رسمت وجوه عدة المشهد السياسي الموريتاني، منذ قيام الدولة الوطنية في ستينيات القرن الماضي، إلا أن أغلب تلك الوجوه توارت عن مسرح الأحداث، إما بفعل الموت أو انحسار الضوء عنها، بسبب حركية الأحداث وتلاحقها. تستعيد "اندبندنت عربية" أبرز هذه الوجوه، مع انطلاق الانتخابات الرئاسية في البلاد، السبت في 22 يونيو (حزيران).
رموز الاستقلال
يتفق أغلب الموريتانيين، على إطلاق اسم "أب الأمة"، على أول رئيس حكم موريتانيا، المختار ولد داده، وهو مترجم ومحام، درس القانون في فرنسا، وتولى رئاسة الحكومة في مرحلة الاستقلال الذاتي عام 1958 وحتى عام 1960. يعتبره الموريتانيون، المؤسس الفعلي لنواة الدولة الموريتانية، امتلك علاقات أفريقية وعربية واسعة، وكانت نهاية حكمه عن طريق انقلاب عسكري، قاده ضباط من جيشه، صبيحة 10 يوليو (تموز) 1978، نتيجة ما اعتبروه تورطاً غير مبرر في حرب الصحراء، التي اندلعت عام 1975.
لا يمكن الحديث عن تلك الفترة من تاريخ موريتانيا المعاصر، من دون التوقف عند شخصية الزعيم السياسي والوزير بوياكي ولد عابدين، وهو شخصية أسهمت في السياسة الوطنية، بشكل مؤثر، فهو أحد مؤسسي حزب النهضة الموريتاني، ذي الطابع التقدمي. وقف ضد المشاريع السياسية الفرنسية في موريتانيا، خصوصاً الاستفتاء الديغولي، حول الاستقلال الذاتي، لما كان يُعرف بأقاليم ما وراء البحار الفرنسي. دخل الحكومة ليعارض لاحقاً الرئيس المختار داده، المتحدر من شرق البلاد.
سيدي محمد ولد سيمدع من مؤسسي حركة الكادحين اليسارية عام 1968، التي تزعمها لاحقاً، وهو أول مَن قاد حركةً احتجاجية في موريتانيا، التي شهدتها مدينة أزويرات المنجمية، حيث استطاع أن يقود احتجاجاً جمع مختلف الإثنيات الموريتانية وسقط فيه عشرات العمال الموريتانيين. فارق الحياة في العاصمة السنغالية دكار في عمر لم يتجاوز الـ 24 سنة.
وجوه العشرية
شهدت موريتانيا تحولات سياسية دراماتيكية منذ الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب للبلاد، وهو سيد محمد ولد الشيخ عبدالله، وبرزت أسماء سياسية أخرى لعبت مجمل الأدوار ذات التأثير في الحياة السياسية الموريتانية.
محمد ولد عبد العزيز الرئيس الحالي لموريتانيا، المنتهية ولايته، أطاح بولد الشيخ عبدالله في أغسطس (آب) 2008 بعد اندلاع أزمة بين مؤسسة رئاسة الجمهورية من جهة والمؤسسة العسكرية المدعومة بعشرات النواب الذي أطلق عليهم الإعلام المحلي لقب "كتيبة البرلمان".
حكم ولد عبد العزيز البلاد 11 سنة، أحدث خلالها تحولات على المستوى الوطني، وفي مكانتها العالمية بحسب أنصاره، الذين أطلقوا عليه لقب "رئيس الفقراء"، بينما يراه البعض حاكماً عسكرياً لم يشرك مناوئيه السياسيين في إدارة الحكم. قطع العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من مناهضة أميركا لانقلابه، وفي فترة حكمه الأولى سطع نجم رئيس وزرائه، القادم من المعارضة الراديكالية، من حزب تكتل القوى الديمقراطية تحديداً، ملاي محمد لغظف.
قاد ولد محمد لغظف الحكومة في مرحلة عصيبة من تاريخ موريتانيا، وبعد إقالته منذ سنوات، ظل قريباً من ولد عبد العزيز، شاع خبر نيته الترشح للرئاسيات الحالية ليتراجع ويعلن دعمه للمرشح المدعوم من الرئيس. خلفه في رئاسة الحكومة ابن منطقته، وغريمه السياسي، المهندس يحيى ولد حد مين، وهو تكنوقراطي لم تُعرف له ميول سياسية. خريج المدارس الهندسية في كندا، وعمل وزيراً في حكومة ولد محمد لغظف الأولى.
وتقفز إلى أذهان الموريتانيين أسماء عدة، نشطت في الغالبية الرئاسية، لكن يظل الوزير سيد محمد ولد محم، أحد أكثر الأسماء حضوراً في المشهد السياسي الوطني، إذ دخل المعترك السياسي من بوابة الإسلام السياسي، حيث عرفته أوساط هذا التيار في الثمانينيات، ليتخرج لاحقاً محامياً من المغرب، ويغيّر اتجاه بوصلته السياسية إلى سياسة وطنية منزوعة الدسم الأيديولوجي. دافع عن قادة الانقلاب العسكري عام 2003، وسُجن ليوم واحد لإزعاجه القاضي.
وبعد انقلاب عام 2005 الذي أنهى حكم الرئيس السابق معاوية ولد الطايع الذي استمر 21 سنة، دخل البرلمان نائباً عن مدينته. توارى عن الأنظار بعد الانقلاب، ليُعيَّن رئيساً لمحكمة الحسابات، وفي عام 2013، دخل تشكيلة الحكومة من بوابة وزارة الإعلام، ليرأس الحزب الحاكم الذي أسسه الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
جمع بين رئاسة الحزب الحاكم ووزارة الإعلام لفترة، قبل إقالته ليعود لاحقاً وزيراً للثقافة وناطقاً باسم الحكومة وهو المنصب الذي ما زال يشغله حتى الآن.
الأسماء الثابتة
مثلت الوزيرة الناه بنت مكناس رقماً ثابتاً في المعادلة السياسية الموريتانية، فالوزيرة الشابة، التي ورثت حزباً عن أبيها الوزير حمدي ولد مكناس، استطاعت أن تحافظ على حقيبتها الوزارية في كل حكومات الرئيس ولد عبد العزيز.
ترأس بنت مكناس حزباً سياسياً ممثلاً في البرلمان، وتولت لل مرة الأولى في التاريخ العربي منصب وزيرة خارجية، يمتلك حزبها قاعدة جماهيرية صلبة في الضفة والشمال والمدن الكبرى من البلاد.
إلى جانب بنت مكناس، يحتفظ الوزير السابق ونائب رئيس البرلمان الموريتاني الحالي بيجل هميد بمنطقة دفء ثابتة في المشهد السياسي، فمفتش الخزينة المتحدر من أقصى الجنوب الغربي، ظل وزيراً لفترات طويلة في حكم ولد الطايع، وبعد الإطاحة بالأخير، ظل الوزير الوحيد القادر على ذكر محاسن فترة حكم ولد الطايع المغضوب عليها سياسياً.
بعد فترة ظلام سياسي عاشها عاد نجم ولد هميد للسطوع، وهو الآن نائب في البرلمان ونائب لرئيسه وأحد الناخبين الكبار الذين يتلقفهم الرؤساء.
لم يكن الشاب المختار أجاي، يدور في خلده أنه سيجمع بين مالية موريتانيا واقتصادها لأعوام طويلة، فابن لبراكنة القادم من عالم الإحصاء، استطاع أن يضع بصمةً في التاريخ السياسي المعاصر، فقاد إدارة الضرائب المكروهة في الأوساط المالية في فترة اضطرابات سياسية حرجة. يعتبره خصومه "جابي ضرائب رئاسية"، ويرى فيه أنصاره "صاحب فتح" في مجال الاقتصاد الموريتاني.
أيقونات المعارضة
لا يمكن للموريتاني نطق كلمة المعارضة من دون أن يقفز إلى ذهنه اسم أحمد ولد داده، "أيقونة النضال" الذي ترشح مرات عدة للرئاسة. ابن وسط سياسي، فهو أخ الرئيس الأول لموريتانيا المختار ولد داده، واقتصادي عمل محافظاً سابقاً للبنك المركزي الموريتاني، تعرض للسجن والمضايقات في فترات سياسية مختلفة، ويقود حزب "قوى التكتل" الموريتاني الممثَل في البرلمان.
الرئيس مسعود بلخير كما يلقبه أنصاره، أيقونة نضال موريتانية ضد العبودية، إداري مدني عارض ولد الطايع وعمل معه وزيراً، قبل أن يقلب المجن عليه، مشارك في أغلب الانتخابات الرئاسية، ورئيس سابق للبرلمان الموريتاني، ونائب حالي فيه. يطلق بعض العارفين بالشأن السياسي الموريتاني على معارضته وصف معارضة الوسط وهو ينحدر من شريحة لحراطين (العبيد السابقين).
لم يكن دارس التاريخ القادم من هضاب تكانت في الوسط الموريتاني، يعلم أن التاريخ سيكتب اسمه "أيقونة نضال" ضد مختلف أنظمة الحكم العسكرية والمدنية التي حكمت موريتانيا، فابن مدينة تجكجة عارض كل الأنظمة التى حكمت باستثناء شهور قليلة دعم فيها حكم ولد الشيخ عبدالله.
وشم في ذاكرة المعارضة
ظل الرئيس السابق لحزب تواصل ذو الميول الإسلامية جميل منصور، اسماً حاضراً في الأجندة السياسية الموريتانية خلال العشرية الأخيرة، فالرجل المفوه عارض حكم ولد عبد العزيز على طول الخط، وقاد الحزب في فترات شديدة الحساسية، وظل رجل إجماع من قبل مناضلي الحزب. سُجن أيام ولد الطايع، وعاش في المنفى حتى الإطاحة به.
هناك أسماء دائمة الحضور في صفوف المعارضة، فالسياسي الشاب محمد غده، الذي عرفه الموريتانيون مؤسساً لتيار فكر جديد. وإبان أزمة الشيوخ لمع نجم الشاب خلال الأزمة التي قادت إلى تعديل الدستور، سُجن ولد غده على خلفية حادث سير يعتبر أنصاره أنه تم تسييسه لإبقائه أطول فترة في السجن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يمكن الحديث عن وجوه المعارضة من دون التوقف عند بيرام الداه أعبيد، مرشح الرئاسة الحالي والنائب في الجمعية الوطنية الذي دخل قبة البرلمان. دخل السياسة من باب الدفاع عن الحقوق المدنية مع "منظمة نجدة العبيد"، ودخل لجنة حق الإنسان. أسس حركة "أيرا" التي عرفه بها الموريتانيون في عام 2008، سُجن وحوكم مرات.
وهناك الكاتب السياسي، السفير محمد سعيد ود همدي، مثقف أسس مع آخرين في نهاية حياته ميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للحراطين (العبيد السابقين في موريتانيا)، وترأس الميثاق قبل أن يرحل عام 2015، تاركاً فراغاً في حراك حقوق الحراطين.
وأخيراً يتذكر الموريتانيون الصوت النسوي الصادح بالدفاع عن المرأة، كاتيدا مالك جلو المحامية والناشطة السياسية، وهي يسارية تتحدر من قومية البولار الأفريقية، وبرلمانية حالية في الجمعية الوطنية الموريتانية، عن حزب اتحاد قوى التقدم وريث حركة الكادحين المعروفة في الداخل الموريتاني.