نشرت "وول ستريت جورنال" فيديو يكشف عن شبكة سرية تستخدمها روسيا لسرقة إنتاج الحبوب في أوكرانيا الواقعة في قبضة غزو روسي منذ فبراير (شباط). وترد في الفيديو لقطات بالأقمار الاصطناعية لميناء سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا عام 2014، وتبين اللقطات المأخوذة أواخر مايو (أيار) طوابير من الشاحنات التي تفرغ حمولاتها من الحبوب الأوكرانية المسروقة في سفينة روسية راسية في الميناء.
ويقول جندي روسي قاد إحدى هذه الشاحنات وقتئذ بحسب الصحيفة الأميركية: "تركنا الشاحنات خارج الميناء. وأخذها سائقون آخرون أفرغوا القمح في السفينة. وجرت العملية كلها. كانت هناك سفينتان، سفينتان كبيرتان. لا أستطيع أن أقول أكثر". وفي الشهر نفسه، أضافت الصحيفة، أرسلت وزارة الخارجية الأميركية برقية إلى عدة بلدان تفيد بأن ثلاث سفن روسية– "ماتروس بوزنيتش"، و"ماتروس كوشكا"، و"ميخائيل نيناشيف"– يشتبه في نقلها حبوباً أوكرانية مسروقة.
وقال مصدر دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى اطلع على البرقية لـ"وول ستريت جورنال"، إن مسؤولين روساً نفوا الاتهامات، لكن الصحيفة علمت أن السفن الثلاث جزء من مسار لتهريب الحبوب المسروقة من أراض استولت عليها موسكو حديثاً في أوكرانيا عبر شبه جزيرة القرم وصولاً إلى بلدان متحالفة مع روسيا في الشرق الأوسط. وحللت الصحيفة منشورات على تطبيق "تلغرام" وصور التقطتها أقمار اصطناعية وبيانات تتعلق بتحركات السفن عموماً وراجعت وثائق وقابلت أشخاصاً مشاركين في التجارة غير المشروعة. وتبين أن مسار التهريب بطول ألف و500 كيلومتر وهو من ضمن شبكة بنتها روسيا سراً لتهريب مئات آلاف الأطنان من الحبوب الأوكرانية المسروقة.
ولفتت الصحيفة إلى أن روسيا تفعل ذلك بعد أن عرقلت صادرات أوكرانيا من الحبوب البالغة في الظروف العادية ما يصل إلى 70 مليون طن سنوياً ما يمثل جزءاً كبيراً من الإمدادات التي يحتاج إليها العالم، لا سيما بلدانه النامية. وأعلنت أوكرانيا قبل أسابيع من الآن أن تركيا حجزت سفينة روسية تحمل حبوباً أوكرانية مسروقة في حين تتكاثر الاتهامات بارتكاب روسيا جرائم حرب في جارتها وتتزايد المخاوف من أزمة عالمية في مجال الأغذية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق "وول ستريت جورنال"، يبدأ المسار الرئيس للتهريب في الجنوب الشرقي لأوكرانيا في المدينة المحتلة كاميانكا-دميبروفسكا حيث تقع واحدة من أكبر منشآت تخزين الحبوب في المنطقة. وعثرت الصحيفة على أدلة تفيد بأن عشرات الشاحنات التي تشغلها روسيا تنقل الحبوب من المنشأة منذ أوائل مايو. وقال الجندي الروسي، الذي أكد عدم رغبته في المشاركة في الحرب، إن كولونيلاً روسياً أمره في أواخر مايو بتحميل شحنة من الحبوب. وأضاف، "كانت شاحنتي من بين 15 شاحنة. جئنا في 21 أو 22 مايو. ونظم الكولونيل الشاحنات في طابور. أخذنا القمح وتحركنا بعيداً". وبحسب الصحيفة تبلغ حمولة كل شاحنة 10 أطنان إلى 50 طناً، وبينت صور حصلت عليها الصحيفة من المنشأة شاحنات ذات لوحات ترخيص مخفية وإشارة "Z" (الدالة على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا) على الزجاج الأمامي في حين جرت تغطية الحمولات.
وأكد السائق الذي تحدث إلى "وول ستريت جورنال" أنه والآخرين يومذاك قادوا شاحنات مماثلة. وعلى بعد أقل من 2 كيلومتر، صور أحد المقيمين شاحنات مماثلة ونشر الصور على "فيسبوك". وتبين صور التقطتها أقمار اصطناعية في 11 يونيو (حزيران) شاحنات مماثلة قرب أهراء الحبوب نفسه، في حين تظهر صور ملتقطة بعد بضعة أيام مزيداً من الشاحنات قرب الأهراء وفي موقف قريب للمركبات. وبحلول 30 يونيو، بلغ العدد 30 شاحنة.
وقال السائق نفسه للصحيفة: في 21 أو 22 مايو، "سمعنا على اللاسلكي أن علينا التوجه إلى سيفاستوبول. كانت الرحلة تستغرق ساعات كثيرة، لكن كان علينا الوصول في اليوم نفسه". ووجدت الصحيفة أيضاً أدلة على استيلاء الجيش الروسي على منشأة بارزة أخرى لتخزين الحبوب في المنطقة. وأظهر الفيديو رسالة من مسؤول روسي مؤرخة في مارس (آذار) يبلغ فيها إدارة المنشأة مصادرتها. وتفيد الشركة بأنها ظلت قادرة على تتبع شحنات حبوبها باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس)، مؤكدة أن المخزن نقل أيضاً إلى شبه جزيرة القرم.
وأشار فيديو "وول ستريت جورنال" إلى أن سائقي شاحنات الحبوب المسروقة جنود في الجيش الروسي، لكن بعضهم مدنيون روس يجري توظيفهم من خلال إعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي. ويبلغ الأجر، وفق أحد الإعلانات، ما يوازي 30 دولاراً لكل طن منقول من الحبوب المسروقة. ولم تعد أوكرانيا تستطيع تصدير حبوبها عبر شبه جزيرة القرم منذ ضمت روسيا المنطقة قبل ثماني سنوات تقريباً. وأظهرت صور التقطتها أقمار اصطناعية وحصلت عليها الصحيفة السفن الثلاث التي ذكرتها برقية وزارة الخارجية الأميركية تحمل الحبوب في ميناء سيفاستوبول خلال مايو. والسفن الثلاث سجلت قبل أشهر قليلة من بدء الحرب باسم شركة روسية تدعى "كراين مارين كونتراكتور".
ونقلت الصحيفة عن بيانات تحركات السفن أن السفن الثلاث توجهت إلى شرق البحر المتوسط وأقفلت الأجهزة التي تتيح تتبعها قبيل رسوها في الموانئ المقصودة. وبالنسبة إلى إحدى السفن، "ماتروس بوزنيتش"، كشفت صور التقطتها أقمار اصطناعية مكان تفريغ حمولتها في مايو: ميناء اللاذقية السوري. وقال وسطاء، إن الشحنة اشترتها مؤسسة يديرها النظام السوري المتحالف مع الكرملين. وتبين وثائق مماثلة رسو "ميخائيل نيناشيف" في تركيا بعد أيام من دون أن يوضح الفيديو ما إذا كانت هي السفينة نفسها التي حجزتها تركيا، في حين لم تتبين بالتحديد وجهة "ماتروس كوشكا" على الرغم من تتبعها في شرق البحر المتوسط.
ورفضت وزارة الخارجية السورية و"كراين مارين كونتراكتور" التعليق على التقرير. أما السفارة الروسية في واشنطن فذكرت ببيان سابق لها نفى الاتهامات بسرقة روسيا الحبوب الأوكرانية. ولفتت "وول ستريت جورنال" إلى أن كل الأدلة تشير إلى حصول السرقات على قدم وساق ما يدل على عزم موسكو المضي فيها. وفي آخر اتصال أجرته الصحيفة مع السائق الروسي أواخر يونيو، قال إنه في مركز عسكري روسي في سيفاستوبول ينتظر تلقي أوامر بنقل شحنة جديدة.