طعنت رئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي في حس بوريس جونسون الوطني ووجهت إليه سهام المساءلة بعد إعلانها بأنها لن تدعم محاولته للإطاحة ببروتوكول إيرلندا الشمالية الذي أبرمه مع الاتحاد الأوروبي كجزءٍ من اتفاقية خروج بلاده من الاتحاد عام 2019.
وفي مداخلةٍ لاذعة في مجلس العموم، صرّحت رئيسة الوزراء السابقة بأنّ التشريع الذي وضعته الحكومة بشكلٍ أحادي الجانب من شأنه أن ينتهك القانون الدولي ويجعل المملكة المتحدة تفقد احترامها أمام سائر دول العالم.
وقالت لنوّاب البرلمان بأنّها لا تعتقد أنّ خطّة جونسون المثيرة للجدل ستحلّ المشكلات التي أحدثها قراره بإرساء حدود جمركية في البحر الإيرلندي ضمن اتفاقية بريكست التي وضعها وهو أمر سبق لها أن قالت في شأنه أنّه "ما من رئيس وزراء بريطاني سيوافق عليه".
وتحدّثت ماي أمام النوّاب قائلةً إنّها "كوطنية" ليس بوسعها دعم هذا المسار الذي سيقلل شأن المملكة المتحدة ومركزها في العالم، كما اتّهمت رئيس الوزراء بالقيام بهذا الأمر تحديداً.
وتساءلت سواء سيأخذ الاتحاد الأوروبي على أيّ حال تهديداته على محمل الجدّ بعد أن نجا بالكاد في التصويت بحجب الثقة عنه من نوّاب حزبه مضيفة أنّ القادة الأوروبيين سيطرحون على أنفسهم السؤال التالي: "هل من الجدوى التفاوض مع هؤلاء الأشخاص في الحكومة مع التساؤل إن كانوا سيستمرون في الحكم لفترة طويلة؟".
وتُعتبر تعليقات ماي الهجوم الأعنف الذي يشنّه أحد كبار الشخصيات ضمن حزب جونسون على خطّته التي من شأنها أن تشرذم اتفاقية بريكست مع بروكسيل وتهدد بنشوب حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، صوّت المشرعون بـ295 صوتاً مقابل 221، أي بغالبية 74 صوتاً، لصالح منح مشروع قانون بروتوكول إيرلندا الشمالية قراءة ثانية مساء يوم الاثنين مما من شأنه أن يمهّد الطريق أمامه للخضوع للتدقيق المعمّق خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وتحدّثت ماي في مجلس العموم قبيل التصويت قائلةً للنواب "إنّ مكانة المملكة المتحدة في العالم وقدرتنا على الاجتماع وتشجيع الآخرين في الدفاع عن قيمنا المشتركة يعتمد على الاحترام الذي يكنّه الآخرون لنا كبلدٍ يحترم كلمته ويعكس هذه القيم المشتركة من خلال أفعاله. كوني شخصاً وطنياً، لا أريد أن أفعل شيئاً يقلل من شأن هذا البلد في نظر العالم. يجب أن أقول للحكومة أنّ مشروع القانون هذا من وجهة نظري ليس قانونياً في إطار القانون الدولي، بالتالي لن يحقق مبتغاه وسيحجّم المملكة المتحدة في عيون العالم ولا يمكنني دعمه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأثار مشروع قانون بروتوكول إيرلندا الشمالية موجة غضب عارم في بروكسل ودبلن، إذ إنّه يهدّد بإزالة السمات الرئيسية للاتفاقية التي تمّ التفاوض عليها وتوقيعها من قبل جونسون في العام 2019 ومن ثمّ تقديمها إلى المقترعين "كاتفاقية جاهزة معلّبة" في الانتخابات العامة خلال ذلك العام.
ويلحظ البروتوكول إزالة عمليات التفتيش الجمركية على السلع الآتية من البر الرئيسي البريطاني والتي تصل لتُباع في إيرلندا الشمالية فضلاً عن إنهاء مواءمة الضريبية على القيمة المضافة للمقاطعة مع بقية السوق الموحدة ضمن الاتحاد الأوروبي والتي ما زالت تشكّل جزءاً منه وتحييد محكمة العدل الأوروبية عن مسألة تسوية النزاعات.
بيد أنّ وزيرة الخارجية ليز تراس أصرّت على أنّ خطط الحكومة قانونية واستشهدت بـ"مبدأ الضرورة" المعروف عالمياً والذي يسمح للدول بتخطّي بعض البنود في المعاهدات في حالات الطوارئ إن لم يكن أمامها من خيارات أخرى متاحة.
وتابعت تراس مستشهدةً بمخاوف الأحزاب الاتحادية بأنّ البروتوكول خلق "قصوراً ديمقراطياً" في إيرلندا الشمالية، وأعلنت أمام مجلس العموم بأنّ الحكومة أرادت التفاوض لإيجاد حلّ لمعالجة الصعوبات التجارية في بحر إيرلندا بيد أنّ رفض الاتحاد الأوروبي لأي تغيرات لم يترك خياراً سوى الخطوة التشريعية الأحادية.
ولكن أجابتها ماي بأنّ قدرة الحكومة على التفاوض قُوضت بسبب عدم رغبتها على الالتزام بالاتفاقات الموقّعة أخيراً، مضيفة "أظنّ بأنهم يقولون في أنفسهم، لماذا نتفاوض بالتفاصيل مع حكومة تظهر نفسها مستعدة لتوقيع اتفاق وتزعم بأنه انتصار لها ومن ثمّ تحاول تمزيقه إرباً في أقلّ من ثلاث سنوات".
وأشارت ماي - التي كانت اقترحت تسوية لتجنّب هذه المشكلة بالتحديد وقام جونسون بالسخرية منها - إلى أنّ "الخطر" الذي يُراد من مشروع القانون تخطّيه "هو نتيجة مباشرة للحدود على طول بحر إيرلندا الذي كان جزءاً لا يتجزأ وأساسياً من البروتوكول الذي وقّعته الحكومة في اتفاقية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي".
وتعرّض مشروع القانون للهجوم من قبل الوزير السابق لشؤون إيرلندا الشمالية جوليان سميث المنتمي إلى حزب المحافظين والذي وصفه بأنّه "نوع من الابتعاد عن المهمة الرئيسية الهادفة إلى القيام بما أمكننا للتفاوض حول اتفاق بروتوكول أفضل بشأن إيرلندا الشمالية".
وفي سياق متصل، قال الوزير السابق في الحكومة أندرو ميتشل للوزيرة تراس بأنّ مشروع القانون هذا "يخالف بوقاحة معاهدة دولية رسمية ويشوّه سمعتنا الدولية ويهدّد بنشوب حرب تجارية في وقتٍ يعاني اقتصادنا من الركود كما أنّه يضعنا في خلاف مع أحد أهمّ حلفائنا".
وندّد سايمون هور، النائب عن حزب المحافظين الذي يرأس لجنة إيرلندا الشمالية في مجلس العموم بمشروع القانون، معتبراً إياه "إخفاقاً في ممارسات الحكم من شأنه أن يضع سمعة المملكة المتحدة على المحك". وتابع هور بالقول أنّ "الحجج التي تدافع عن هذا القانون هي حجج واهية بكل ما للكلمة من معنى وغير منطقية بشكلٍ كبير. إنّه مشروع قانون يهدّد بإجراءات ضارة اقتصادياً قد تترتب عليه ردود سلبية [تهدد بحرب تجارية] وينطوي على مخاطر تشويه سمعتنا كبلدٍ حارس للقانون الدولي والنظام الذي يرتكز على [احترام] القواعد".
وقال السير جيفري دونالدسون زعيم الحزب الديمقراطي الاتحادي أمام مجلس العموم بأنّ البروتوكول خلّف تأثيراً "مدمّراً" على إيرلندا الشمالية على مرّ الأشهر الثمانية عشر الماضية. وتساءل "كيف بوسع أيّ أحد في هذا المجلس الدفاع عن وضعٍ يكون فيه جزء من المملكة المتحدة مهدداً بطريقةٍ لا يملك ممثلوه المنتخبون أيّ رأي في العديد من القوانين التي ترعى تجارتنا مع سائر أجزاء المملكة المتحدة؟".
ولكن في الحديث خارج المجلس، رفض السير جيفري القول ما إذا كان سيؤدّي إقرار مشروع هذا القانون إلى جعل أكبر حزب اتحادي ينهي مقاطعته لمؤسسات تقاسم السلطة [في إيرلندا الشمالية] وقال للمراسلين الصحافيين بأنّ الحزب "سيدرس الخطوات التي سيقدم عليها" في حال تمرير القانون واجتيازه امتحان مجلس العموم.
نُشر في اندبندنت بتاريخ 28 يونيو 2022
© The Independent