تبين أن الأضواء الأكثر سطوعاً في الكون تلمع وتنطفئ نتيجة تقلبات في التدفقات العنيفة من الغازات المنبعثة من نجوم تخوض نهاية دورة حياتها.
وتوصلت إلى هذا الاكتشاف دراسة نشرت يوم الأربعاء في مجلة الفيزياء الفلكية "أستروفيزيكال جورنال ليترز" Astrophysical Journal Letters. وقد استخدم فيها فريق من علماء الفيزياء الفلكية في "جامعة نورث وسترن" في ولاية "إلينوي" نمذجة حاسوبية افتراضية كي يتوصلوا إلى فهم أفضل للنجوم المنهارة، وهو مصطلح يشير إلى عملية انهيار نجوم محتضرة مما يؤدي إلى تشكل ثقوب سود، إذ يعتقد أنه أثناء موت النجوم تتولد تدفقات من أشعة غاما (اختصاراً "جي آر بي" GRB)، علماً أنها ومضات من الضوء هائلة السطوع لكنها قصيرة الأمد، وقد حيرت العلماء طويلاً لأنها تلمع وتنطفئ بشكل متكرر أيضاً في سياق تلك العملية نفسها.
وفي الحقيقة توفر الدراسة الجديدة للعلماء فهماً أفضل عن الكيفية التي تتشكل بها الثقوب السود، والأسباب التي تؤدي إلى تكرر الومضات في تدفقات أشعة غاما، لكنها ربما تضطرهم أيضاً إلى مراجعة معلوماتهم في شأن مدى انتشار تدفقات أشعة غاما في الكون برمته.
واستطراداً، حينما ينفد الوقود من النجوم الضخمة جداً في نهاية دورة حياتها، وهو الذي يتكفل أثناء حياتها بالحفاظ على نيرانها النووية الحرارية، فإنها تنهار تحت وقع ثقلها كي تكوّن ثقباً أسوداً، وفي المقابل لا تختفي بضربة واحدة كل كتلة النجم المنهار في سياق تحوله ثقباً أسود. وبينما ينضغط الغاز النجمي ليشكل قرصاً دواراً في قلب النجم خلال تشكل الثقب الأسود، فإن ذلك يترافق مع توليد طاقات هائلة تتدفق إلى الخارج على هيئة انبثاقات حارة من الغاز والإشعاع.
أوري غوتليب، عالم في الفيزياء الفلكية في "جامعة نورث وسترن" وباحث في الدراسة، ذكر في تصريح له أن "تلك التدفقات من الغاز والإشعاع تعتبر الحوادث الأقوى التي يشهدها الكون. صحيح أن دراسات سابقة سعت إلى تبيان كيفية عمل تلك التدفقات، بيد أنها كانت مقيدة بالقدرات الحاسوبية واشتملت على افتراضات كثيرة، والآن نجحنا في وضع نموذج افتراضي للتطور الكامل الذي تمر به تلك الانبثاقات من الغاز والإشعاع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أظهر النموذج الذي أعده العلماء أن انبثاقات الغاز والإشعاع لا تولد تدفقات أشعة غاما إلا حينما تخترق ما تبقى من النجم وتندفع نحو الفضاء.
وبحسب غوتليب، "إن انبثاقات الغاز والإشعاع تولد تدفقات أشعة غاما حينما يصل حجمها [الانبثاقات] إلى حوالى 30 ضعف حجم النجم المنهار، وهو ما يوازي مليون مرة حجم ثقب أسود، وبعبارة أخرى إذا كان ذلك الثقب الأسود بحجم كرة الشاطئ فلا بد من أن يتمدد ما ينبثق من الغاز والإشعاع [اللذين يخرجان من النجم المنهار] على كامل مساحة فرنسا قبل أن ينتج دفقة من أشعة غاما".
كذلك أظهر النموذج أنه بينما تشق انبثاقات الغاز والإشعاع طريقها في الفضاء يقع مزيد من المكونات النجمية على القرص الدوار من الغاز الممغنط الذي يسقط في الثقب الأسود [الآخذ في التشكل بفعل انهيار نجم محتضر]، ويتسبب ذلك في تأرجح القرص مما يدفعه وتدفقات الغاز إلى التمايل.
إذاً، ليس الأمر أن تدفقات أشعة غاما تنطفئ ثم تلتمع بشدة، بل اتضح أنها في الحقيقة تتأرجح بالنسبة إلى من يراقبها بفعل تمايل قرص الغاز والإشعاع داخل ثقب أسود.
في المقابل، إن ذلك الأمر [الفهم الجديد لسبب ومضات وانطفاءات أشعة غاما الكونية] يؤثر في مجمل الفهم السائد لتدفقات أشعة غاما، ففي أوقات سابقة نُظر إلى تلك التدفقات القصيرة الأمد بوصفها أموراً نادرة، ذلك أن واحداً في المئة من الانهيارات النجمية تنتج منه تدفقات أشعة غاما.
في المقابل، قد يؤدي الفهم الجديد المستند إلى الطبيعة المتمايلة لتلك التدفقات [بمعنى أنها تنجم عن تمايل فعلي يحدث داخل الثقوب السود] إلى تسجيل أعداد أكثر من تدفقات أشعة غاما، وبالتالي خلص الباحثون إلى أن ما يُرصد من أعداد تلك التدفقات يجب يكون قد فاق عددها الفعلي بحوالى 10 أضعاف.
وفي شرح عن ذلك ذكر غوتليب أن [الفهم الجديد عن] التمايل [الذي يحدث للأقراص الغاز والإشعاع أثناء تشكل الثقوب السود] يزيد عدد تدفقات أشعة غاما القابلة للرصد، من ثم فإن تصحيح المعدل المرصود لتدفقات أشعة غاما [بموجب الفهم الجديد عنه] سيتجه لأن يكون أقل. إذا صرنا لا نُفوت إلا عدداً قليلاً من تدفقات أشعة غاما، فإن ذلك يعني أن السماء عموماً تضم عدداً أقل من تدفقات أشعة غاما" [يعني ذلك خطأ الاعتقاد بأن تدفقات أشعة غاما كثيرة لكن العلماء لا يرصدونها كلها، مع الفهم الجديد للربط بين التقلب في ومضات تلك الأشعة والتمايل الأصيل الذي يحدث فعلياً داخل الثقوب السود، يكون أن ما يشاهده العلماء من تلك التدفقات يشكل كل أو معظم مرات حدوث تلك الظواهر الفلكية].
واستطراداً، تساعد معرفة هذه الحقيقة العلماء في التوصل إلى فهم أفضل للحظات الأخيرة من حياة النجوم الضخمة وكيف تتشكل منها ثقوب سود، ذلك أن أحد الأسباب التي تفسر ندرة تدفقات أشعة غاما أن انبثاقات الغاز والأشعة المتولدة في معظم الانهيارات النجمية لا تخترق الكتلة المتبقية من النجم.
وكخلاصة، أشار غوتليب إلى أنه "عبر دراسة تدفقات الغاز والأشعة نجحنا في رؤية حوادث تدور في أعماق النجم أثناء انهياره، وفيما عدا ذلك يبدو عسيراً معرفة الحوادث التي يشهدها النجم المنهار لأنه يتعذر على الضوء الهرب من باطن النجم. وفي المقابل، يسعنا التعلم من انبثاقات الغاز والأشعة [أثناء خروجها من نجم منهار]".
نشر في "اندبندنت بتاريخ 01 يوليو 2022
© The Independent