كثيرة هي الأسوار والمباني والأبواب التاريخية التي يزخر بها المغرب، إذ لا تكاد تخلو مدينة كبرى من وجود أسوار أو آثار تعود إلى عصور تاريخية وحقب غابرة، وعلى الرغم من وجود هذه "الكنوز التاريخية" بين أيدي المغاربة، فإن عدداً منها مصيره الإهمال وسوء العناية، أو تمتد إليها أيادي العابثين، ليتحول بضعها إلى مآوٍ للمتسكعين والمشردين، أو فضاءات لرمي القاذورات، وتحوّلت أسوار تاريخية عدة إلى "مراحيض عمومية".
أسوار وأبواب
وتشتهر مدن مغربية عدة بأسوارها التاريخية التي تعود إلى حقب ودول سابقة، ومنها ما تم تسجيله ضمن التراث الإنساني العالمي المشترك، مثل العاصمة الرباط ومراكش والصويرة وفاس، ومدن أخرى.
في مدينة الرباط تنتصب أسوار تاريخية تنقسم إلى صنفين، أبواب السور "الموحدي"، نسبة إلى الدولة "الموحدية" التي حكمت بلاد المغرب في الفترة بين عامي 1121 و1269، وهي باب "الوداية"، وباب "الأحد"، وباب "زعير"، وباب "الرواح"، وغيرها، ثم أبواب السور الأندلسي التي تضم باب "شالة"، وباب "الملاح"، وغيرهما.
وفي مدينة سلا، المجاورة للعاصمة، تنتصب أسوار وأبواب تاريخية أشهرها باب "لمريسة" الذي يعد أكبر باب تاريخي في البلاد، وتم بناؤه من طرف السلطان المريني أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، وهناك باب "شعفة"، وباب "الخميس"، وأبواب تاريخية أخرى في المدينة القديمة لمدينة سلا.
أما مراكش، فقد دخلت قائمة التراث العالمي المشترك بفضل أسوارها التاريخية التي تم تشييدها في مستهل القرن الـ12 من طرف سلاطين الدولة المرابطية الذين جعلوا مراكش عاصمة للمغرب.
الأذى البشري
هذا العبق التاريخي الذي يشع من عديد من الأسوار والأبواب والمباني العريقة في عديد من مدن المملكة لم يشفع لها أن تكون في منأى عن الإهمال والتعرض للأذى البشري على وجه الخصوص، فضلاً عن عوامل التعرية والتقادم، وإذا كانت عوامل التعرية والزمن قد أثرت على هذه الأسوار والمباني التاريخية، فإن السلطات المعنية كانت تلجأ، كل مرة، إلى الترميم وإصلاح ما يمكن إصلاحه ضمن مخططات خاصة بترميم وصيانة الأبواب والمنشآت التاريخية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن هذه الأسوار والأبواب التاريخية قد قاومت ببسالة عاديات الدهر ومرور السنوات والأحقاب، غير أنها لم تقوَ على مجابهة "الاعتداءات البشرية" من خلال رمي النفايات عليها، أو تحول بعضها إلى مراتع للسُّكر والرذيلة، أو حتى مكان لقضاء الحاجة، على غرار بعض أبواب مدينة سلا التاريخية.
سور مراكش الشهير
وتحدث محمد آيت لعميم، الأستاذ في جامعة مراكش، لـ"اندبندنت عربية" عن السور التاريخي الشهير لمراكش، وقال إن بدايات تشييد المدينة كانت تتم في فضاء غير مُسوّر، بل كانت الحدود بالسدر، ثم جاء بناء الأحياء والمساجد والقصبات. وتابع المهتم بتاريخ مراكش، أن "تلك المرحلة شهدت مناوشات لقبائل أخرى، ما جعل المرابطين يفكرون بجدية في بناء سور، وظيفته الأمن والدفاع عن المدينة، فتم البناء على يدّ علي بن يوسف"، مضيفاً أن "سور مراكش عرف تحولات وتوسعات عبر تعاقب الدول، كما خضع لإصلاحات وترميمات". ولفت إلى أن "سور مراكش يُعدّ من الشواهد التاريخية التي يتعين تثمينها وحمايتها، من خلال تفعيل القوانين التي تنص على ألا يحاذي السور أي بناء، وأن يبقى معزولاً، لا بناء بداخله أو خارجه"، متابعاً أن السور تحيط به أبراج يمكن أن تصبح جزءاً من التنمية الثقافية للمدينة. وحذر لعميم من خطورة تحول السور إلى مكان تتجمع فيه القاذورات لأن ذلك يفقد جاذبيته التاريخية. وخلص إلى أن عدداً من المدن التاريخية الكبرى فقدت أسوارها، ولم تعد تلك المدن العتيقة مسوّرة، إما بسبب هدم السور، وإما جراء ما تعرّض له من عوامل تعرية، مبرزاً أن من الأهمية أن تحافظ مراكش على سورها، وألا يتسبب الإهمال في هدمه.
اعتداءات البشر
وقال الناشط المحلي بمدينة سلا، محمد الغرفاوي، إن الترميم أصلح بعض العيوب التي طاولت أبواباً وأسواراً تاريخية، لكن الذي لم تنجح فيه السلطات المحلية هو كيفية حماية هذه الفضاءات من "اعتداءات الناس"، موضحاً أن أشغال الترميم للمدينة القديمة بمدينة سلا، مثل عدد من المدن الأخرى، لا يمكن أن تُخطئها العين في سياق المخطط الحكومي الذي يمتد إلى سنة 2023، والذي تكلف مبلغاً مالياً ضخماً، بهدف تأهيل المدينة عبر العناية بتاريخها.
جدير بالذكر أن هناك مقترح قانون في مجلس النواب المغربي منذ سنوات عدة، لم تتم المصادقة عليه بعد، ينص على "معاقبة كل من قام بعمل فيه مساس بالبيئة ونظافتها، كرمي القاذورات، أو التبول، أو التغوط في الأماكن التي لم تُعدّ لذلك، بتنظيف المكان الذي قام فيه بهذه المخالفة، والأماكن المحيطة به لمدة شهرين".
البرلمان يسائل الحكومة
وضعية الأسوار والمباني التاريخية في المغرب وصلت إلى قبة البرلمان من خلال أسئلة طرحها نواب على الحكومة، ومنها السؤال الكتابي الذي وضعته البرلمانية نادية تهامي، من حزب "التقدم والاشتراكية" على وزير الثقافة محمد المهدي بنسعيد بخصوص معلمة تاريخية بمدينة تمارة (المجاورة للعاصمة الرباط). وقالت تهامي إن "قصبة تمارة" تعرف حالاً من التهميش يطاول أسوارها ومحيطها البيئي، ما يجعلها باستمرار عرضة للتّآكل وفقدان معالمها التاريخية، بسبب عوامل بشرية وأخرى بيئية. ودعت البرلمانية إلى حماية أسوار هذه المعلمة التاريخية وجعلها حافزاً مستقطباً للسياحة، باعتبار أنها "تُعد إرثاً ثقافياً وإنسانياً وتاريخياً وطنياً إلى جانب مثيلاتها من القصبات بالبلاد، ولكونها قطعة تاريخية وجزءاً من الذاكرة والوجدان المحلي والوطني".
وتوقفت البرلمانية عن حزب "العدالة والتنمية" نعيمة الفتحاوي، عند وضع موقع أغمات التاريخي، وقالت إن "المدخل الوحيد الذي يؤدي إلى الموقع يستعمله المواطنون للعبور بالدواب والدراجات النارية، الأمر الذي يسبب أضراراً واهتزازات، وتتكدس القاذورات والنفايات بجوانبه".