، هو لا يتوقف حين تصل هذه الجماعات إلى السلطة.
استولت "طالبان" على السلطة قبل 10 أشهر. الآن، مر ما يقرب من سنة منذ تولت السلطة. وثمة قلق حقيقي للغاية من أن أفغانستان ستصبح، مرة أخرى، مركزاً للأنشطة الإرهابية الدولية.
التطورات في باكستان، الجارة الشمالية لأفغانستان، وأحد أشد أنصار "طالبان" تأييداً لهاً، والتي أدت دوراً رئيساً في إنشاء "طالبان" ودعمها بالأموال والأسلحة، تبين الأسباب التي أدت إلى إطالة أمد الأنشطة الإرهابية في أفغانستان.
في نزاعها مع الهند في شأن إقليم كشمير، تحتاج باكستان دائماً إلى إبقاء جذوة العقيدة الإسلاموية المتطرفة مشتعلة في أساط المتطرفين الدينيين الذين يعتنقونها. ووكالة الاستخبارات الباكستانية تعمل مع الملالي الأصوليين الباكستانيين، هي الطرف الفاعل الرئيس في تأطير التطرف الديني وإرسائه، وتجييش الرأي العام المؤيد للتطرف في منطقة كشمير. ولا يزال هؤلاء الملالي تحت سيطرة هذه الوكالة.
تعتبر باكستان أن استمرار التطرف في القسم الأصولي من مجتمعها حيوي في مواجهتها مع الهند حول قضية كشمير، لكن الآن في غياب أي حرب مع الهند، لا بد من إبقاء الناس الذين غسلت أدمغتهم لهذا الغرض مشغولين حتى لا يهددوا أمن باكستان.
فالعمق الاستراتيجي الباكستاني يوجب انعدام الأمن في أفغانستان. ويستدعي إبقاء عنصر "التطرف الاسلاموي" حياً للمواجهة مع الهند، تجنيد قوى انتحارية ومتطرفة يجب أن تظل مشغولة في منطقة مجاورة. إن العناصر كلها التي قد تساعد مرة أخرى في تحويل أفغانستان إلى مركز للإرهاب الدولي موجودة.
وتأتي في المرتبة الأولى من هذه العوامل الأيديولوجيا الاسلاموية المتطرفة. فمن بين 150 ألف جندي طالباني، عديد مقاتلي هذه الحركة، يحمل أكثر من 50 في المئة (أي نحو 75 ألف جندي) أيديولوجيا متطرفة. وهذا يعني الإيمان بالعمليات الانتحارية، وإرساء خلافة إسلامية، وفكرةو سيطرة الإسلام على العالم (هذا لا يحتسب القوات الأجنبية في أفغانستان التي هي أعضاء في "القاعدة"، و"داعش خراسان"، والإرهابيين الآتين من آسيا الوسطى، وغيرهم من المقاتلين الأجانب الذين يحملون أفكاراً مماثلة لأفكار "طالبان").
بالتالي تعد الأيديولوجيا الدافع الأقوى. ومن ثم هناك مسألة الجغرافيا الأفغانية التي تقدم المساعدة في تعزيز الجماعات الإرهابية والترويج لها.
تعم هذا البلد جبال ووديان كثيرة وغابات، ومن ثم يتيح ذلك فرصة كبيرة للاختباء في ملاذات آمنة واللجوء إلى هذه الجماعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والعامل الثالث هو وصول الجماعات الإرهابية إلى تمويل استناداً إلى تجارة المخدرات والاستخراج والتهريب غير المشروع من مناجم الذهب والأحجار الكريمة والفحم. واستناداً إلى تقارير المنظمات الدولية، تسارع إنتاج المخدرات منذ وصول "طالبان" إلى السلطة. ويقدر حجم تجارة المخدرات سنوياً في أفغانستان بأكثر من 33 مليار دولار، وهو المصدر الرئيس لتمويل الجماعات الإرهابية و"طالبان". وتخضع مناطق زراعة المخدرات وطرق التهريب إلى سيطرة الجماعات الإرهابية، كان هذا صحيحاً في ظل الحكومة السابقة، وهو صحيح الآن.
ولتبرير الأعمال الإرهابية وقتل الأبرياء، تصدر آلة الدعاية لـ"طالبان" فتاوى، وتعرض تفسيرات زائفة ونسخاً مزيفة من الآيات القرآنية والحديث النبوي. وهي من ثم تعطي موافقة دينية إلى الجماعات المتطرفة ذات الأدمغة المغسولة.
هناك الأيديولوجيا والجغرافيا المناسبة والموارد المالية الوافرة. كل ما يلزم لتحويل البلاد إلى مركز للإرهاب الدولي هو الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة من دون مقابل.
ما يدعو إلى الأسف أن الولايات المتحدة تركت أسلحة ومعدات عسكرية تبلغ قيمتها سبعة مليارات دولار في أفغانستان في حين غادرت البلاد بسرعة. وفي غياب حكومة مسؤولة وخاضعة إلى المحاسبة، ونظراً إلى وجود الجماعات الإرهابية التي تتباهى بالموارد المالية والأيديولوجيا والجغرافيا المناسبة، تستخدم الأسلحة في المذابح والإرهاب، فضلاً عن المبيعات إلى الجماعات الإرهابية الأخرى والتبادل معها.
ونظراً إلى هذا الحجم من الأسلحة والموارد المالية والدوافع المتطرفة، يمكن أن تهدد هذه الجماعات العالم بسهولة بقواها التي تتجاوز حدودها الإقليمية.
يريد العالم والغرب أن نغمض أعيننا عن الكوارث الحالية في أفغانستان. قتل مواطنين السيخ في دارمشالا للسيخ (كما تسمى أماكن العبادة الخاصة بالسيخ والهندوس في اللغة الدارية) في كارتي باروان البعيد لن يؤدي إلا إلى بعض الحزن مع تجاهل العالم والغرب مذبحة الناس في "بنجشير" وقتل المصلين الشيعة. هما يتجاهلان أفغانستان وجميع الناس الذين يقتلون هناك، لكن التاريخ مليء بالدروس. في التسعينيات أيضاً، تخلى العالم عن أفغانستان وأغمض عينيه على وحشية "طالبان" وذبح شعبها. وكان الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك هو الذي أيقظه.
اليوم، ليست الأمور مثل أواخر التسعينيات. هي أكثر جدية وخطورة.
يتعين على العالم أن يوفر تشكيل حكومة شاملة منتخبة تمثل الأقليات كلها. ولا بد من احتواء الإرهابيين في جذورهم.
من شأن تجاهل الأحداث الجارية في أفغانستان وعمليات القتل الجارية هناك، فضلاً عن نمو إنتاج المخدرات وتصديرها إلى العالم، أن يساعد في تحويل البلاد إلى مركز للإرهاب الدولي. لا بد من وجود حكومة مسؤولة في أفغانستان، تكون على اتصال بالمجتمع الدولي وقادرة على تمثيل شعب البلاد بصدقية واحترام وهدوء.
عام 1933، زار الشاعر العظيم لشبه القارة الهندية، الذي عرف في ما بعد باسم الأب الروحي لباكستان (تأسست بعد مرور عقد تقريباً على وفاته) أفغانستان بدعوة من كابول. وبعد رحلته، كتب قصيدة اسمها "المسافر". ولبعض أبياتها دلالة:
"آسيا جسم واحد،
الأمة الأفغانية هي قلبه.
حين تعتل أفغانستان، تعتل آسيا.
وحين تتعافى أفغانستان، تصحّ آسيا".