رفضت الخرطوم طلباً من المحكمة الجنائية الدولية تسليمها الرئيس المعزول عمر البشير لمحاكمته في مقرها في لاهاي، بعدما ظلت تلاحقه في السنوات العشر الماضية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب في دارفور. ويبدو أن المجلس العسكري لا يريد أن يرسي سابقة في تاريخ البلاد يمكن أن تحسب عليه.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية طالبت السلطات السودانية بالإسراع في تسليم البشير للمحكمة في هولندا أو محاكمته في الخرطوم، على الجرائم التي ارتكبها في إقليم دارفور.
وجاء طلب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا خلال جلسة لمجلس الأمن، لمناقشة التقرير الدوري الذي قدمته بنسودا بشأن السودان.
وأبلغت بنسودا أعضاء المجلس أنها ستفتح في القريب العاجل حواراً مع السلطات السودانية بشأن تسليم البشير وآخرين، متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في إطار حملته لسحق تمرد في إقليم دارفور.
وقالت بنسودا "آن الأوان ليختار الشعب السوداني القانون على حساب الإفلات من العقاب والسهر على إحالة المشتبه بهم إلى المحكمة الجنائية الدولية".
وأوضحت "لدينا خمسة أوامر اعتقال للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الوضع في دارفور، وجميعها لا تزال سارية"، مشيرة إلى أنه تم احتجاز اثنين آخرين من المشتبه بهم في معتقل بالخرطوم، وهما وزير الدفاع السابق عبد الرحيم حسين ووزير الدولة للداخلية السابق أحمد هارون.
المجلس العسكري سيحاكم البشير
فور سقوط نظام الحكم في السودان، تصاعدت المطالبات بتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية. لكن الخارجية السودانية أعلنت رفض الخرطوم تسليم البشير الموجود في سجن كوبر المركزي بالخرطوم بحري إلى المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة أنه سيلقى محاكمة عادلة أمام القضاء السوداني بتهم تتعلق بالفساد، لأن البلاد ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية.
ولم تدون في مواجهة البشير أي اتهامات بشأن دارفور، لكنه سيحاكم قريباً بتهم حيازة نقد أجنبي والثراء غير المشروع، بعدما وجدت السلطات في مقر إقامته سبعة ملايين يورو وثلاثمئة ألف دولار عقب عزله في 11 أبريل (نيسان) الماضي.
وأكد مندوب السودان لدى الأمم المتحدة السفير عمر محمد أحمد أن البشير سيقدم لمحاكمة عادلة أمام القضاء السوداني. وقال "نؤكد مهنية واستقلال القضاء السوداني وقدرته على تحقيق العدالة، وسيقدم البشير لمحاكمة عادلة أمام القضاء الوطني، وأعلن عن بدايتها الأسبوع المقبل".
وكان الفريق جلال الدين الشيخ العضو السابق في المجلس العسكري قال إن "قرار تسليم البشير يتخذ من قبل حكومة شعبية منتخبة وليس من قبل المجلس العسكري". في المقابل، شدد علي الحاج، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي (إسلامي)، على ضرورة تقديم طلب للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وميثاق روما، باعتبار أن الوجود في القضاء العالمي مسألة مهمة لضمان عدم تكرار ما حدث من فظاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد.
جدل قانوني
يقول الخبير في القانون الدولي بخاري الجعلي إن الخرطوم ليست ملزمة بميثاق روما المؤسس للمحكمة، طالما أنها لم توقع عليه.
وأضاف "لا أستبعد أن يأتي نظام ويحاكم البشير داخلياً باعتباره مواطناً سودانياً، قبل أن يكون رئيساً، ومن الممكن أن يحاكم بمقتضى القوانين المحلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان خبراء قانونيون ونخب سياسية طالبوا بإجراء تسوية في أمر المحكمة الجنائية الدولية يقبلها مجلس الأمن الدولي، عبر إجراء عدالة انتقالية عن طريق محكمة هجين (مختلطة) سودانية أفريقية أو مفوضية للحقيقة والإنصاف.
وسبق أن أيد الاتحاد الأفريقي، في القمة التي عقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أوائل عام 2017، الانسحاب بشكل جماعي من المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن القرار كان غير ملزم.
اتهامات بأزمة دارفور
منذ عام 2009، تلاحق المحكمة الجنائية الدولية البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور المضطرب، غرب البلاد، إضافة إلى اتهامه بـ"الإبادة الجماعية" عام 2010.
لكن البشير رفض الاعتراف بالمحكمة، ويرى أنها أداة "استعمارية" موجهة ضد السودان وبقية الدول الأفريقية.
ومنذ عام 2003، تقاتل ثلاث حركات مسلحة متمردة في دارفور ضد الحكومة السودانية. ما خلف 300 ألف قتيل، وحوالى 2.5 مليون مشرد من أصل سبعة ملايين نسمة، وفق الأمم المتحدة، بينما تقول الخرطوم إن عدد القتلى لا يتجاوز 10 آلاف شخص.