اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد (المنتخب لفترة انتقالية) باريس لأول زيارة رسمية يقوم بها، حيث تباحث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عدد من القضايا الإقليمية والدولية، بينها الاتفاق النووي الإيراني، وترسيم الحدود البحرية مع لبنان واتفاقيات أبراهام، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا.
وكالعادة اتسمت تصريحات ماكرون بالدبلوماسية، فيما استغل لبيد الفرصة لتوجيه التهديدات إلى "حزب الله" التي أفادت بأن إسرائيل لا يمكن أن تبقى جامدة حيال مسيرات "حزب الله" التي استهدفت حقل كاريش، المتنازع عليه مع لبنان، واعتبر أن الحزب يشكل تهديداً على مستقبل لبنان، وأشار إلى التهديد الذي تشكله إيران على السلام.
لبيد وجه اتهامات أيضاً إلى إيران، وطالب الرئيس الفرنسي بوضع حدود أكثر صرامة في ما يتعلق بالاتفاق النووي، معتبراً أن طهران تكذب وتخفي الحقائق على المجتمع الدولي في ما يتعلق ببرنامجها النووي.
زيارة لبيد إلى باريس مناسبة حاول من خلالها تسجيل نقاط تدعم موقعه في الداخل، ويسجل خلالها نجاحاً يحتسب له قبل الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، كما أنها تأتي قبل موعد إقليمي مهم، فهي كما وصفها أحد المحللين "زيارة تدريبية قبل لقائه جو بايدن، الذي سيزور إسرائيل في الثامن من الشهر الحالي. كما أنها تسبق قمة مشاورات النووي الإيراني". وشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي على عدم جدوى الاتفاق النووي مع إيران، في حين تسعى أوروبا لإنقاذه.
وأشار ماكرون في صيغة عبر فيها عن أمله في أن تستجيب طهران بالقول "إيران ترفض اغتنام الفرصة المعروضة عليها للتوصل إلى اتفاق جيد، سنواصل بالتعاون الوثيق مع شركائنا، بذل كل الجهود لإعادتها إلى المنطق". بهذا التصريح أشار الرئيس الفرنسي إلى أنها لا تزال أمام طهران فرصة يمكن الاستفادة منها.
لكن إيران التي تعمل على كسب الوقت تستفيد من معطيات استراتيجية جديدة بحكم الحرب في أوكرانيا، حيث أعادت طرح شروط كانت تخلت عنها في السابق، خلال مباحثات فيينا التي استقبلتها الدوحة أخيراً، واللاعب الروسي ليس بعيداً عما جرى. يذكر في هذا السياق زيارة لافروف الأخيرة التي لوحت بمزيد من الصلاحيات في سوريا، بالتالي في لبنان.
إسرائيل التي تدعو لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران، ترى أن الأمور تسير باتجاه مصلحة الأخيرة. وكرر لبيد أن الاتفاق النووي مع إيران، لا يؤتي ثماره، واصفاً إياه "بغير الفعال"، وتواصل مساعيها في إقناع الغرب بعدم تجديد الاتفاق مقابل رفع العقوبات.
تباين الآراء حول الاتفاق النووي مع طهران
ماكرون حاول طمأنة ضيفه في هذا السياق بالقول، "الاتفاق النووي لا يكفي لاستيعاب النشاطات التي تمارسها إيران وتزعزع الاستقرار. يجب الدفاع عن هذا الاتفاق، والأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمنية لأصدقائنا، إسرائيل في الدرجة الأولى، واستكماله بمفاوضات أكثر صلابة حول النشاطات الباليستية". وتطرق الرئيس الفرنسي إلى إعادة إحياء مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطيني بما يضمن أمن تل أبيب وطموحات الشعب الفلسطيني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لبنان وإنقاذ المفاوضات البحرية
في ما يتعلق بلبنان ندد ماكرون بدور إيران التي "وسعت مناطق نفوذها في لبنان واليمن عبر ميليشيات محلية". بينما شدد رئيس الحكومة الإسرائيلي على ضرورة الرد على التهديد الذي تجسده إيران في الشرق الأوسط، بالقول إنه "ليس من الممكن استمرار الوضع الحالي، لأن ذلك سيؤدي إلى سباق التسلح في الشرق الأوسط ما يشكل تهديداً للسلام العالمي. فبالنسبة له يمكن استخدام قوة الحرب لحماية السلام".
كما تخشى تل أبيب في حال رفع العقوبات عن إيران في أن يساعدها ذلك برفع قدراتها المادية ما يمكنها من مضاعفة مساعداتها لحلفائها على الحدود الإسرائيلية.
لقاء لبيد وماكرون يأتي قبل الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي إلى المنطقة وفي أجواء تتجدد فيها التحالفات، فتأكيد قمم الـ"7"، و"20"، و"الناتو"، الأسبوع الماضي شددت كلها على ضرورة توحيد الصف حيال روسيا، وزيادة التسلح وتوسيع الحلف، علاوة على البحث عن بديل للغاز الروسي. يقابلها إعادة توزيع في المنطقة، فاتفاقات أبراهام، التي شهدت علاقات سلام بين إسرائيل وبين عدد من الدولة العربية (الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب وقطر)، جاءت حسب تحليل هوبير فيدرين، وزير الخارجية الفرنسي السابق، "من موقع الخوف من طهران".
وفي ما يتعلق باتفاقات أبراهام، أشار الرئيس الفرنسي إلى أن "السلام بين إسرائيل والدول العربية يرسي الاستقرار في المنطقة وأقدم دعمي كاملاً لهذه العملية"، مضيفاً "من الضروري توسيع هذه الدينامية وأتمنى أن تتمكن فرنسا من مواكبتها".
رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب من ماكرون التدخل لأجل إنقاذ المفاوضات حول حقول الغاز مع لبنان، فيما شدد الأخير على مصلحة البلدين بالتوصل إلى اتفاق يسمح باستغلال الطاقة لمصلحة الشعبين. وتعليقاً على المسيرات التي أطلقها "حزب الله" فوق حقل كاريش، أشار لبيد أن "على لبنان السيطرة على (حزب الله) وإلا سنضطر لذلك".
بين لغة الدبلوماسية التي تتقنها باريس، ولغة التهديد التي لا تستغني عنها إسرائيل تبقى الأفق مفتوحة على كافة الاحتمالات. كون المعطيات تتيح سيناريوهات متعددة، دول الخليج لا تشعر بأنها مضطرة لتقديم التنازلات، وإيران كعادتها تجيد المماطلة واللعب على كسب الوقت، أما روسيا الغارقة في حربها مع أوكرانيا لن تتخذ خطوات تزعج إسرائيل، ولكنها في الوقت ذاته أعطت الحرية لطهران في سوريا بينما لبنان غارق في البحث عن الذات.