ينظر بعض المستثمرين إلى أسعار النحاس على أنها رائدة الاقتصاد العالمي، وإذا كنت أحدهم، فلديك سبب وجيه للقلق. فقد سجلت أسعار النحاس أدنى مستوياتها في 16 شهراً، الخميس الماضي، حيث تخلص التجار من المعدن الذي تراجعت أسعاره بأكثر من 11 في المئة خلال أسبوعين فقط، وفي مذكرة بحثية حديثة، قال دانيال غالي مدير استراتيجية السلع في "تي دي سيكوريترز"، إن "أسعار النحاس بدأت للتّو في تفسير حقيقة أن النمو العالمي يتباطأ".
ويستخدم المعدن في عديد من مواد البناء، بما في ذلك الأسلاك الكهربائية وأنابيب المياه، وهذا يعني أنه غالباً ما يُنظر إليه على أنه وكيل للنشاط الاقتصادي، نظراً لأن الطلب يميل إلى الارتفاع عندما يتوسع الاقتصاد ويتراجع بشدة عندما يتقلص، ويشار إليه باسم "دكتور كوبر" بين المتداولين بسبب موهبته المزعومة في التنبؤ بمستقبل القطاع الصناعي عالمياً.
النشاط الاقتصادي ينزلق إلى مستوى أدنى
وفي وقت سابق من هذا العام، وتحديداً بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، ارتفعت أسعار النحاس إلى جانب المعادن الرئيسة الأخرى، لكن الفوضى التي شهدتها أسواق المعادن أدت إلى قيام بورصة لندن للمعادن بإيقاف تداول النيكل، وهو أحد المعادن المهمة في عديد من الصناعات، في مارس (آذار) الماضي.
وتشير البيانات المتاحة إلى أن روسيا تستحوذ على نحو أربعة في المئة من إنتاج النحاس العالمي وما يقرب من سبعة في المئة من إنتاج النيكل، وفقاً لبيانات شركة "أس أند بي غلوبال"، وكان التجار قلقين من أن العرض قد ينفد في الوقت الذي كان فيه التعافي الاقتصادي من الوباء يتصاعد، وبدأوا في الاكتناز بقوة، لكن في الوقت الحالي ومع انتشار مخاوف الركود وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، تتجه الأسعار في الاتجاه المعاكس.
ويقول غالي، "بمجرد انتهاء دفعة التخزين، بدأ الطلب العالمي على السلع في إعادة الارتباط بالنمو العالمي". وتشير النظرة الأولى على المقياس الاقتصادي الذي تمت مراقبته عن كثب لشهر يونيو (حزيران) الماضي، إلى أن النشاط الاقتصادي ينزلق إلى مستوى أدنى مع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي وقت وجد فيه مؤشر مديري المشتريات الصادر حديثاً عن "أس أند بي غلوبال"، أن إنتاج القطاع الخاص تباطأ "بشكل حاد" في الولايات المتحدة الأميركية هذا الشهر، يقول ويليامسون كريس، كبير اقتصاديي الأعمال في "أس أند بي غلوبال ماركت إنتليجنس"، "بعد أن تمتعت بطفرة صغيرة من المستهلكين العائدين بعد تخفيف قيود الوباء، يرى عديد من شركات الخدمات في الوقت الحالي أن الأسر تكافح بشكل متزايد مع ارتفاع تكاليف المعيشة، ويشهد منتجو السلع غير الأساسية انخفاضاً مماثلاً في الطلبات".
رفع أسعار الفائدة يضيف مزيداً من التوتر
في الوقت نفسه، أصبحت الشركات أكثر توتراً بشأن التوقعات مع قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بقوة في محاولة لوضع غطاء على زيادات الأسعار وترويض معدلات التضخم التي سجلت أعلى مستوى في أكثر من 40 عاماً في الولايات المتحدة، ما دفع البنك المركزي الأميركي إلى الحديث عن ارتفاعات متتالية بأسعار الفائدة خلال العام الحالي. ويقول ويليامسون إن "ثقة الأعمال الآن عند مستوى من شأنه أن ينذر عادة بتراجع اقتصادي ما يزيد من مخاطر الركود".
انخفض النمو
وفي أوروبا، انخفض النمو في يونيو الحالي إلى أدنى مستوى خلال 16 شهراً، وفقاً لقراءة مؤشر مديري المشتريات للدول الـ19 التي تستخدم اليورو، في وقت لا تزال فيه الصين، التي كانت محركاً حاسماً للنمو العالمي، تكافح مع توابع عمليات إغلاق كورونا، وتداعيات الركود العقاري. وقد أظهر اقتصاد البلاد بعض علامات التحسن في مايو (أيار) الماضي، لكن مبيعات التجزئة تقلصت للشهر الثالث على التوالي، ومن المتوقع أن يرتفع النمو في الصين في وقت لاحق من هذا العام، وأن أسعار النحاس والمواد الأساسية الأخرى المهمة في قطاع التصنيع يجب أن تنتعش في تلك المرحلة، بحسب ما يشير داروي كونغ مدير محفظة السلع في "دي دبليو أس". وأضاف، "لكن، ليس من الواضح متى ستأتي تلك اللحظة". وقال كونغ، "إن المستثمرين سيعودون، إنها مجرد مسألة توقيت".
في غضون ذلك، يمكن أن تنخفض الأسعار أكثر مع استمرار القلق بشأن الاقتصاد. ويقول غالي، "على المدى المتوسط، سيكون لأسعار النحاس مجال أكبر للانخفاض، بخاصة ونحن نحدّق في برميل الركود مع استمرار معدلات التضخم في الارتفاع واتجاه البنوك المركزية نحو تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة".