خفضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني في تقرير لها منذ أربعة أيام، توقعاتها في شأن الديون السيادية لعدد من البلدان من "التحسن إلى الحياد"، وشملت القائمة تونس وبلداناً أخرى تواجه انعكاسات سلبية على اقتصادها بسبب الحرب الأوكرانية، بعد بوادر التعافي التي أظهرتها في الفترة التالية لإغلاق كورونا.
وتواجه تونس صعوبات مالية أدت إلى عجز في الموازنة قدره 9 مليارات دينار (3 مليارات دولار)، إضافة إلى حاجات لتعبئة موارد خارجية قدرها 10 مليارات دينار (3.33 مليار دولار) لخدمة الدين في السنة الحالية، ولم تُسدّ هذه الثغرات إلى حد اليوم، لكن لم تتخلف تونس عن تسديد ديونها الخارجية والداخلية.
واختلف خبراء تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، بين مَن رأى أن الوضعية المالية الصعبة متواصلة على المدى المتوسط، حتى في حال توقيع تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي بسبب أزمة السيولة في السوق العالمية والإقبال المفرط على الاقتراض من قبل جميع البلدان، وصعوبة الاقتراض بفوائد معقولة، ومَن اعتبر أن تونس بعيدة من مخاطر التخلف عن تسديد ديونها في السنة الحالية والمقبلة على الأقل.
قائمة الـ17 بلد
واعتبرت وكالة "فيتش رايتنغ" خلال مراجعتها لتوقعات القطاع السيادي تأثراً بالحرب في أوكرانيا، أن المواجهة المسلحة الدائرة والعقوبات المترتبة عليها، أججت مشكلات على مستوى التجارة الخارجية ونسب النمو الاقتصادي وتدفق رؤوس الأموال والتضخم المالي في العالم. ورجّحت أن تمتد تأثيرات هذه الحرب إلى العام المقبل، من دون أن تتمكن الحكومات من حلها مع نهاية 2022.
وقدمت الوكالة في تقرير، قائمة من البلدان المرشحة وفق تقديراتها لعدم القدرة على سداد ديونها، إضافة إلى البلدان المتخلفة عن سدادها. وقالت إن البلدان المرجح تعثرها هي التي تشير عائدات سنداتها في الأسواق المالية إلى حدوث ذلك، وهي 17 بلداً، ومن بينها تونس التي تحافظ على تصنيف ccc"".
في المقابل، رأت "فيتش رايتنغ" أن في الوقت ذاته، سيستفيد مصدرو السلع الأساسية من ارتفاع الأسعار في السوق العالمية جراء الحرب، والثابت أن أولئك الذين يتعيّن عليهم استيراد الجزء الأكبر من المواد الطاقية أو الأغذية سيعانون من صعود الأسعار. وخفضت توقعاتها في شأن تلك الديون من مستوى "التحسن" إلى "الحياد"، بعد أن فقدت هذه البلدان المسار التصاعدي للنمو الذي حققته في الفترة التالية للأزمة الصحية.
التزام وصعوبات
وعجزت تونس عن الخروج إلى السوق العالمية للاقتراض لثلاثة أعوام متتالية بسبب تفاقم مستوى الدين الذي بلغ 105.7 مليار دينار (35.2 مليار دولار) والمخاطر المحيطة وارتفاع نسبة الفائدة المفترضة، ما دفع الحكومات المتعاقبة إلى الاقتراض من السوق الداخلية، في حين ووجه إقبال البنوك المحلية على السندات التي تصدرها الخزانة بانتقادات بسبب تأثيرها العكسي في تمويل الاستثمار والمؤسسات الصغرى والمتوسطة التي ترزح تحت صعوبات مالية جمة بسبب الأزمة الصحية والاقتصادية الخانقة.
لكن في الوقت ذاته، يمثل اللجوء إلى السوق المالية المحلية للاقتراض حلاً للحكومة على المدى القصير في مواجهة الاستحقاقات، بخاصة خدمة الدين منها، في انتظار توقيع اتفاقية تمويل جديد من صندوق النقد الدولي الذي وصل وفد منه إلى تونس في 4 يوليو (تموز) لاستئناف المفاوضات في هذا الصدد.
وتسعى تونس إلى الحصول على 4 مليارات دولار لسد عجز الموازنة والخروج إلى السوق المالية العالمية للاقتراض. وقال سمير سعيد، وزير الاقتصاد والتخطيط إن "تونس ملتزمة سداد ديونها ومن بينها الديون في السوق الداخلية"، مشيراً إلى أن المفاوضات مع صندوق النقد تهدف إلى توفير الدعم الذي طلبته من أجل مساعدتها في تطبيق الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد.
وقالت سهام البوغديري نمصية، وزيرة المالية لـ"اندبندنت عربية" إن تونس سددت إلى حدود شهر مايو (أيار) 2.6 مليار دينار (866 مليون دولار) بالنسبة إلى أصل الدين، مشيرة إلى أن الفائض المسجل في الموازنة بلغ 314 مليون دينار (1.46 مليون دولار) في هذه الفترة بسبب ترشيد النفقات وتحسين الاستخلاص بالنسبة إلى الجباية.
وتابعت "لكن في الأشهر المقبلة، نواجه بقية أصل الدين والفوائد التي سيتم سدادها خلال هذه السنة"، وتحدثت عن القرض الرقاعي الوطني، بحيث ينص قانون المالية على توفير 350 مليون دينار (116.6 مليون دولار) في كل ثلاثية أي 1.4 مليار دينار (466 مليون دولار) طوال عام 2022 من أجل حاجات تمويل للموازنة بقروض داخلية.
تسديد أقساط الديون
وتوقعت الحكومة التونسية انخفاض خدمة الدين متوسط وطويل المدى بنحو 3.8 في المئة خلال 2022، ما يعادل 560 مليون دينار (186.6 مليون دولار) وتقدر طوال العام بـ14.3 مليار دينار (4.76 مليار دولار) مقارنة بـ2021. وتبلغ القروض المحلية والخارجية التي تسددها تونس العام الحالي زهاء 13 قسطاً.
وتسجل خدمة الدين الداخلي تطوراً بنسبة 14.9 في المئة خلال عام 2022 مقارنة بالعام الماضي، وتتراجع نظيرتها للدين الخارجي بنسبة 21.2 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسدد تونس عام 2022 أصل الدين المتوسط وطويل المدى لنحو 8 قروض واكتتابات أساسية. وسددت في شهر أبريل (نيسان) 250 مليون دولار القسط الأخير من الاكتتاب القطري. ودفعت جزءاً من قرض حجمه 127 مليون دولار لفائدة صندوق النقد الدولي، موزعة على مايو (أيار) ويونيو (حزيران) وينتظر تسديد أقساط في سبتمبر (أيلول) وفي نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) 2022 .
وسددت تونس جزءاً من قرض للسعودية بقيمة 100 مليون دولار خلال شهر يناير (كانون الثاني) وينتظر دفع الجزء الثاني في شهر يوليو الحالي. وسددت جزءاً من قرض لصندوق النقد العربي قدره 78 مليون دولار موزعة بين أبريل وحزيران وينتظر تسديد البقية في تشرين الأول وكانون الأول 2022.
وكذلك سددت القرض الداخلي بالعملة بقيمة 300 مليون يورو (309 ملايين دولار) خلال مارس 2022 و145 مليون يورو (149.3 مليون دولار) خلال مايو 2022 و123 مليون يورو (126.7 مليون دولار) خلال يونيو 2022.
معضلة الخروج إلى السوق العالمية
من ناحية ثانية، رأى الباحث الاقتصادي عبد الجليل البدوي، أن "وضع تونس في قائمة البلدان غير القادرة على تسديد ديونها يندرج في إطار الضغط لقبول الإصلاحات، بالتوازي مع مفاوضات صندوق النقد التي انطلقت منذ يوم، وذلك بالنظر إلى تسديد الحكومة جميع الأقساط، لكن ذلك لا يمنع الصعوبات المرجحة في المستقبل"، معتبراً أن "الحصول على تمويل جديد من الصندوق، في أفضل الحالات، لن يقدم حلولاً جذرية لتونس".
وكشف محمد صالح سويلم، المدير العام السابق للسياسة النقدية في البنك المركزي أن منح تأمين المخاطر على السندات التونسية انخفضت تأثراً بصدور خبر استئناف المفاوضات، وانحدرت من 2400 نقطة إلى 1100 نقطة، في حين لا تنوي البلاد الخروج إلى السوق العالمية للاقتراض بسبب صعوبة الظرف، لكن في المقابل لم تتخلف عن سداد ديونها، ويبلغ احتياطي العملات 24.3 مليار دينار (8.1 مليار دولار).
وأشار سويلم إلى أن الجزء الأوفر من خدمة الدين في السنة الحالية يتكون من العملة المحلية، ما يخفض العبء على ميزان المدفوعات، بينما تكمن الصعوبات في استحقاقات عام 2024 وتتكون في الغالب من العملة الصعبة. وكشف أن حجم الديون الخارجية على الدولة التونسية بالعملات في شكل سندات بالسوق يساوي 5.5 مليار دولار حتى عام 2033، معتبراً أن تصنيف وكالة "فيتش رايتنغ" لتونس بقائمة البلدان المهددة بعدم القدرة على السداد، لن يكون مؤثراً في حال عدم الخروج إلى السوق العالمية للاقتراض بسبب نسبة الفوائد المرتفعة.