اعتبرت موسكو، الجمعة الثامن من يوليو (تموز)، أن الدول الغربية "أخفقت" في فرض مقاطعة على روسيا خلال اجتماع مجموعة العشرين في إندونيسيا، في وقت تغيب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن اجتماعات عدة مع نظرائه في المجموعة بعد سيل من التصريحات الغربية المنددة بالحرب على أوكرانيا.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عبر "تلغرام"، إن "خطة مجموعة السبع لمقاطعة روسيا في مجموعة العشرين أخفقت. لم يدعم أحد الأنظمة الغربية".
وكانت الولايات المتحدة، مدعومة بجزء من حلفائها الغربيين، دعت إلى استبعاد روسيا عن المنتديات الدولية، لكن إندونيسيا التي تريد المحافظة على موقف محايد، أكدت بصفتها الدولة المضيفة للقمة، دعوتها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، كما دعت نظيره الأوكراني دميترو كوليبا الذي شارك عبر الإنترنت.
وهيمن الهجوم الروسي على أوكرانيا وتداعياته على الأمن الغذائي وإمدادات الطاقة على الاجتماع المغلق الذي استضافته جزيرة بالي الإندونيسية، وانتهى الاجتماع من دون بيان مشترك كما لم يتم الإعلان عن أي اتفاقات. وكان المنتدى أول لقاء مباشر بين روسيا وأشد منتقدي حربها.
وقالت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي في ختام الاجتماع، إن المشاركين "عبروا عن قلقهم العميق بشأن العواقب الإنسانية للحرب" في أوكرانيا.
كما خيم اغتيال رئيس الوزراء الياباني الأسبق شينزو آبي على الاجتماعات.
انتقادات غربية "مسعورة"
وسُلطت الأضواء بشدة على وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي صافح نظيرته الإندونيسية لدى وصوله وسط هتافات تقول "متى ستوقفون الحرب" و "لماذا لا توقفون الحرب".
وخرج لافروف من الجلسة الأولى ليوجه توبيخاً شديداً لنظرائه الغربيين الذين قال إنهم "ضلوا طريقهم بمجرد أن أخذوا الكلمة" عن موضوعات النقاش "ووجهوا انتقاداً مسعوراً للاتحاد الروسي".
وأضاف، "معتدون وغزاة ومحتلون... سمعنا الكثير من هذه الأوصاف اليوم".
وفي الجلسة التالية، قرأ لافروف بياناً ثم غادر من دون سماع الآخرين، وذلك حسب ما قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي وصف الانسحاب بأنه "لا ينم عن الاحترام".
وحضر لافروف الخميس حفل استقبال لم يحضره أي من وزراء مجموعة السبع.
انتقادات ألمانية
ونفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية أن يكون وزير الخارجية قاطع الاجتماعات، رافضةً اتهامات وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بأن موسكو ليس لديها أي "نية للحوار".
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية انتقدت موسكو معتبرةً أنها تعارض الحوار مع شركاء دوليين بعد أن قال دبلوماسيون إن لافروف غادر القاعة أثناء إلقائها كلمة خلال الاجتماع.
وقالت بيربوك للتلفزيون الألماني من مكان انعقاد الاجتماع في بالي، إن لافروف "غادر الجلسة الأولى من منتصفها" وتغيب عن جلسة ثانية "ما يظهر بشكل أوضح أنه غير مهتم بالتعاون الدولي أو الحوار مع الشركاء الآخرين في مجموعة الـ19".
عزل روسيا
وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا قالت بدورها لوكالة الصحافة الفرنسية، "كانت روسيا معزولة جداً إلى حد أن لافروف غادر المؤتمر ظهراً بعدما ألقى كلمته". وأضافت، "وجدت روسيا أنها معزولة، تم تحميلها المسؤولية، حتى من جانب دول كنا نعتقد أنها قد تقدم إليها دعماً".
وتابعت كولونا، "حتى الصين بدأت مداخلتها بالقول إن ميثاق الأمم المتحدة يجب أن يكون في صلب العلاقات الدولية"، معتبرةً أن الغربيين نجحوا في تشكيل جبهة موحدة في وجه روسيا. وأكدت أن "الحرب في أوكرانيا تطاول العالم أجمع بسبب السلوك الروسي".
دعوة لإنهاء الحرب
وفي افتتاح الاجتماع، دعت إندونيسيا، الدولة المضيفة لـ"قمة العشرين" هذه السنة، إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وقالت وزيرة خارجية إندونيسيا، "من مسؤوليتنا إنهاء الحرب في أسرع وقت وتسوية خلافاتنا على طاولة المفاوضات، وليس في ساحة المعركة". وأضافت أن تداعيات الحرب "تظهر في كل أرجاء العالم على صعيد الأغذية والطاقة والميزانيات. وكالعادة الدول الفقيرة والنامية هي الأكثر تضرراً".
ولم تدن مجموعة العشرين بالإجماع الهجوم الروسي، وقام "بعض الأعضاء" بذلك في مقدمهم الولايات المتحدة.
الحبوب الأوكرانية
وشكل الهجوم الروسي على أوكرانيا وانعكاساته العالمية على الاقتصاد والجغرافيا السياسية محور المناقشات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهد هذا الاجتماع أول لقاء بين لافروف ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، لكن المسؤولين لم يعقدا اجتماعاً ثنائياً.
وقال بلينكن للصحافيين، "ما سمعناه اليوم حتى الآن هو إجماع مهم من العالم بأسره وليس فقط الولايات المتحدة... من أجل وقف العدوان" الروسي.
وقال مسؤول أميركي لوكالة الصحافة الفرنسية، "لا يمكن أن نعتبر كأن شيئاً لم يكن في شأن مشاركة روسيا في اجتماع قمة العشرين".
ويعود آخر لقاء بين بلينكن ولافروف إلى فبراير (شباط) في جنيف، حيث حذر الوزير الأميركي روسيا، وقتذاك، من عواقب هائلة في حال هجومها على أوكرانيا، وهو ما فعلته في 24 فبراير.
"السماح بخروج الحبوب من أوكرانيا"
وقال مسؤول غربي إن وزير الخارجية الأميركي خاطب نظيره الروسي في محادثات مغلقة لـ "قمة العشرين" مطالباً موسكو السماح بشحن الحبوب من أوكرانيا.
وأضاف بلينكن للافروف بعدما رفض الاجتماع به على انفراد، "إلى زملائنا الروس، أوكرانيا ليست بلدكم وحبوبها ليست حبوبكم. لماذا تغلقون المرافئ؟ يجب أن تسمحوا بخروج الحبوب"، حسب الدبلوماسي الغربي الذي كان حاضراً.
وجاء ذلك بعدما التقى بلينكن ووزيرتا الخارجية الألمانية والفرنسية وممثلا بريطانيا لبحث الحرب "غير المبررة" على أوكرانيا، وفق ما أفادت الخارجية الأميركية. وبحث المسؤولون "سبل الاستجابة للمخاوف حول الأمن الغذائي العالمي الناتجة من استهداف روسيا المتعمد للزراعة الأوكرانية".
وقالت وزيرة الخارجية الإندونيسية إن لافروف وبلينكن تحدثا مباشرة مع بعضهما البعض أثناء وجودهما في غرفة الاجتماعات، ولم تفصح الوزيرة عما ناقشوه.
وقال لافروف للصحافيين في وقت لاحق إن روسيا مستعدة للتفاوض مع أوكرانيا وتركيا بشأن الحبوب، لكن لم يتضح بعد متى ستجرى مثل هذه المحادثات.
رد روسي
ورد لافروف مؤكداً أن بلاده "لن تجري خلف" واشنطن لإجراء محادثات.
واتهم الدول الغربية باستخدام منبر مجموعة العشرين لغرض غير كونها منتدى لبحث المشكلات العالمية الكبرى.
وقال لافروف، "شركاؤنا الغربيون كانوا يسعون لتفادي التطرق إلى المسائل الاقتصادية العالمية. وما إن كانوا يتولون الكلام، كانوا ينطلقون على الفور في نقد لاذع لروسيا حول الوضع في أوكرانيا بوصفنا معتدين".
لافروف يتغيب
وتغيب وزير الخارجية الروسي عن جلسة تحدث فيها نظيره الأوكراني عبر الإنترنت إلى وزراء خارجية "قمة العشرين" في إندونيسيا، كما ذكرت مصادر دبلوماسية لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال عدد من الدبلوماسيين طلبوا عدم كشف هوياتهم إن الوزير الروسي حضر الجلسات الصباحية في بالي لكنه لم يكن حاضراً عندما تحدث دميترو كوليبا في اجتماع بعد الظهر، هيمن عليه موضوع الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وطلب كوليبا من المشاركين في الاجتماع "أن يستذكروا وهم يستمعون إلى الأكاذيب الروسية، العائلات الـ344 التي خسرت أطفالها" في أوكرانيا. وتابع، "وزير الدولة المسؤولة عن مقتلهم هو اليوم أمامكم لمشاركة أفكاره حول رؤية روسيا للتعاون في عالمنا في زمن العولمة".
واتهم وزير الخارجية الأوكراني روسيا بممارسة "ألعاب التجويع" من خلال حصارها لموانئ أوكرانيا على البحر الأسود. وأضاف، "لا يحق لنا السماح لروسيا بممارسة المزيد من الابتزاز بحق العالم من خلال استغلال ارتفاع أسعار الطاقة والجوع والتهديدات الأمنية".
لا صورة جماعية
ويُمهّد هذا الاجتماع الوزاري لقمة للرؤساء والقادة في نوفمبر (تشرين الثاني) في بالي، كان من المقرر بالأساس أن تخصص لبحث سبل ضمان انتعاش الاقتصاد العالمي بعد صدمة وباء "كوفيد-19".
غير أن الهجوم الروسي على أوكرانيا تسبب بارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والطاقة وبدّل الأولويات وحمل الغربيين على تشكيل جبهة موحدة تنديداً بالحرب.
وأوضح مسؤول إندونيسي إنه لن يتم التقاط صورة جماعية إثر الاجتماع الذي شهد مناقشات متوترة.