شهدت تونس نسقاً تصاعدياً في التضخم وصل إلى مستويات تاريخية بنسبة 8.1 في المئة خلال يونيو (حزيران)، وطال السلع بأنواعها ارتفاع بالأسعار، خصوصاً المواد الغذائية لتتجاوز 20 في المئة في البعض منها.
كما لم تشذ الخدمات والمواد المصنعة والطاقة بعيداً من ذلك الارتفاع، مسجلة زيادات تراوحت بين 7 و11 في المئة، مما أثر على مؤشرات أسعار الاستهلاك العائلي، وسط تخوفات من أزمات اجتماعية بفعل التراكمات، التي تشهدها الأزمة الاقتصادية.
وكان البنك المركزي التونسي رفع نسبة الفائدة العامة في 18 مايو (أيار) 2022. وقال، إنه يهدف من خلال هذا الإجراء إلى التصدي للضغوط التضخمية، التي تلوح في أفق التوقعات وإلى تجنب أي انزلاق للتضخم، وأي تفاقم لعجز القطاع الخارجي.
نسق تصاعدي
وتواصل النسق التصاعدي لنسبة التضخم في يونيو لتصل إلى مستوى 8.1 في المئة بعد أن كانت في حدود 7.8 في المئة خلال مايو، و7.5 في المئة خلال أبريل (نيسان)، و7.2 في المئة في مارس (آذار).
ويعود الارتفاع إلى تسارع نسق الزيادة في أسعار الأغذية والمشروبات من 8.2 في المئة خلال مايو إلى 9.5 في المئة في يونيو، وأسعار الأثاث والـتجـهـيزات والخدمات المنزلية من 8.4 في المئة في مايو إلى 9.7 في المئة خلال يونيو، وأسعار خدمات الترفيه والثقافة من 5.5 في المئة في مايو إلى 6.3 في المئة خلال يونيو.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية باحتساب الانزلاق السنوي بنسبة 9.5 في المئة، ويعود ذلك في الأساس إلى ارتفاع أسعار البيض بنسبة 20.8 في المئة، وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 20.2 في المئة، وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 15.6 في المئة، وأسعار لحم الضأن بنسبة 10.5، في المئة، وأسعار مشتقات الحبوب بنسبة 10.3 في المئة.
بينما شهدت أسعار المواد المصنعة ارتفاعاً بنسبة 9.7 في المئة باحتساب الانزلاق السنوي، بسبب الزيادة في أسعار مواد البناء بنسبة 10.4 في المئة، وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 9.8 في المئة، وأسعار مواد التنظيف بنسبة 7 في المئة، كما شهدت أسعار الخدمات ارتفاعاً بنسبة 5.4 في المئة، ويعزى ذلك في الأساس إلى ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 7 في المئة، وأسعار خدمات الإيجارات بنسبة 4.6 في المئة.
التضخم الضمني
وسجل التضخم الضمني، أي التضخم من دون احتساب الطاقة والتغذية، تراجعاً ليصبح في حدود 7.2 في المئة، بعد أن كانت النسبة 7.4 في المئة خلال مايو 2022.
وعرفت أسعار المواد الحرة ارتفاعاً بنسبة 8.5 في المئة، مقابل 6.8 في المئة بالنسبة للمواد المؤطرة. علماً بأن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 11.4 في المئة، مقابل 0.2 في المئة بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة.
وارتفعت الأسعار عند الاستهلاك بنسبة 0.7 في المئة خلال يونيو 2022 بعد أن كانت 0.9 في المئة في مايو، و1.4 في أبريل. ويعود هذا التطور بالأساس إلى الارتفاع المسجل في أسعار مجموعة المواد الغذائية بنسبة 0.5 في المئة وأسعار الأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية بنسبة 1.7 في المئة وأسعار خدمات الترفيه والثقافة بنسبة 1.1 في المئة، وأسعار الملابس بنسبة 1.8 في المئة.
وشهد مؤشر أسعار مواد التغذية والمشروبات ارتفاعاً بنسبة 0.5 في المئة، مقارنة بالشهر الماضي. ويرجع ذلك إلى الارتفاع المسجل في أسعار الخضر بنسبة 2.9 في المئة، ولحم الضأن بنسبة 1.5 في المئة، والزيوت الغذائية بنسبة 1.5 في المئة، ومشتقات الحبوب بنسبة 1.1 في المئة. في المقابل تراجعت أسعار البيض بنسبة 8.2 في المئة.
في حين عرف مؤشر أسعار الأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية ارتفاعاً بنسبة 1.7 في المئة، مقارنة بشهر مايو. ويعود ذلك إلى الارتفاع المسجل في أسعار مواد صيانة المنزل بنسبة 2.1 في المئة، وأسعار التجهيزات الكهرومنزلية بنسبة 1.7 في المئة، وأسعار الأثاث والمفروشات الأرضية بنسبة 1.2 في المئة.
كما سجلت زيادة في أسعار خدمات الترفيه والثقافة بنسبة 1.1 في المئة، بسبب ارتفاع أسعار الخدمات الترفيهية والثقافية بنسبة 2.6 في المئة، وأسعار الصحف والمجلات والكتب الثقافية بنسبة 1.6 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التعديلات على الأسعار المؤطرة
وكان البنك المركزي التونسي قد أرجع ارتفاع نسبة التضخم للارتفاع السريع والمعمم في جميع أنحاء العالم بسبب تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية، وأشار البنك إلى تصاعد الأسعار الدولية للمواد الأساسية بسبب الاضطرابات المستمرة على مستوى سلاسل التزويد، حيث زادت حدتها ما أدى إلى تأجيج الضغوط التضخمية على مستوى سلسلة الأسعار بأكملها. وتوقع لهذه الضغوط أن تكتسي طابعاً أكثر استدامة من المتوقع.
ورأى البنك أن القطاع الصناعي أسهم بقدر مهم في انتعاشة حجم الصادرات التي تزايدت بـ14 في المئة بحساب الانزلاق السنوي. ومن المنتظر أن يعزز تحسن الوضع الوبائي ورفع القيود الصحية انتعاشة الخدمات، لا سيما تلك المرتبطة بالقطاع السياحي، لكنه لاحظ تواصل تسارع التضخم إلى أعلى مستوى يتم تسجيله منذ سنة 2018، معتبراً أن انتقال الضغوط التضخمية المتأتية من الخارج إلى الأسعار المحلية من جهة، وتداعيات التعديلات المنتظرة على الأسعار المؤطرة في إطار إصلاح منظومة الدعم، من جهة أخرى، من شأنها الإبقاء على التضخم في مستويات عالية تاريخية، سواء خلال 2022 و2023.
وأعرب البنك المركزي عن عميق انشغاله إزاء المخاطر التصاعدية التي تحيط بآفاق تطور التضخم، داعياً إلى تنسيق السياسات الاقتصادية لتجنب أي انزلاق تضخمي قد يعوق انتعاشة النشاط الاقتصادي.
مخاطر أعلى
الخبير الاقتصادي الصادق جبنون رأى أن التضخم بتونس لا يخرج عن السياق العالمي الحالي، والدخول في مرحلة انكماش لا أفق لها بسبب الحرب الأوكرانية، وقال إن تونس اعتمدت على الآلية الوحيدة المقاومة للتضخم، وهي الرفع في الفائدة العامة، إذ استعمل البنك المركزي التونسي التقنيات المتوفرة لديه لمجابهة التصاعد التضخمي، وفي حال عدم تنفيذه لذلك كان بالإمكان مجابهة مخاطر تضخمية أعلى، وأضاف أن من "أهم عوامل الانزلاق التضخمي في العالم وتونس، على حد السواء، الارتفاع الجنوني في أسعار البترول، وهو مرشح للزيادة في حال تخفيض روسيا لحجم إنتاجها"، وأشار إلى أن "من عوائق الاقتصاد التونسي وعدم قدرته على المقاومة المشكلات الهيكلية التي يعانيها منذ سنة 2008 باعتماده على التوريد ثم تصدير الخدمات ومواد لها قيمة مضافة محدودة، ما عدا جزء ضئيل من الصناعات الميكانيكية والإلكترونية، ما دفع إلى اقتصاد غير مدر للأرباح، ودولة ذات دخل متوسط، وعملة ضعيفة في مجابهة واردات صناعية مكلفة".
ورأى جبنون أنه مع "الإشكالات الموجودة في الإمدادات بالسوق العالمية وندرة السلع والترقيم السيادي المتدني، تتعمق المشكلات الهيكلية، ويرتفع التضخم ليصل إلى 8.1 في المئة. ومن المتوقع في الوقت الراهن تدخل الحكومة لمراقبة الأسعار وتأطيرها لمساندة المقدرة الشرائية المتهالكة".
بدوره، قال المحلل الاقتصادي جمال بن جميع، إن الإشكاليات الكبرى، التي تعانيها الأسواق العالمية تتعلق بحجم العرض للسلع المضطرب ما أدى إلى اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار، لافتاً إلى أن تونس ليست بمنأى عن هذا، حيث تعاني هذا التضخم المستورد بحكم توريدها للمواد الأولية وجزء من الواردات الجاهزة، وقال بن جميع، إن "مستوى التضخم في تونس مرشح للارتفاع ليصل إلى 10 في المئة، فالسلع المصنعة معرضة لتضخم يصل إلى 9.7 في المئة، ما يهدد بضرب المقدرة الشرائية، وعدم قدرة الأجور على تغطية الاستهلاك، والانزلاق إلى تضخم أعلى بنقطتين مئويتين ونسب فائدة غير محتملة".
وعن الحلول التي ينتظر اعتمادها في تونس، لفت بن جميع إلى "محاولة الدولة السيطرة على مسالك توزيع السلع، والضغط على الوسطاء، بل التخفيض في حجمهم قبل نهاية السنة، للحد من انفلات الأسعار لدى السلع الحرة غير المؤطرة، بينما من غير المرجح السيطرة على أسعار الطاقة بسبب توريدها بالكامل".