في أولى جلسات محاكمته، وبعد أقل من أسبوع من ذبحه زميلته أمام أبواب جامعة المنصورة بمحافظة الدقهلية (شمال مصر)، واصل المتهم "محمد.ع"، إثارة الجدل، بعد أن قال في اعترافاته أمام محكمة الجنايات، إن "الضحية هددته بالقتل، وإنه اشترى السكين قبل الحادث بأيام، لأنه كان متخوفاً على نفسه، وأقدم على فعلته بكامل قواه العقلية".
وعلى الرغم من إبدائه الندم على فعلته، ذكر المتهم خلال محاكمته، التي أجلت للثلاثاء المقبل، إنه "فكر في الانتقام من الضحية قبل بدء دراسة السنة الثالثة بكلية الآداب، ثم خطط أن تكون فعلته في ثالث أيام الامتحانات الجامعية عبر استخدام السكين".
وعلى مدار الأيام الماضية، هزت تلك الجريمة، التي وقعت ظهر الاثنين الماضي، الشارع والرأي العام المصري، وأثارت الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدرت أكثر المواضيع انتشاراً. وبعد 48 ساعة من وقوعها، أمر النائب العام المصري، حمادة الصاوي، بإحالة المتهم إلى محكمة الجنايات، لمعاقبته في ما اتهم به من قتل الطالبة المجني عليها، وتم تحديد جلسة مستعجلة للنظر فيها في الـ26 من يونيو (حزيران) الجاري.
"من الحب ما ذبح"
وفق اعترافات المتهم، التي تابعتها "اندبندنت عربية"، فإن الدوافع التي قادت إلى جريمته تكمن بالأساس في "رغبته في الانتقام بعد أن رفضت الضحية الارتباط به عاطفياً"، وبدأ الجاني سرد القصة أمام المحكمة، قائلاً، "كنت أنفق عليها، وكانت تحكي لي المشكلات بين والديها، اللذين على علم بقصة ارتباطنا"، لكن، "عندما ذهبت مرة لمنزلها اكتشفت أن أسرتها لا تعلم شيئاً عن القصة".
وتابع محمد، "كنت أنا ونيرة متفقين على الخطبة، وكل هذا مسجل في محادثات بيني وبينها، لكن بعد فترة من الارتباط اتضح لي أنها كانت (تعتبرني) مرحلة في حياتها (من أجل) أن تصل لأمور معينة، وحين (بلغتها) تركتني".
وأضاف، "هددتني نيرة كثيراً في مكالمة استمرت ساعة، وأهلي رفضوا قصتنا وأصبت بالصدمة، وقررت رد الشتائم من خلال إيميل جديد بعد أن حظرتني من كل حاجة عندها، واتصلت بي وهددتني بفضحي والاستعانة برجالة للتعدي عليا".
وبحسب حديثه أمام المحكمة، أوضح الجاني أنه بعد كثرة الخلافات بينه وبين الضحية "لجأ لأهلها، وحاول الحديث معها فاتهمته بمحاولة التعدي عليها"، مضيفاً أن أسرة طالبة المنصورة تدخلت لحل الأمر، وأنه عندما زارهم في منزلها أرغموه على توقيع إيصالات أمانة على بياض.
وعن سبب تفكيره في قتلها، قال محمد عادل، إن "والدة الضحية أرسلت بلطجية لتخويفه، فضلاً عن أن فكرة الانتقام سيطرت عليه لما سببته الضحية من أذى له ومشكلات"، على حد وصفه.
تفاصيل يوم الجريمة
وفق رواية محمد أمام قاضي المحكمة، فإن التخطيط للجريمة جاء قبل بدء دراسة السنة الثالثة بكلية الآداب. وتابع، أنه في العشرين من يونيو الجاري (يوم الواقعة)، كان ينوي قتلها بالفعل وانتظرها أثناء دخولها الجامعة، وهو يحمل سكيناً اشتراها قبل الواقعة بأيام للدفاع عن نفسه.
وأضاف "قررت في ذلك اليوم حال حدوث أي موقف بيني وبين الضحية، الإقدام على الانتقام منها، وعندما ركبت معها الحافلة من مدينة المحلة الكبرى (محافظة الغربية) حيث محل إقامتهما، تعرضت للسخرية منها ومن زميلاتها"، مشيراً إلى أنه في هذه الأثناء قرر الانتقام منها باستخدام سكين كان قد اشتراها قبل يوم الواقعة بـ3 أيام".
وأوضح المتهم، "عقب نزول نيرة أشرف من الحافلة خرجت أنا الآخر من الحافلة ذاتها، إذ لم أكن أنوي تنفيذ الجريمة داخل الحافلة حتى لا يمنعني أحد من إكمالها". وتابع قائلاً إن "الفتاة كانت أمامه عندما عاجلها بطعنات متلاحقة في أنحاء جسدها ثم ذبحها".
ونفى المتهم أن ما أقدم عليه كان بسبب حبه لها. وقال إن ذلك "بسبب تراكم ما حدث بينهما، بعد ابتعادها عنه وارتباطهما حسب زعمه"، وقال، "ليست قصة أنها رفضتني، لا يوجد مبرر لما فعلته"، ورداً على سؤال القاضي عن مفهوم الحب لديه، أجاب قائلاً، "ما يغضب هو استغلال شخص لشخص يحبه".
تتبع ومضايقات
وعلى حد تعبير المتهم، فإن الضحية، "كانت تقول إنها مظلومة ولم تكن على علاقة بي، لكن من يعرفني لم يسمع هذا الكلام، ومن لا يعرفني كان يصدقها ويسمع كلامها. كانت تستغل أنها بنت وتكلم الناس وتقول أموراً لم تحدث"، قائلاً في رده على سؤال القاضي حول مدى ندمه على الحادث، "بالطبع نادم، آذيت أهلي ونفسي، ولم أكن أفضل أن يصل الأمر لهذا الحد، وإن على والدتها أن تسأل كذلك، لأنها السبب".
في المقابل، وبحسب رواية أفراد من عائلة نيرة، نقلتها تقارير محلية، فإن "رفض الضحية الارتباط بالمتهم عاطفياً هو ما قاد لفعلته، إذ تقدم للأسرة أكثر من مرة لطلب يدها والزواج منها، غير أن الأسرة رفضت لصغر سن الفتاة ورغبتها في استكمال تعليمها، مضيفين أن والد نيرة رفض فكرة زاوجها من الأساس في هذا الوقت، وليس رفضاً للطالب القاتل نفسه، لكن الأخير هددها أكثر من مرة وقتلها في النهاية "بلا رحمة وبدم بارد".
ووفق رواية النيابة العامة، من واقع تحقيقاتها مع المتهم، فقد باغت الأخير بطعن ونحر نيرة أشرف أمام أبواب جامعة المنصورة، وهدد المارة حينما حاولوا الذود عنها خلال تعديه عليها، وكذا ذوي المجني عليها، وأصدقاءها الذين أكدوا اعتياد تعرض المتهم وتهديده لها بالإيذاء لرفضها الارتباط به بعد أن تقدم لخطبتها، ومحاولته أكثر من مرة إرغامها على ذلك، مما ألجأهم إلى تحرير محاضر عدة ضده، وأن المتهم قبل الواقعة بأيام سعى إلى التواصل مع المجني عليها للوقوف على توقيت استقلالها الحافلة التي اعتادت ركوبها إلى الجامعة، ورفضها إجابته، مؤكدين جميعاً تصميم المتهم على قتل المجني عليها.
ونقلت النيابة العامة، رواية صاحب الشركة مالكة الحافلة، التي أكد فيها علمه من العاملين بها تتبع المتهم المجني عليها بالحافلة التي اعتادت استقلالها إلى الجامعة، فضلاً عما شهد به رئيس المباحث مجري التحريات من تطور الخلاف الناشئ بين المجني عليها وبين المتهم لرفضها الارتباط به إلى تعرضه الدائم لها، حتى عقد العزم على قتلها، وتخير ميقات اختبارات نهاية العام الدراسي ليقينه من وجودها في الجامعة موعداً لارتكاب جريمته، وفي يوم الواقعة تتبع المجني عليها، واستقل الحافلة التي اعتادت ركوبها، وقتلها لدى وصولها إلى الجامعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى المفتي
وأحالت محكمة جنايات المنصورة، الدائرة الثانية، أوراق المتهم إلى المفتي، لـ"أخذ الرأي الشرعي في إعدامه"، وحُددت جلسة 6 يوليو (تموز) المقبل للنطق بالحكم.
واستمعت المحكمة إلى مرافعة النيابة العامة بالقضية، ومرافعة هيئة الدفاع عن المتهم. وتضمن أمر الإحالة أن المتهم وضع مخططاً لقتل الضحية، حدد فيه موعد أدائها اختبارات نهاية العام الدراسى بجامعة المنصورة، مخفياً سكيناً بين طيات ملابسه، وتتبعها حتى وصلت أمام الجامعة وباغتها من ورائها بعدة طعنات سقطت أرضاً على أثرها، ونحر عنقها قاصداً إزهاق روحها.
وشمل أمر الإحالة إدانة المتهم بحيازة سلاح أبيض "سكين" دون مسوغ قانوني.
وقد أصدرت الدائرة الرابعة جنايات المنصورة، قراراً بحظر النشر نهائياً في القضية، بجميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وجميع الصحف والمجلات القومية والحزبية اليومية والأسبوعية المحلية والدولية، وغيرها من النشرات أياً كانت، وكذلك المواقع الإلكترونية عدا جلسة النطق بالحكم.
وخلال السنوات الأخيرة، زادت معدلات الجريمة في مصر بشكل لافت، إذ باتت مصر، الدولة العربية الأكثر سكاناً، تحتل المركز الرابع عربياً والـ16 من القارة الأفريقية والـ24 عالمياً في جرائم القتل، بحسب تصنيف "ناميبو" لقياس معدلات الجرائم بين الدول.
وفي إحصاء سابق لوزارة الداخلية المصرية عام 2019، فإن عدد جرائم القتل العمد عام 2010 سجل 774 جريمة، لكنها تضاعفت ثلاث مرات عام 2012 لتسجل 2144 حالة، وارتفعت عام 2014 لتصل إلى 2890، ثم بدأت بالانخفاض في الأعوام الثلاثة المتتالية لتقل عن حاجز الـ2000، إذ بلغت عام 2015 نحو 1711، و1532 عام 2016، أما في عام 2017 فكان عددها 1360.
وتقول دراسات جامعية إن "جرائم القتل العائلي وحدها باتت تشكل نسبة الربع إلى الثلث من إجمالي جرائم القتل"، في وقت يرجح المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية (حكومي)، "أن نسبة 92 في المئة من هذه الجرائم ترتكب بدافع العرض والشرف، فضلاً عن العوامل الاقتصادية التي أصبحت من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي".