تسمى المنطقة الواقعة في ريف حلب الشمالي، المتاخمة للمدينة التجارية والصناعية الأبرز في سوريا، منطقة الشهباء، وعند الوصول إليها من الجهة الشرقية لحلب يمر الطريق إليها منطقة الشيخ نجار التي تضم مدينتين صناعيتين أنشئتا قبل بدء الأزمة في البلاد بسنوات قليلة.
خلال السنوات الأولى من النزاع في سوريا، وخصوصاً في مدينة حلب، حيث وقعت المنطقة الريفية منها باستثناء عفرين وبعض البلدات الصغيرة تحت سيطرة مسلحي المعارضة السورية، بما فيها جبهة "النصرة"، سابقاً، ولاحقاً تنظيم "داعش"، هذه المنطقة باتت مسرحاً لمعارك طاحنة، كذلك نقلت وبيعت معامل كاملة إلى تجار في تركيا، بينما اتهمت دمشق الأطراف المعارضة وتركيا بسرقة تلك المعامل التي وصل عددها إلى نحو 1000 معمل، وسجلت دعوى قضائية ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2014.
وتكمل مشاهد المصانع والمعامل المدمرة في الأرجاء المشهد العام المتهالك لمنطقة الشهباء جراء الحرب، بما فيها المؤسسات الزراعية، فضلاً عن ضعف القوة الشرائية لدى السكان المتبقين أو النازحين إليها منذ عام 2018 جراء العملية العسكرية التركية "غصن الزيتون" على منطقة عفرين.
غياب الرفاهية ضيق المساحة
أثناء تجول "اندبندنت عربية" في عدد من بلدات وقرى الشهباء، إضافة إلى المخيمات الخمسة فيها، يغيب عن الأنظار أي مظاهر للرفاهية على الرغم من المناخ اللطيف والمساحات الخضراء المزروعة بالأشجار، "فلا شيء هنا سواء الأساسات والضرورات لاستمرار الحياة في البقعة المتوترة في الشمال السوري"، كما أن المساحة التي تسيطر عليها "الإدارة الذاتية" صغيرة مقارنة بعدد السكان القاطنين فيها حيث تبلغ نحو 1000 كيلومتر مربع فقط، ومن أصل ما يقارب 140 ألف نسمة يعمل 3845 شخصاً كموظفين مدنيين لدى "الإدارة الذاتية"، ويتقاضون رواتب شهرية، في حين يعمل عدد آخر كأعضاء في قوى الأمن الداخلي والقضاء، لكن الغالبية العظمى من هؤلاء السكان عاطلون عن العمل، ويتقاضى بعضهم أجوراً يومية في مواسم محددة من السنة، حيث بلغ عدد العمال المياومين في النصف الثاني من العام الماضي قرابة ثمانية آلاف شخص منهم ثلاثة آلاف امرأة على الأقل، ويعمل هؤلاء في مجال الزراعة وجني المحاصيل في مواسمها، في وقت لم تصدر الإحصائية النصف سنوية الأولى للعام الحالي، حسب الرئيسة المشتركة لهيئة الاقتصاد والزراعة في منطقة الشهباء، هيفين رشيد.
وتقول رشيد إن "الإدارة الذاتية" تحاول إيجاد فرص للعمل وحل مشكلة نقص الدخل وزيادة عدد المستفيدين من رواتب الإدارة الذاتية والمشاريع الاستثمارية عبر خطط ولجنة لدعم المشاريع الصغيرة، ومنحت "الإدارة الذاتية"، مع استقرار النازحين في مناطق الشهباء، قروضاً لمشاريع صغيرة، إلا أن عدداً منهم لم يتمكنوا من سداد تلك القروض ما حدا بالإدارة لإعفائهم من الدفع، وتعزو المسؤولة سوء الأوضاع الاقتصادية في تلك المنطقة إلى المساحة الصغيرة والكثافة السكانية العالية "التي تزيد من المصاعب الاقتصادية على السكان وتدفعهم للبحث عن مصادر العمل خارج منطقة الشهباء".
وفي بلدات وقرى هذه المنطقة، افتتح أصحاب الحرف من السكان النازحين محلات وورشاً لصيانة الآلات الزراعية والسيارات والمركبات، إضافة إلى قطاع صناعي صغير، إذ يوجد الآن تسع ورش للخياطة وصناعة الألبسة والأحذية ومعملان لصناعة البرغل، حسب المسؤولة في هيئة الاقتصاد التابعة لـ"الإدارة الذاتية".
خدمات مجانية
من الناحية الخدمية العامة، يختلف الوضع الآن في مناطق الشهباء عما كانت عليه أثناء النزوح شتاء 2018 عندما شنت تركيا عمليتها العسكرية "غصن الزيتون" على عفرين، حيث حشر فيها ما يزيد على 250 ألف شخص، لكن خلال الأشهر اللاحقة، انتقل بعضهم إلى مدينة حلب، وآخرون إلى مناطق شرق الفرات ليستقر العدد الحالي على ما يزيد على 140 ألف شخص من بينهم نحو 1100 عائلة من سكان المنطقة الأصليين، ومع ذلك، استقرت الخدمات العامة والإغاثية فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول عبد الحنان معمو الرئيس المشترك لهيئة الشؤون الاجتماعية والعمل في عفرين، إن "الإدارة الذاتية" تقدم الخبز والمياه والكهرباء بشكل مجاني، خصوصاً في المخيمات الخمسة، إضافة إلى السلات الغذائية الإغاثية التي توزعها "الإدارة الذاتية" مع الهلال الأحمر السوري الذي يتلقى الدعم من الهيئات الدولية والأممية، ويوضح معمو أن الهلال الأحمر السوري يقدم 12000 سلة غذائية فقط "لكن هذا العدد لا يسد حاجة السكان في مناطق الشهباء"، أما الكهرباء فتنتجها "الإدارة الذاتية" بمولدات كبيرة وتوزع الأخرى بالمجان، في وقت توزع منظمة "يونيسف" المياه على المخيمات.
وحسب المسؤول في هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل، فإن عدداً من الصعوبات تواجه السكان، منها غياب فرص العمل وزيادة البطالة بينهم، إضافة إلى نقص العلاج الطبي والأدوية، "كما أن حواجز النظام، وبخاصة التابعة للفرقة الرابعة، تفرض حصاراً على حركة السكان في مجال التنقل ووصول المواد الإغاثية والغذائية والمحروقات".
شح المحروقات
ويعتبر فقدان المواد البترولية وقلتها أبرز ملامح شح المواد الأساسية في منطقة الشهباء، وعلى الرغم من تبعية المنطقة لـ"الإدارة الذاتية" التي تتمتع بمستوى أفضل من حيث توفر هذه المواد وانخفاض سعرها مقارنة مع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، والأطراف المعارضة، إلا أن منطقة الشهباء تشبه كثيراً هاتين المنطقتين، وأحياناً تكون أسوأ بسبب الحصار الذي يفرض عليها بين الفترة والأخرى من قبل حواجز قوات النظام.
ويقول جمعة هسنكار مسؤول محطة المحروقات الرئيسة في بلدة تل رفعت، إن المورد الرئيس لأصناف المحروقات هي "الإدارة الذاتية"، ولكن بسبب قلتها يشترون المحروقات من المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق عن طريق التجار والسماسرة ما يزيد من سعرها ضعف ما هو عليه. ويضيف هسنكار أن المادة الرئيسة من المحروقات التي توزع في منطقة الشهباء هي المازوت، وأن أولوية التوزيع تكون لصالح تشغيل الأفران والمولدات وآبار المياه والمراكز الصحية الرئيسة، إضافة إلى الآبار والآلات الزراعية "وإن كانت متوفرة بشكل جيد، توزع للأهالي من قبل أصحاب السيارات".
الحصار
ويتسبب الحصار ونقص وصول المحروقات من مناطق "الإدارة الذاتية" إلى منطقة الشهباء بخفض الكمية التي يفترض أن توزع على السكان، فضلاً عن غلاء سعرها، ويتابع هسنكار، "كان من المفروض أن نوزع 440 ليتراً من المازوت للتدفئة خلال الشتاء الماضي، لكننا فقط تمكنا من توزيع 275 ليتراً فقط بالسعر المدعوم من "الإدارة الذاتية"، ما أدى إلى أن تعيش هذه العائلات في برد قارس وتفتقد التدفئة في الشتاء"، كما أن السكان يعانون نقصاً حاداً بالغاز المنزلي، وأن نسبة ما يقارب 10 في المئة فقط من احتياجات السكان تلبى، وهي توزع عن طريق مجالس الأحياء والقرى، حسب مسؤول محطة المحروقات. ويختم هسنكار متحدثاً عن حجم احتياجات المنطقة من الوقود بتقديره من 50 إلى 60 صهريجاً من الوقود شهرياً، "لكن في معظم الأوقات لا تصل إلينا سوى 10 صهاريج. ويضيف أن منطقة الشهباء، وحيّي الشيخ مقصود والأشرفية، داخل حلب، الحلقة الأضعف في النزاع والخلافات الحاصلة التي تقع بين دمشق و"الإدارة الذاتية"، حيث تصبح عرضة لممارسة الضغوط عن طريق حصارها من قبل قوات النظام.
سقوط القذائف
ولا تسلم المنشآت والورش الصناعية والمتاجر الصغيرة الخاصة في منطقة الشهباء من سقوط القذائف من جهة سيطرة أطراف المعارضة والقوات التركية، حيث تتعرض هذه المنطقة بشكل مستمر لاستهداف بالقذائف المختلفة والطائرات المسيرة منذ عام 2018، وفي آخر حدث من هذا النوع وقع فجر يوم الاثنين 27 يونيو (حزيران) في قرية "آقيبة" التابعة إدارياً لمدينة عفرين التي قصفت بعشرات القذائف المدفعية من جانب القوات التركية والفصائل السورية التابعة لها.