الهجوم الذي تعرّض له حسن الخميني حفيد المؤسس في احتفال الذكرى السنوية لرحيل جدّه، لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، طالما لم تصل القوى المُمسكة بالدولة العميقة إلى قناعة راسخة بأنه لن يشكل مصدر تهديد ومركز ثقل في التركيبة السياسية الفكرية والعقائدية المؤثرة في الاتجاهات الاجتماعية.
الموقف السلبي من عائلة المؤسس، ليس جديداً، بخاصة في محاولات إخراجها من دائرة التأثير والفعل على الساحة السياسية والاجتماعية، وقد تعززت الحاجة إلى ضرورة إخراج هذه العائلة من المشهد الإيراني بعد أن استطاع النظام والدولة العميقة محاصرة المرحلة الإصلاحية بقيادة محمد خاتمي التي أسهمت في إعادة إحياء المفاهيم المؤسسة التي قامت عليها الثورة، والعناوين التي طرحها المؤسس المتعلقة بالحريات السياسية والفكرية والتعددية الحزبية، والدفاع عن الآليات الديمقراطية، وإصراره على البعد الجمهوري في السلطة، وعدم تغليب مفهوم الحكومة الإسلامية على الرغم من تبنيه الفكري لهذه المدرسة منذ ستينيات القرن الماضي في كاتبه بعنوان "الحكومة الإسلامية".
في أحد أيام صيف عام 2005، تلقيت دعوة من مجموعة ناشطين مقربين من علي ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى، ويعملون في إحدى الجمعيات التابعة لمؤسسة أهل البيت التي يترأسها، وتعد إحدى مؤسسات مكتب المرشد، للمشاركة في جلسة حوارية خاصة تُعقد ليلة الجمعة، في مسجد "15 خرداد" وسط العاصمة طهران.
المسجد كان يعد حينها، ولا يزال، أحد أهم مراكز التعبئة التي تستخدمها جماعة "أنصار حزب الله" تحت إشراف العقيد في حرس الثورة حسين الله كرم، سفير إيران الأسبق في البوسنة خلال الحرب هناك، وهي الجماعة التي يتزعمها رجل الدين المتشدد حسن خرازي، وكانت الجلسة مخصصة للنيل من عائلة المؤسس الخميني وتوجيه أقسى أنواع الانتقاد والاتهام لها، والأمور وصلت إلى مرحلة بات من الضروري وضع حد لدور هذه العائلة وإخراجها من المواقع التي تشغلها في المؤسسات الرسمية الإدارية والتعليمية.
الهجوم كان قاسياً وحاداً باتجاه كريمة الخميني، السيدة زهراء مصطفوي، إضافة إلى الهجوم على حفيدته من ابنته السيدة زهراء إشراقي زوجة محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس محمد خاتمي، ونائب رئيس البرلمان الأسبق في عهد الإصلاحات، والمطلوب في هذه المرحلة منع هؤلاء الأشخاص، بمن فيهم محمد خاتمي، من استغلال اسم الخميني وتوظيفه في ما يتعارض مع توجهات النظام، وهو توجه وجد ترجمته في قيام مجموعة من هذه الجماعة بمهاجمة كريمة الخميني الأستاذة الجامعية وتوجيه الإهانة لها مباشرة في إحدى المناسبات العلمية التي كانت تشارك فيها.
مع انتهاء عهد الإصلاحات، وتحديد حفيد المؤسس حسن أحمد الخميني لخياراته السياسية وميله لاعتماد منهج معتدل يلتقي كثيراً مع توجهات خاتمي ورؤيته السياسية والفكرية والاجتماعية، وبما يتطابق مع أفكار ومنهج جده الذي يتولى رئاسة الحفاظ على إرثه الفكري والسياسي، وبدأت معركة من نوع آخر بينه وبين الجماعات المتطرفة من التيار المحافظ، واتهامه بالتنكر لمشروع جده وانقلابه على مبدأ ولاية الفقيه ومعارضة المرشد الأعلى للنظام.
هذا الهجوم جاء منسقاً بين الحملة التي قادتها مجاميع أنصار "حزب الله"، وبين المؤسسات الرسمية للنظام، بخاصة مجلس صيانة الدستور، الذي تولى مهمة استبعاده عن أي موقع داخل المؤسسات المنتخبة، والتي تحتاج إلى موافقة هذا المجلس والمرور بدوائره، بخاصة دائرة دراسة أهلية المرشحين.
الخوف من دخول الخميني الحفيد المعترك السياسي من بوابة العضوية في أي من مؤسسات القرار، كان محكوماً بخوف التيار المحافظ والدولة العميقة من أن تشكل هذه المشاركة تأسيساً لدور لاحق في مستقبل النظام وتركيبة السلطة، بخاصة أن هذا الحفيد ما زال يتمتع ويحظى بقاعدة شعبية ترى فيه امتداداً للنموذج الذي قدمه جده المؤسس، بخاصة داخل القاعدة الشعبية للتيار المحافظ، فضلاً عن التفاف القوى والأحزاب الإصلاحية حوله انطلاقاً من قناعتها بشخصه، وما يمثله من استعادة لمثاليات التأسيس والمؤسس بما يُعيد تصويب مسار الدولة وإبعادها عن التسلط والحكم العقائدي المغلق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يسمح النظام ومؤسساته للحفيد بالدخول إلى مجلس خبراء القيادة عندما حاول الترشح لهذا الموقع، وقد تذرّع القائمون عليه بأن الخميني الحفيد لم يصل إلى درجة الاجتهاد الديني والشرعية اللذين يُعدّان شرطين على المرشحين، على الرغم من اعتراف أساتذة كبار في الحوزة الدينية في مدينة قم بهذه الفضل العلمي له.
وإذا ما كان مجلس صيانة الدستور قد كفى النظام وقيادته شر القتال والدخول في مواجهة مباشرة من الخميني الحفيد، فإن الأمور اختلفت مع تزايد الحديث عن إمكانية مشاركة الحفيد في السباق الرئاسي عام 2021، ما استدعى استنفاراً شاملاً من كل أركان التيار المحافظ، وإطلاق حملة تشويه وتشكيك بصلاحياته وقدراته الإدارية، إلا أن قمة هذا التحرك جاءت من قبل المرشد الأعلى الذي عقد جلسة مطولة مع الخميني الحفيد، وطلب منه مباشرةً عدم المشاركة في السباق الرئاسي، ولعل التقديرات تذهب إلى الثمن الباهظ الذي قد يدفعه النظام في حال قرر مجلس صيانة الدستور إسقاط أهليته، أو أجبرت مؤسسات النظام على التلاعب بالنتائج لتأكيدها من النتيجة التي قد يحصل عليها على حساب مرشحهم.
الخوف من الحفيد الخميني أن تولّيه أي موقع أو عضوية أي مؤسسة من المؤسسات المقررة في مستقبل النظام، سيضع في خانة المرشحين الفعليين لتولي منصب خلافة المرشد الأعلى، وهو أمر يُربك مخططات الدولة العميقة التي تجد صعوبة في التفاهم معه، بخاصة أنها عملت منذ سنوات على رسم مستقبل النظام وتحديد الشروط المطلوبة في الخليفة الجديد.
من هنا، فإن التعامل غير الحازم مع المجموعات التي رفعت شعارات مُعادية لحفيد الخميني في ذكرى رحيله، وعلى مسمع من المرشد، إنما هي مجموعات يتم اختيارها بعناية، وبعد تدقيق أمني، خوفاً من أي اختراق فكري قد يسبب إحراجاً للمرشد، وهو تدقيق يسري على جميع المناسبات التي يشارك فيها. ومن الصعب أن يجرؤ أحد على القيام بسلوك يتعارض مع التوجهات والشروط التي يضعها المنظمون، وعليه فإن إمكانية أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً ضد الخميني الحفيد قائمة، من بوابة السعي إلى إبعاد خطره السياسي التي قد تهدد خطط الدولة العميقة المستقبلية.