شن الدولار الأميركي غارة جديدة على الجنيه المصري بعد هدنة لم تدم أكثر من أسبوعين، بعد تثبيت البنك المركزي المصري أسعار الفائدة في الاجتماع الثالث له خلال العام الحالي 2022 عقب ضخ مليارات من الودائع والاستثمارات الخليجية بالعملة الخضراء في خزائن البنك المركزي، ليواصل الدولار افتراس الجنيه مسجلاً أعلى مستوى منذ خمس سنوات بعدما اقترب سعر صرفه بالبنوك المصرية إلى حدود الـ 18.90 جنيه مقترباً من أعلى مستوى له في تاريخه خلال يناير (كانون الثاني) 2017 عندما وصل إلى 18.91 جنيه.
25 في المئة تراجع في قيمة الجنيه
العملة المصرية خسرت أكثر من 25 في المئة من قيمتها منذ الـ 21 من مارس (آذار) الماضي بعد أن سجلت أدنى مستوى لها اليوم الثلاثاء، الخامس من يوليو (تموز) عندما تراجعت مقابل نظيرتها الخضراء إلى 18.89 جنيه. وأظهرت بيانات "رفينيتيف" أن الجنيه المصري بلغ مستوى 18.89 جنيه مقابل الدولار في أدنى مستوى منذ الـ 24 من يناير 2017 عندما سجل 18.91 جنيه للدولار وفقاً لـ "رويترز".
وكان الجنيه المصري تماسك أمام الدولار نحو أسبوعين بعدما أبقت لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري في الـ 23 من يونيو (حزيران) الماضي على معدلات أسعار الفائدة عند 11.25 و12.25 و11.75 في المئة، على أسعار عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي على الترتيب بعد رفع بمقدار 300 نقطة أساس ما يعادل الثلاثة في المئة منذ بداية العام حتى مايو (أيار) الماضي.
وخفض البنك المركزي المصري قيمة الجنيه في مارس الماضي بأكثر من 15 في المئة ليصل إلى 18.30 جنيه هبوطاً من 15.65 جنيه للدولار واستمر الجنيه في النزول حتى وصل إلى مستويات قرب الـ 18.70 جنيه للدولار حتى الأسبوع الماضي ليرتفع اليوم الثلاثاء في البنوك المحلية، خصوصاً المملوكة للدولة ليصل في بنكي الأهلي المصري ومصر إلى مستويات 18.89 جنيه دولار لسعر البيع، بينما سجل مستويات 18.83 جنيه لسعر الشراء.
وأرجع متخصصون لـ "اندبندنت عربية" التحركات الأخيرة لسعر صرف العملة الخضراء في مقابل العملة المحلية إلى أسباب عدة، بينها ارتفاع فاتورة الاستيراد المصري أخيراً خصوصاً القمح إلى جانب بدء موسم الحج، إضافة إلى ارتفاع معدلات السفر خارج البلاد وأخيراً سداد القاهرة لديونها الخارجية.
سداد أقساط الديون
من جانبه، قالت نائب رئيس بنك مصر السابق سهر الدماطي، "من المؤكد أن الضغط زاد على العملة الخضراء في الأيام الأخيرة بسبب سداد أقساط الديون المصرية الخارجية وبدء موسم الحج وارتفاع معدلات السفر إلى خارج البلاد"، وفسرت فترة الهدوء النسبي بين العملتين خلال الأسبوعين الماضيين مؤكدة أنه "بعد ضخ مليارات الدولارات من الودائع والاستثمارات من دول الخليج الصديقة انتعشت خزائن البنك المركزي بعد أن تخففت من الضغوط". وأضافت أن "سداد أقساط الديون الخارجية على القاهرة يتم جدولتها في يونيو (حزيران) وديسمبر (كانون الأول) من كل عام".
وتابعت "أعتقد أن الحكومة المصرية سددت حزمة من الأقساط خلال الشهر الماضي وهذا سبب قوي يفسر عودة الضغط على العملة الخضراء ليرتفع سعرها في مقابل نظيرتها المصرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال النصف الأخير من مارس الماضي تدفق أكثر من 20 مليار دولار داخل خزائن البنك المركزي المصري وتنوعت بين ودائع واستثمارات من السعودية والإمارات وقطر.
وفي يونيو الماضي أعلن البنك المركزي المصري سداد نحو 24 مليار دولار من أقساط الديون خلال النصف الأول من العام الحالي 2022 وارتفعت ديون مصر الخارجية من 82.88 مليار دولار في نهاية 2017 إلى 145 مليار دولار خلال ديسمبر (كانون الأول) 2021.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي، سددت مصر خلال العام المالي 2016 - 2017 ديوناً إجمالية بقيمة 7.3 مليار دولار، منها 6.1 مليار دولار أقساطاً، و1.2 مليار دولار فوائد وفي العام المالي 2017 - 2018، سددت البلاد 13.2 مليار دولار منها 11.08 مليار دولار أقساطاً و2.1 مليار دولار فوائد. بينما دفعت خلال العام المالي 2018 – 2019 حوالى 13.4 مليار دولار، منها 10.2 مليار دولار أقساطاً، و3.2 مليار دولار فوائد، وسددت فوائد ديون وأقساط ديون بلغت 25.2 مليار دولار خلال الفترة من يوليو (تموز) 2020 وحتى سبتمبر (أيلول) 2021، منها 19.93 مليار دولار أقساطاً و5.35 مليار دولار فوائد.
وقال وزير المالية المصري محمد معيط في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، إن "فاتورة الاستيراد الخاصة بمصر ارتفعت بعد الحرب الروسية الأوكرانية ووصلت لـ 9.5 مليار دولار في الشهر من خمسة مليارات دولار شهرياً قبلها".
القاهرة تعقد أكبر صفقة لشراء القمح
وتعاقدت القاهرة الأسبوع الماضي على شراء أكبر صفقة قمح منذ 10 سنوات عبر مناقصة تعد الأكبر في تاريخها، مستغلة انخفاض أسعار القمح خلال الفترة الأخيرة عالمياً.
ووفقاً لبيانات "بلومبيرغ" اشترت الهيئة العامة للسلع التموينية الحكومية 815 ألف طن يوم الـ 29 من يونيو الماضي في أكبر عملية شراء واحدة منذ 2012 على الأقل.
من جانبه، قال المحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة هاني جنينة إن "سعر صرف الدولار سيواصل الزحف البطيء حتى يصل إلى الوزن والقيمة الحقيقية للجنيه المصري في مقابل العملة الخضراء"، موضحاً أن "أحد شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي التي بدأت القاهرة مفاوضات معه للحصول على تمويل جديد هو أن تطلق الحكومة المصرية الجنيه في مقابل العملات الأجنبية".
مفاوضات القاهرة مع صندوق النقد الدولي
وتابع أن "الصندوق يرغب في رؤية العملة المصرية في مقابل العملات الأخرى بقيمتها الحقيقة من دون إدارة بأدوات السياسة النقدية أو ما يعرف التعويم المدار وهو تعويم للعملة، ولكن تركها للتحرك في نطاق سعري محدد لا تتخطاه صعوداً أو هبوطاً"، معتبراً أن "ما يحدث الآن هو تنفيذ لشروط الصندوق"، مستدركاً "لكن قرار الخفض كان تدريجياً حتى لا تحدث أزمة أو هلع بين المصريين"، مشيراً إلى أن "الخفض الأول كان قبل ثلاثة أشهر عقب قرار رفع أسعار الفائدة بنسبة واحد في المئة، بينما ما يحدث الآن وهو خفض بصورة تدريجية حتى يعتاد مجتمع الأعمال في مصر على الوضع الجديد".
وكان صندوق النقد الدولي أعلن في مارس الماضي أن القاهرة طلبت دعماً لتنفيذ برنامجها الاقتصادي الشامل بعد أن حصلت على 12 مليار دولار من الصندوق في 2016 لتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي، ثم حصلت في عام الجائحة على قرض سريع بسبب تداعيات أزمة كورونا بقيمة 2.77 مليار دولار، ثم قرض آخر ضمن برنامج الاستعداد الائتماني بقيمة 5.2 مليار دولار.
النزف لن يتوقف إلا بالاستثمارات وارتفاع الصادرات
وحول إيقاف نزف الجنيه المصري في مقابل الدولار، أكد المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلي هاني توفيق أنه "لا سبيل لوقف هذا النزف سوى الاستثمار الأجنبي المباشر الحقيقي على الأرض الذي يخلق تنمية حقيقية ومعدلات نمو وفرص عمل جديدة"، وتابع أن "الحكومة المصرية عليها استغلال الفرص المتاحة بعد الإعلان عن وثيقة ملكية الدولة لدعم القطاع الخاص بكل ما تملك من قوة حتى تكون قوة تصديرية هائلة لتكون مصدراً للعملات الأجنبية الصعبة وتدعم موقف الجنيه الضعيف في مقابل العملات الأخرى وخصوصاً الدولار".