بوريس جونسون، بطل "بريكست"، كان يحلم بأن يدخل التاريخ كواحد من رؤساء حكومات بريطانيا الذين بقوا في السلطة لأطول مدة، لكنه تعثر بعد ثلاث سنوات مضطربة.
فالفضائح والأكاذيب أضرت بهذا السياسي غير النمطي، المتفائل أبداً، الذي منح المحافظين في عام 2019 أغلبية تاريخية في مجلس النواب ونفذ "بريكست" بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كرست نهايته مساء الثلاثاء الخامس من يوليو (تموز)، مع استقالة وزير المال ريشي سوناك ووزير الصحة ساجد جاويد بفارق دقائق، بعدما سئما من الفضائح المتكررة المرتبطة به. وحذا حذوهما نحو 50 من أعضاء الحكومة، ما حرم جونسون من المناورة، هو الذي أراد مواصلة مهمته "الضخمة" على رأس البلاد.
المسمار الأخير
في يونيو (حزيران)، تظهّرت خيبة أمل متزايدة لدى أعضاء البرلمان المحافظين الذين رفض 41 في المئة منهم منح جونسون الثقة. وبتفاؤله المعتاد أراد رئيس الوزراء البالغ 58 سنة، أن يرى في تصويت حجب الثقة "فرصة ... للمضي قدماً".
مع ذلك وعلى مدى أشهر، صورت استطلاعات الرأي والتعليقات قصة مختلفة. فمن فضيحة الحفلات في مقر رئاسة الحكومة داونينغ ستريت خلال الحجر الصحي للحد من تفشي فيروس كورونا وتوضيحات جونسون المتباينة، إلى تحقيق الشرطة الذي خلص إلى أنه انتهك القانون والتحقيق الإداري الذي يدين ثقافة التساهل في داونينغ ستريت، اهتزت ثقة البلاد برئيس الوزراء في سياق تضخم بلغ أعلى مستوياته منذ 40 عاماً وتوتر اجتماعي وارتفاع للضرائب.
وجاءت الفضيحة الأخيرة، وهي قضية نائب المسؤول عن الانضباط البرلماني لنواب حزب المحافظين، المتهم بالتحرش وكان جونسون يعرف ماضيه عندما عينه في فبراير (شباط)، لتدق المسمار الأخير في نعشه.
لا جدية
بوريس جونسون الذي كان "آلة" الفوز الهائلة خلال "بريكست" في عام 2019، أصبح ورقة خاسرة بالنسبة للمحافظين بعد انتكاسات عدة في الانتخابات الفرعية المحلية والتشريعية.
وقد تراجعت شعبيته من 66 في المئة من الآراء المؤيدة في أبريل (نيسان) 2020، إلى 23 في المئة في نهاية يونيو، حسب استطلاعات "يوغوف". ويريد بين 69 و72 في المئة من البريطانيين منه أن يستقيل، حسب استطلاعين أجريا خلال الأسبوع الجاري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن هذا اللاعب السياسي الذي يتمتع بثقة هائلة في النفس ولم يكن الكذب يمثل مشكلة بالنسبة له رفض ذلك بعناد لفترة طويلة، مدافعاً عن حصيلة أدائه من تراجع البطالة إلى أدنى مستوياتها إلى حملة التطعيم الفعالة ضد "كوفيد-19" ودعمه القوي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
ولكن في جميع الشؤون الداخلية، التضخم والهجرة والضرائب والإسكان والاقتصاد والصحة والنقل و"بريكست" والتعليم والجريمة والبيئة وغيرها، يرى معظم البريطانيين أن حكومته كانت تقوم بعمل سيئ، وفقاً لاستطلاع أجراه معهد "يوغوف" أخيراً.
ويأتي السقوط قاسياً بالنسبة للرجل الذي اتبع قبل أن يصبح نائباً في البرلمان في عام 2011، مسار النخبة البريطانية والتحق بكلية "إيتون" ثم بجامعة "أكسفورد".
وفي ذلك الوقت، اشتكى بعض المعلمين من نقص جديته وميله إلى اعتبار نفسه فوق القواعد. كما اتُهم بالاستخفاف والارتجال في إدارة أزمة "كوفيد-19" إلى أن أصيب هو نفسه بالمرض في أبريل بعد تفاخره بقيامه بمصافحة الناس في المستشفيات.
ألكسندر بوريس دي فيفيل جونسون المولود في نيويورك في 19 يونيو 1964، الذي أراد حسب شقيقته أن يصبح "ملك العالم" عندما كان طفلاً، نجح في تخطي مختلف الصعاب.
وجه بريكست
أمضى جونسون سنوات حياته الأولى في بروكسل، حيث عمل والده في الاتحاد الأوروبي، ثم التحق بمدرسة "إيتون" للنخبة في بريطانيا قبل دراسة الحضارات القديمة في جامعة "أكسفورد".
وعمل بعدها صحافياً في صحيفة "التايمز" التي فصلته بسبب فبركة تصريحات، وانتقل ليصبح مراسلاً في بروكسل لصحيفة "ديلي تلغراف" اليمينية من عام 1989 إلى 1994. وهناك، اشتُهر من خلال كتابة "خرافات أوروبية" عبر المبالغة في تصوير ما يحدث في الاتحاد الأوروبي.
وعُرف على المستوى الشعبي في التسعينيات لدى استضافته كخبير في برنامج تلفزيوني ساخر، حيث أسهمت فطنته وعدم تردده في انتقاد نقاط ضعفه في جعله شخصية وطنية عُرفت باسمه الأول "بوريس".
وانتُخب عضواً في البرلمان عام 2001. ولم تمر سنواته الأولى في السياسة بسلاسة، إذ أقيل في عام 2004 من منصب وزير الخزانة في حكومة الظل لدى المحافظين بسبب الكذب بشأن علاقة أقامها خارج إطار الزواج.
لكن في عام 2008، فاز في انتخابات رئيس بلدية لندن على مرشح حزب العمال وجعل من منصبه منصة حظي من خلالها بسمعة دولية بما حققه من نجاحات رمزية مثل تنظيم الألعاب الأولمبية، وبإخفاقاته مثل مشروع بناء جسر حديقة فوق نهر التايمز الذي كلف عشرات الملايين من الجنيهات من دون أن يتحقق.
وتتسم حياته الخاصة بعدم الاستقرار، فبعد زواجين وطلاقين وخمسة أبناء أحدهم على الأقل ولد خارج الزواج، يعيش حالياً مع شريكته كاري سيموندز خبيرة الاتصالات التي تصغره بـ24 عاماً وأنجبت منه ابناً اسمه ويلفريد في أبريل.
لقد سمحت له مكانته بتجاهل الفضائح التي كان يمكن أن تدمر كثيرين غيره.