بمجرد ما عرض الفلسطيني عاطف أبو طعيمة مقصاته الكبيرة على باب محله وسط "سوق الحلال" المخصصة لبيع المواشي، فهم الناس أن ذلك إشعار لهم ببدء التحضير لموسم عيد الأضحى. وسارع الجميع إلى إحضار خرافهم عند حلاق المواشي لتجهيزها وترتيب مظهرها قبل ذبحها.
ويعمل عاطف كحلاق، لكنه حلاق من نوع خاص، إذ خصص نفسه لجزّ صوف المواشي على اختلاف أنواعها. ينتظر بفارغ الصبر عيد الأضحى، ليزيل الغبار عن مقصاته اليدوية الكبيرة، ويجهز شيفراتها، استعداداً لقص صوف الخراف والأغنام المجعد، وشعر الماعز الطويل.
يرتدي عاطف زياً خاصاً بمهنة حلاق المواشي، وبعد أن يشمر عن ساعديه، يجلس على باب محله أمام مقصاته اليدوية ينتظر الخراف. ويقول، "لدينا ثلاث طرق في العمل، إما أن أذهب إلى صاحب قطيع الماشية وأقوم بقص الصوف عنده، وإما أن يأتي الأفراد إلى محلي للغرض ذاته، وإما أن أقوم بتجهيز الخراف والأغنام قبل بيعها".
لم ينتظر عاطف كثيراً من الوقت، وسرعان ما بدأ الزبائن بالتوافد إلى محله، كل واحد منهم يجرّ ماشيته. نظر الرجل إلى إحداها بتمعن، وقال لصاحبها، "هذا الخروف بلدي، أي تهجين غزة، وعادةً ما يكون صوفه كثيفاً ومجعداً بشكل غريب، لدرجة أن كثيراً من الحشرات تعيش داخله، لكن لا عليك، انتظرني وسأجعله لك حملاً وديعاً". يتفاخر الحلاق بمهنته ويطلق على نفسه لقب "مهندس الخراف".
بعد دقائق، يعود عاطف برفقة الخروف وقد أزال صوفه عنه، ويقول ممازحاً، "هل عرفت ماشيتك؟ صدّقني لم أبدلها، لكنني جهزتها لتكون أعظم قربان لله".
ورث حلاق الماشية حرفته عن جده، وتعلمها منه قبل نحو 50 عاماً. ويستذكر تلك الأيام قائلاً، "كنت في العاشرة عندما رافقت جدي للمرة الأولى، وبدأ يعلمني كيف أمسك الخروف ولا أسمح له أن يفلت مني، وكيف أقص له صوفه من دون أية أذية، لقد أخذت وقتاً طويلاً حتى أتقنت هذه الحرفة".
مهنة "السنّان"
من جهة أخرى، تعد مهنة "السنان" من الحرف القديمة جداً، وتصارع الاندثار، ويرجع الباحثون بدايتها إلى فلسطين، وبالتحديد في مدينة نابلس، حيث كان يتوافد إلى السنانين زبائن من سوريا والأردن ولبنان، يشحذون هناك الساطور والسكين والبلطات.
وتنشط هذه المهنة في غزة في موسم عيد الأضحى فقط، وبقية العام تعاني الكساد أو الاندثار الجزئي. ويقول أحد السنانين، ويدعى حمادة، "يقتصر عملي على الأيام الـ10 من شهر ذي الحجة، وقد يمتد قليلاً إلى ما بعد ذلك، وبعدها أقفل المحل وأنتظر العام المقبل حتى أعود إلى شحذ السكاكين".
في هذا الموسم يعمل السنانون نحو 12 ساعة يومياً. ويؤكد حمادة، "لولا التعب لواصلت الليل بالنهار في شحذ السكاكين، هذه المهنة ممتعة جداً، خصوصاً لمن يتقنها أو يبدع في إعادة اللمعان للسكين".
وترتبط مهنة شحذ السكاكين أساساً بعيد الأضحى، إذ ينصب عديد من أصحاب المهنة آلاتهم البسيطة في الشوارع وبمحاذاة بعض الأسواق الشعبية، وكذلك ورش الحدادة، ليقبل عليها المواطنون بسكاكينهم من أجل شحذها حتى تصبح حادة وجيدة لعملية النحر. وعادةً يلجأ الجزارون إلى سن السكاكين لأنهم يحتاجون إليها بكثرة في الموسم. ويضيف حمادة، "تتطلب هذه المهنة انتباهاً ويقظة، ولكل سكين طريقة في السن تتناسب مع طبيعة الشيء الذي تستخدم من أجله، لذلك نعمل بكل حذر حتى لا نتعرض للخطر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى خمسة دولارات
وفي خضم عمله، يتطاير الشرر من السكين كلما التصقت بحجر الجلخ. ويقول حمادة على عجالة، "لا تعتقد أن هذه المهنة مربحة، بالعكس، نحصل منها الفتات"، إذ يبلغ سعر شحذ السكين دولاراً واحداً، بينما الساطور يبلغ ثمن سنه دولارين، والبلطات والأدوات الثقيلة تصل إلى خمسة دولارات.
فعلياً، الدولار والخمسة، لا تعد كافيةً لتكون مصدر دخل لرب أسرة، يقول حمادة، "نحن لا نعتمد على هذه المهنة كمصدر دخل، بل هي شغف وحب للعمل". واقعياً، يكون التحصيل من شحذ السكاكين مقابل ما تستهلكه أدوات السن من كهرباء وبدلاً من أتعاب العمال.
ويعتمد حمادة في عمله على المسن اليدوي لإعادة الحدة للسكين، وأيضاً على المسن الحجري، والجلخ، والبرداخ الكهربائي والديسك، وأدوات أخرى لتجعل شيفرة السكين قوية وقادرة على نحر الأضاحي، وبعد عملية السن يقول، "نضعها بالكاز لتصبح أكثر قوة".