بعد أن كان البرلمان في تونس، صاحب السلطة في فترة ما قبل 25 يوليو (تموز) 2021، بتعيينه الحكومة، وسحب الثقة منها، وإقرار التشريعات، تقلّصت صلاحياته في مشروع الدستور الجديد، وأضيفت إليه غرفة ثانية، وهي "المجلس الوطني للجهات والأقاليم".
ويتكوّن هذا المجلس، وفق ما جاء في الفصل 82 من مشروع الدستور الجديد، من "نواب منتخبين عن الجهات والأقاليم، إذ يَنتخب أعضاء كل مجلس جهوي، ثلاثة أعضاء من بينهم، لتمثيل جهتهم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وينتخب الأعضاء المنتخبون في المجالس الجهوية في كل إقليم، نائباً واحداً من بينهم يمثل هذا الإقليم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ويتم تعويض النائب الممثل للإقليم طبقاً لما يضبطه القانون الانتخابي".
و"تُعرض وجوباً على المجلس الوطني للجهات والأقاليم، المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة، ومخططات التنمية الجهوية، والإقليمية، والوطنية، لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم، ولا يمكن المصادقة على قانون المالية، ومخططات التنمية إلا بالأغلبية المطلقة لكل من المجلسين، كما يمارس هذا المجلس صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية".
نظام الغرفتين وتوازن السلطات
فهل يمكن لهذا المجلس أن يساهم في تنمية الجهات الداخلية؟ وهل ستتعارض صلاحياته مع البرلمان؟
ينتشر الازدواج البرلماني في نحو ثلاثة أرباع دول العالم، ويعود الفضل لإنجلترا في بروز هذا النظام عندما ظهر "مجلس العموم" إلى جانب "مجلس اللوردات"، لتنتقل التجربة بعد ذلك إلى دول عدة في العالم، وعاشت تونس تجربة الغرفتين عندما أحدث الرئيس السابق زين العابدين بن علي مجلس المستشارين (2005-2011)، ويرى المتابعون للشأن السياسي أن من شأن نظام الغرفتين أن يضمن للشعب تمثيلاً واسعاً، وتوازناً بين السلطات.
ولفت سرحان الناصري، رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن "المجلس النيابي الجديد الممثل للأقاليم والجهات، سيعاضد وظيفة البرلمان، ويفعّل مبدأ اللامركزية، ويساعد في تحقيق التنمية الجهوية المعطلة منذ أكثر من 10 سنوات، مستبعداً أن يكون هناك تنازع للصلاحيات بين الغرفتين".
المجلس لا يؤسّس للحكم القاعدي
من جهته، رحّب أستاذ التنظيم الإداري والمختص في الحوكمة المحلية، محمد الضيفي، في تصريح خاص، بفكرة إرساء غرفة ثانية، بخاصة أن لهذا المجلس "صلاحيات مهمة خاصة في المصادقة على الميزانية، وهي صلاحيات أوسع من المجلس الأعلى للجماعات المحلية سابقاً الذي كان له دور استشاري، بينما هذا المجلس له دور تقريري، ورقابي في مجال الميزانية والتنمية، ما يعطيه نجاعة أكثر من أجل أن تعمّ التنمية في الجهات الداخلية". واستبعد الضيفي أن يكون هذا المجلس "تمهيداً للحكم القاعدي، طالما أن صلاحياته متصلة بالميزانية والتنمية"، مرجحاً أن "يتنازع في الصلاحيات مع البرلمان، بخاصة في ما يتعلق بالمصادقة على الميزانية التي تتطلب توازي الإجراءات من أجل احترام الآجال الدستورية المضبوطة للمصادقة على الميزانية"، داعياً إلى "وضع الآليات القانونية الملائمة لتجاوز هذه الإشكاليات". ويضيف محمد الضيفي، أنه "لم يتم تحديد الأقاليم إلى الآن". ولفت الضيفي إلى "المقاييس التي سيتم اعتمادها لتقسيم التراب التونسي إلى مجموعة أقاليم، وإشكالية تحديد مقرّ الإقليم وإمكانية تنازع الجهات الداخلية على احتضان المقر".
خمسة أقاليم
يذكر أن المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، طرح، في وقت سابق، تقسيماً إدارياً جديداً للمجال الترابي التونسي يقوم على دمج الولايات (المحافظات) في كيانات إقليمية، تسمى أقاليم، وترتكز رؤية المعهد بالأساس على مبدأ يقوم على "تكامل الولايات والجهات الأكثر تطوراً وديناميكية اقتصادية واجتماعية مع الأخرى الأقل حظاً والأكثر تهميشاً، ضمن كيان إقليمي موحد، لخلق حال من التبادل الإيجابي لخصائص الجهات المدمَجة ولضمان استفادة المناطق الأقل تطوّراً من نشاط الجهات الأخرى". وأشار المعهد في دراسته إلى أن "اختيار عاصمة الإقليم لن يكون اعتباطياً، إذ يقترح هذا المشروع أن تكون العاصمة هي مركز الجهة أو الولاية الأكثر فقراً وتهميشاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولتحديد درجة النمو، في كل جهة، لتعيين المدينة "المركز" الجديدة، يتم اعتماد مؤشرات التنمية الجهوية التي تتولى احتسابها بصفة سنوية، وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، واقترح المعهد تقسيم التراب التونسي إلى خمسة أقاليم، وهي: "إقليم قرطاج، وإقليم مجردة، وإقليم الوطن القبلي والساحل، وإقليم الوسط الكبير، وإقليم الواحات القصور (الجنوب)".
المجلس تأسيس للحكم القاعدي
في المقابل، رأى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي، في تصريح خاص، أن المجلس الجديد ليس إلا لبنة أولى في مشروع البناء القاعدي، في مشروع قيس سعيد السياسي، مضيفاً أن توظيف هذا المجلس، كمجلس اقتصادي واجتماعي، يمكن أن يساعد البرلمان، من خلال دراسة مشاريع القوانين وتقديم التصورات، أما أن يكون غرفة ثانية، يضاهي في قيمته البرلمان، فإن ذلك سيعطّل سير المرفق التشريعي.
وأكد الشكندالي أن "بعض الأفكار الاقتصادية التي طرحها رئيس الجمهورية قيس سعيد، كالشركات الأهلية لم يتم تضمينها في البرنامج الاقتصادي، ما يدل إلى ضعفها"، داعياً إلى "اعتماد الاقتصاد التضامني والاجتماعي، للمساعدة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها تونس"، وتحتاج هذه المؤسسة الجديدة إلى القوانين الأساسية التي ستنظم عملها وعلاقتها بالبرلمان وتحديد صلاحياتها، كما تحتاج إلى فترة زمنية لاختبار نجاعتها.