لولا موجة الغضب التي أثارها على شبكة الإنترنت، لم أكن لأطّلع على غلاف صحيفة شارلي هيبدو لهذا الأسبوع. حتى أن المرء ليظن أنهم تعمّدوا إثارة الحفيظة بفعلتهم هذه، إذ جاء تعليقهم على مباريات كأس العالم لكرة القدم للنساء على شكل رسم كاريكاتيري لعضو المرأة الجنسي الذي بدا ضخماً وقد علقت فيه كرة قدم. احتجت لبعض الوقت كي افهم سبب السخط لأن ما رأيته بدا لي للوهلة الأولى رسماً لأذن عادية. ولكن فور ملاحظتي للمؤخرة توضّحت لي الصورة.
سمع كثيرون منا عن الصحيفة الفرنسية الاسبوعية الساخرة أول الأمر في أعقاب الهجمات الارهابية التي تعرضت لها عام 2015 والتي ذهب ضحيتها 12 موظفاً في الصحيفة بينهم رئيس تحريرها ستيفان "شارب" شاربونييه، ممن قُتلوا داخل مكاتبهم على يد ارهابيين اسلاميين. وبعد الحدث، وقف العالم مصدوماً لهول الاعتداء ومتضامناً مع الصحيفة فاجتاحت شبكة الانترنت وسوم وشارات #أنا_شارلي “Je suis Charlie”. لم تذعن الصحيفة للهجمات وتستمر حتى الآن في السباحة عكس التيار على عادة الكتاب الساخرين المزعجين.
بعد بحث سريع تبيّن لي أن الرسم على غلاف شارلي ايبدو يستقي مرجعيته البصرية من لوحة أصل العالم (L’Origine du Monde) للرسام غوستاف كوربيه (Gustave Courbet) الذي يصادف هذا الشهر مرور 200 عام على تاريخ ميلاده، ويبدو أيضاً أنّ للصحيفة تاريخ طويل في رسم الاعضاء الجنسية على اغلفتها وانها غالبا ما تعبر عن احتقارها للعبة كرة القدم بشكل عام، إذ نشرت أخيراً رسماً مخجلاً مليئاً بإيحاءات جنسية للاعب كرة قدم فرنسي معروف عالمياً.
بصراحة مطلقة، لم أفهم كلياً المغزى من وراء الكاريكاتير ولا كيف يمكن ان يراه الملمّون بتفاصيل السياق العام للموضوع كلها. وبما انني استغرقت بعض الوقت كي أكف عن تصوّره "أذناّ" عليّ أن أترك للآخرين مهمة اتخاذ الموقف الاخلاقي القوي من الكاريكاتير نفسه.
ولكن لحسن حظنا اننا نستطيع ان نجد فائضاً من الاحتقار الذي لا لُبس فيه لكرة القدم للنساء في مكان أقرب إلينا. الفيفا ( الاتحاد الدولي لكرة القدم) منظمة أُنتزعت بالقوة من تحت جناح رئيسها السابق سيب بلاتر المتزلف، وهو رجل رجعي إلى حد يثير الضحك خرج يوماً بفكرة مذهلة مفادها أن على لاعبات كرة القدم المحترفات أن يرتدين سراويل قصيرة للغاية حتى ياخذهن الجميع على محمل الجد . وباعتبار أن تلك هي الفيفا، ليس من الغريب أن يؤدي أهم دوري للنساء تنظمه، وهو كأس العالم لكرة القدم، إلى تسابق الأغبياء البائسين على الهزء منه مبررين سخريتهم منه إلى التباين في النوعية بين الرياضات التي يمارسها الرجال و الرياضات النسائية.
حسناً ، لنفترض أنهم على حق: أنّ مستوى الرياضة النسائية هو أدنى بكثير في كل الألعاب وذلك من وجهة نظر موضوعية. لا أؤمن فعلياً بصحّة هذا الاعتقاد ولكنني لا أرغب أيضاً بقضاء امسيتي في تلقي 46 رسالة متشابهة المضمون على شكل تغريدات تخبرني عن ذاك الوقت الذي خسرت فيه مارتينا نفراتيلوفا مباراة بثلاث أشواط أمام خشبة ألصقت عليها لحية، لذا فلنسلّم جدلاً أن الاعتقاد صحيح.
هل من أهمية لذلك؟ لا اعتقد.
أما معجبو كرة القدم للرجال على وجه الخصوص والذين يتابعون بسعادة أندية الدرجات الأدنى ويلحقون بها في أرجاء البلاد بصرف النظر عن احتمال امساك احد اللاعبين للكرة في منتصف الملعب والبدء بدحرجتها إلى اقصى طرف مرآب السيارات، فعليهم ان يتفهموا أن الاستثمار العاطفي للمشاهد في أية رياضة ولا سيما كرة القدم، لا يتعلق بمستوى المهارات وحدها، لابل من المهم أنّه يعبر عن حس الانتماء.
اعذروني إذاً إن لم يهمني ان مارتا لم يكن لعب مارتا لكرة القدم بمستوى لعب ميسي. ما يعنيني بشكل أكبر بكثير هو أن الفتيات الصغيرات، واعني بذلك القلة اللواتي سيلعبن في كأس العالم في المستقبل، وتلك اللواتي لن يفعلن أيضاً، سيحظين بفرصة لمشاهدة نساء وصلن إلى أعلى مستوى في اللعبة من خلال تفانيهن العظيم وموهبتهن، وسيخلدن للنوم بسعادة وهن يحلمن أيضاً بتحقيق انجازات بعيدة المنال من خلال المهارة والعمل الجماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضيف على ذلك ان ابنتي البالغة ست سنوات من العمر والتي تعدّ الاسابيع المتبقية لها كي تغدو بالعمر الذي يخوّلها الالتحاق بنادي كرة القدم المحلي، ستستطيع ان تلعب كرة القدم بالتساوي مع اخيها الأكبر سناً من دون ان تكترث إن كان لديها او لدى أي من زميلاتها في الفريق القدرة على تنمية عضلات القسم العلوي من اجسامهن كي يستطعن منافسة روميلو لوكاكو.
غالباً ما أُسئل عمن ألهمني بأن اصبح ممثلة كوميدية. والحق أن أحداً لم يلهمني الرغبة بأن اسير في هذا الطريق، بل لطالما احسست بالحاجة إلى أمشيه والأفضل أن ندع الطبيب النفسي يسبر أغوار هذه الحاجة. ولكن الكثيرين الهموني أن استجمع شجاعتي وأصبح ممثة كوميدية ولم يكونوا بالضرورة كوميديين بدورهم.
كنت في الثالثة عشر من العمر عندما احرزت فاطمة ويتبريد الميدالية الذهبية في لعبة رمي الرمح في بطولة الأمم الأوروبية في شتوتغارت. ونظراً إلى أنها امرأة، مشهورة لهذا الحد في أوساط الرياضة التي تمتهنها وقوية ومصممة بشكل غير معقول ، فقد فتحت امامي أبواباً لاحتمالات لم أكن أعي من قبل أنها موجودة.
وفي العام التالي على فوزها، ظهرت ويتبريد بكثافة على شاشات التلفزة وفي الصحف مجدداً حين جاءت الأولى في بطولة العالم في روما. من كان ليتصور ان تلك البطلة كانت ستلهم فتاة ايرانية خجولة و ممتلئة القوام تعيش في القسم الغربي من لندن كي تجعل من إلقاء الدعابة مهنة لها؟
ولكن تفعل قلة من الأمور فعل الرياضة في مساعدتكم على إقامة علاقة مع أجسامكم وجعلكم تدركون ان معظم القيود التي كنتم تتصورونها ليست حقيقية.
من يسخر اليوم بالمباريات الرياضية النسائية يذكّرني بالأغبياء الذي كانوا يتوجهون إلى البار حين تعتلي ممثلة كوميدية خشبة المسرح. فهم أيضاً سيجدون أنفسهم صنفاً بائداً يختنق بالغبار فيما يقفز العالم إلى الأمام مخلّفاً إياه وراء.
© The Independent