على خلفية الهجوم الروسي على أوكرانيا، تقدمت فنلندا والسويد الشهر الماضي بطلب للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي المؤلف من 30 دولة، وهو الطلب الذي سيكون موضع محادثات شاقة خلال قمة "الناتو" التي تعقد في العاصمة الإسبانية مدريد الأسبوع المقبل، ففي حين كان من المفترض أن تنطوي عملية الانضمام على مجرد إجراءات روتينية بالنظر إلى دعم أعضاء التحالف الطلب، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حال دون سهولة الأمر، بالنظر إلى حاجته إلى تحقيق أقصى استفادة سياسية ممكنة قبيل انتخابات رئاسية صعبة يواجهها بعد أقل من عام.
فالرئيس التركي يتهم البلدين الاسكندنافيين بإيواء منظمات "إرهابية" يزعم أنها تهدد أمن بلاده، قاصداً بذلك الأكراد ممن يرغبون في الانفصال عن تركيا. وتريد تركيا من كل من السويد وفنلندا تعزيز قوانين مكافحة الإرهاب ومن ثم تسليم أشخاص بعينهم، بما في ذلك عدد من الصحافيين الأكراد، وإلغاء الحظر على مبيعات الأسلحة الذي تم فرضه في البلدين بعد التوغل العسكري التركي في شمال سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 حيث وجهت لأنقرة وقتها اتهامات بارتكاب جرائم بحق المدنيين الأكراد والأقليات الدينية في المنطقة بما في ذلك تهجير الآلاف، وهو ما نفته الخارجية التركية آنذاك معللة التدخل العسكري بأنه يأتي في إطار عملية لمكافحة الإرهاب.
والأسبوع الحالي، استضاف الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، في مقر المنظمة في بروكسل، لقاء جمع مسؤولين كباراً من الدول الثلاث وآخرين من حلف "الناتو"، يستهدف معالجة المخاوف الأمنية لتركيا من أجل المضي قدماً في طلب التحاق فنلندا والسويد بالحلف العسكري الغربي. وقال ستولتنبرغ إن الاجتماع كان بناء، مضيفاً "لدى تركيا مخاوف أمنية مشروعة بشأن الإرهاب نحتاج إلى معالجتها، لذلك سنواصل محادثاتنا بشأن طلبات فنلندا والسويد لعضوية الناتو، وأنا أتطلع إلى إيجاد طريقة للمضي قدماً في أقرب وقت ممكن".
مطالب بتسليم معارضين
قدم أردوغان مطالب عديدة، لكن تركز معظمها على القضايا القومية ذات التأثير المحلي، مثل الانفصاليين الأكراد والجماعات التي يصفها بالإرهابية، حيث يرغب في تسليم نشطاء وصحافيين أكراد، وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" فإن المطالب تتضمن تسليم بعض أتباع زعيم المعارضة الذي يعيش في الولايات المتحدة، فتح الله غولن، إذ يلقى الرئيس التركي باللوم على رجل الدين المعارض الذي كان حليفه، بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في يوليو (تموز) 2016.
الجماعات التي يستهدفها الرئيس التركي هي حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض معركة دامية مع أنقرة منذ عقود بشأن الاستقلال غير أن هذا الحزب مدرج بالفعل كمنظمة إرهابية لدى واشنطن والاتحاد الأوروبي، كما يستهدف أردوغان وحدات حماية الشعب السوري الكردية التي تولي لها الولايات المتحدة الفضل بشكل رئيس في التعاون مع قوات التحالف الدولي في القضاء على تنظيم "داعش" في سوريا. وطالب أردوغان السويد وفنلندا بإنهاء كل "دعم سياسي للإرهاب" والقضاء على جميع مصادر "تمويل الإرهاب" المحلية، وتريد أنقرة أيضاً إنهاء جميع إمدادات الأسلحة التي تذهب إلى المقاتلين الأكراد في سوريا.
تتعلق معظم هذه المطالب بالسويد وتعاطفها الطويل مع اللاجئين الأكراد والرغبة الكردية في الحكم الذاتي، والتي تعتبرها تركيا تهديداً لسيادتها، لكن في ظل التركيز على الحكم الذاتي وزيادة حقوق الأكراد الأتراك، تخلى القادة الأكراد في تركيا منذ فترة طويلة عن الحديث عن الاستقلال. وتنفي السويد إيواء الأشخاص الذين تربطهم صلات بالحركات المصنفة إرهابية. وأشارت إلى أن حزب العمال الكردستاني محظور في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والسويد عضو فيه، فيما أعربت فنلندا، التي تضم عدداً أقل من اللاجئين من أصل كردي، عن موقفها "المتشدد ضد الإرهاب".
ويبدو أن أنقرة تواصل التعنت في المحادثات الجارية بشأن انضمام السويد وفنلندا وتسير ببطء في الوقت الذي ترغب فيه قيادة "الناتو" تسريع العملية، حتى ترى خطوات على أرض الواقع. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، الذي قاد الوفد التركي في اجتماع "الناتو"، إنه لا يوجد جدول زمني لقبولهم، بل تحدث عن تأخير لمدة عام.
وتستعد السويد لإدخال قانون أكثر صرامة لمكافحة الإرهاب في يوليو المقبل، والذي سيغطي تقديم الدعم للمنظمات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني. وتشير أسلي أيدينتاسباس، الزميلة لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن السويد بذلت جهوداً كبيرة. وأوضحت أن التشريع والضمانات السويدية الجديدة يمكن أن توفر مادة كافية للحكومة التركية إذا كانت تريد مخرجاً وتظهر انتصاراً أمام الجمهور المحلي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استياء وقلق كردي
لكن أمام الضغط التركي الذي يبدو أنه سيسفر عن بعض التنازلات من السويد وفنلندا، يشعر الأكراد بالاستياء من تعقب أردوغان لهم في الخارج. يحلم الأكراد بدولة مستقلة في المنطقة حيث يعيشون داخل دول في الشرق الأوسط بما في ذلك شمال العراق وشرق تركيا وغرب إيران وأجزاء صغيرة من شمال سوريا وأرمينيا، والذين اضطر الآلاف منهم إلى مغادرة وطنه كلاجئين في الدول الأوروبية في ظل العنف والاضطرابات السياسية في المنطقة.
ووفقاً لشبكة "سي أن أن" الأميركية، فإن عدد الأكراد في السويد يبلغ 100 ألف شخص، والتي يعتقد الخبراء أنهم يشكلون نحو واحد في المئة من سكان البلاد، فيما أن مجموعة من هؤلاء الذين تسعى تركيا لتسليمهم هم الآن مواطنون سويديون، ومن ثم فإن الموضوع يشكل حساسية كبيرة لدرجة أن ستوكهولم كانت ترفض مناقشته علناً، بخلاف القول إنها تتطلع إلى إجراء حوار ثنائي أعمق مع تركيا بشأن هذه القضايا.
ونقلت الشبكة الأميركية عن كريم حاجي رسولي، وهو إيراني الأصل، قوله "أردوغان يقول بغض النظر عن المكان الذي أنت فيه، إذا كنت كردياً وتريد الحرية، فأنت إرهابي، هذا ليس صحيحاً". وتشير إلى أن أكراد السويد لا يؤيدون خطوة الانضمام إلى "الناتو"، كما أن السويديين ينقسمون بشأن قرار الانضمام حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن ما يزيد قليلاً على نصف السكان يؤيدون الخطوة. وفي احتجاج مناهض لحلف شمال الأطلسي خارج مجلس مدينة غوتنبرغ، جاء فوزي بابان، العراقي المولد، للقاء أصدقائه الأكراد للتعبير عن مخاوفه بشأن المسار الذي اختارته السويد، وقال "إن عضوية الناتو ستقودنا إلى مزيد من الصراعات وربما مزيد من الحروب".
غير أن هيوا كاردوي، وهو مقيم آخر في غوتنبرغ من أصول كردية، يعتقد أن عضوية "الناتو" ستساعد في تسليط الضوء على محنة شعبه والتمييز الذي يواجهونه في البلدان التي ولدوا فيها. وقال لشبكة "سي أن أن" "عديد من دول الناتو ديمقراطية وتتمتع بحرية التعبير. نأمل ألا يقبلوا ما تفعله تركيا".
نائبة سويدية وكاتب مرشح لنوبل
النائبة أمينة كاكابافه، كردية من أصل إيراني، هي واحدة من خمسة برلمانيين سويديين ورد ذكرهم على قائمة "تسليم المجرمين" التركية. وقالت النائبة السويدية لشبكة "سي أن أن" "إذا رأى الناس أنني، كعضو برلماني ليس له جذور في تركيا، يمكن أن يتعرض للتهديد، فستكون هناك مشكلة تتعلق بحرية التعبير في البلدان الأوروبية وللمهاجرين ولطالبي اللجوء". ووصفت الأمر بأنه "تهديد للديمقراطية"، مضيفة "اليوم هذه مطالب تركيا، وغداً ستكون هناك مطالب لدولة أخرى".
وهناك شخصيات كردية بارزة أخرى على قائمة المطلوب تسليمهم، مثل الكاتب البالغ من العمر 74 سنة والمرشح السابق لجائزة نوبل للسلام رجب زاراكولو، الذي تم سجنه لأول مرة في السبعينيات، وأخيراً في عام 2012 لنشره أعمالاً دفاعية عن الأقليات -مثل الأكراد- قبل دعوته للاستقرار في السويد. وقال زاراكولو لـ"سي أن أن" وهو يمسك بقلمه عالياً "وصفني بالإرهابي. إنه أمر سخيف. ها هو ذا سلاحي... هل يطلق هذا الرصاص؟".
وفي حديثها في مؤتمر صحافي مشترك الأسبوع الماضي، قالت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين إن فنلندا والسويد "تأخذان جميع القضايا على محمل الجد وتجريان محادثات"، لكنها أضافت "أعتقد أيضاً أنه من مسؤولية تركيا محاولة إيجاد حلول في هذه المرحلة"، مشيرة إلى أنه يمكن حل هذه القضايا من خلال المحادثات الدبلوماسية.
انتخابات 2023
وإضافة إلى سعيه للاستفادة من التركيز الدولي على أوكرانيا لتعزيز مكانة بلاده الجيوسياسية. يقول مراقبون إن تصرف أردوغان حيال السويد وفنلندا، إضافة إلى التهديد بشن هجوم عسكري جديد ضد الأكراد في شمال سوريا، يستهدف الجمهور المحلي قبل الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) 2023، حيث يحاول الرئيس التركي تحفيز المشاعر القومية في وقت تواجه شعبيته تهديداً جراء الأزمة الاقتصادية في الداخل.
وقال ديفيد ريجوليه روز، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية، في باريس، للوكالة الفرنسية، إن أردوغان يحاول إظهار أنه لن يتنازل عن القضايا القومية التركية وأنه يستطيع فرض أجندته وأولوياته على الساحة الدولية. علاوة على ذلك، فإنه "يحاول تعويض إدارته الكارثية للاقتصاد التركي، لتدعيم قاعدته الانتخابية وتعبئة الناخبين قبل الانتخابات المقبلة، التي تبدو معقدة إلى حد ما بالنسبة إليه".