بعث رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة إشارات ورسائل متناقضة خلال مقابلة مع قناة "بي بي سي" عربي، يوم الأحد، أدلى خلالها بتصريحات مغايرة عن تصريحات العاهل الأردني حيال إيران، وتضع علامة استفهام حول الموقف الأردني من طهران، بخاصة قبيل أيام من قمة عربية - أميركية يشارك فيها الرئيس جو بايدن في أول زيارة رسمية له للمنطقة منذ توليه زعامة البيت الأبيض.
ويفسر بعض المراقبين رسائل الخصاونة بأنها "محاولة لاستدراك تبعات التصريحات والمواقف الرسمية الأردنية خلال الأيام والأسابيع الماضية التي كانت مزدحمة بتوجيه النقد لإيران"، بينما اعتبر آخرون أنها تأتي في سياق ما كشفت عنه تقارير صحافية عراقية تحدثت عن "إجراء حوار في بغداد بين طهران وعمّان"، وهو ما لم تعلق عليه أو تؤكده الحكومة الأردنية حتى اللحظة.
الخطر الإيراني على الأردن
وقال الخصاونة رداً على سؤال حول الخطر الإيراني على الأردن خلال اللقاء، إن "المملكة لم تتعامل يوماً مع طهران على أنها تهديد للأمن الإقليمي الأردني"، وهو ما يخالف جملة من التصريحات التي أطلقها العاهل الأردني على مدى السنوات الماضية، وحذر فيها مراراً من" الهلال الإيراني" والتسلل الناعم لطهران إلى المنطقة العربية، وكان آخرها دعوته لتشكيل حلف "ناتو" شرق أوسطي يكون من بين مهماته مواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة.
وأوضح رئيس الوزراء الأردني أن "بلاده تسعى إلى علاقات جيدة مع إيران على الرغم من أن لديها ملاحظات جذرية حول كيفية تعامل طهران مع بعض الملفات الإقليمية، ومع بعض أنماط وأشكال التدخلات في دول شقيقة نعتبر أن منظومة أمنها القومي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأردني، ومن بينها دول الخليج العربي الشقيقة". وأشار إلى أن "الأردن يسعى إلى الوصول لصيغة حوار مع إيران مبنية على علاقات حسن الجوار".
لكن اللافت أن هذه التصريحات تتناقض مع واقع الحال على الأرض، فحتى اللحظة تمتنع عمّان عن تسمية سفير لها في طهران منذ سحبه رسمياً رداً على الاعتداء على سفارة السعودية بالعاصمة الإيرانية، وتكتفي في المقابل طهران بإدارة سفارتها في عمّان من دبلوماسي من الصف الثاني في أركان السفارة في إشارة إلى حجم الفتور بين البلدين.
علاقة صحية
وأكد الخصاونة "الانفتاح على علاقة صحية للغاية مع إيران، ولكن على قاعدة الضوابط والأحكام التي قام عليها النظام الدولي المعاصر والمرتكز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدتها الترابية ومبادئ حسن الجوار".
وأوضح أنه "ليس سراً بأن التموضع الإيراني في شأن كثير من الملفات شكل تحدياً لبعض الدول الشقيقة في ما يتعلق بممارسة شكل من أشكال النفوذ الذي لم يخدم بالضرورة استقرار تلك الدول"، مشيراً إلى أن "كثيراً من التصريحات العدائية الإيرانية إزاء دول الخليج العربي قلت وتيرتها"، على حد تعبيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وردت السفارة الإيرانية في عمّان الشهر الماضي على التصريحات الرسمية الأردنية المتكررة التي تتهمها بتهديد المملكة، وقال السكرتير الثاني ونائب رئيس البعثة في السفارة حميد رضا كاظمي في تصريحات صحافية، "إيران لن تشكل تهديداً للأردن أبداً، أمن الأردن هو جزء من أمن الشرق الأوسط وهو أولوية لنا، والوجود الإيراني في دمشق جاء بدعوة من النظام السوري في أماكن معينة بالتنسيق مع القوات السورية بهدف مواجهة إرهاب فصائل داعش وجبهة النصرة وأنصار الدين ومجموعات أخرى".
وأضاف كاظمي، "ليست لدينا ميليشيات، واتهامنا بتجارة المخدرات كبير، نحن في إيران أكبر حاجز أمام تهريب المخدرات للمنطقة، لا يوجد منطق في محاولة تهريب المخدرات إلى الأردن، وهذا اتهام غير مقبول".
هل تراجع منسوب القلق؟
تبدو تصريحات رئيس الوزراء الأردني مفاجأة وغير متلائمة مع السياق العام للموقف الرسمي الأردني، فمنذ 20 عاماً والعاهل الأردني يحذر مما سماه" الهلال الإيراني" في إشارة إلى خطط طهران التوسعية بالمنطقة، وفي العام 2021 كشف خلال مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأميركية عن تعرض بلاده للهجوم بطائرات من دون طيار إيرانية الصنع.
ودأبت الحكومة الأردنية منذ بداية العام الحالي على التحذير من الحشود الإيرانية قرب الحدود السورية الأردنية وإسهاماتها في تهريب المخدرات، كما حذر العاهل الأردني في مقابلة مع معهد هوفر العسكري جرت بتاريخ 18 مايو (أيار) الماضي، من "احتلال إيران الفراغ الذي ستتركه روسيا في الأراضي السورية".
الأمر الذي حذر منه أيضا مدير الإعلام العسكري بالجيش الأردني العقيد مصطفى الحيارى، في تصريحات لوسائل إعلام محلية بالشهر ذاته، حيث أعلن "استهداف تنظيمات إيرانية خطرة للأمن الوطني.
تاريخ من العلاقات المتوترة
ويحفل تاريخ العلاقات الأردنية - الإيرانية بالتوتر والبرود، وتتهم السلطات الأردنية منذ سنوات "الحرس الثوري الإيراني" بمحاولة إيجاد موطئ قدم لها على الأراضي الأردنية وتشكيل "خلايا إرهابية نائمة".
ولطالما وجهت طهران تهديدات لعمّان بشكل غير مباشر، بينها ما جاء على لسان قائد القوات الجوية بـ"الحرس الثوري الإيراني" علي حاجي زادة، في يناير (كانون الثاني) 2020، إذ قال، إن "على الأردن ودول الخليج وأفغانستان إخراج القوات الأميركية من أراضيها طوعاً، وإلا فإن القوات الإيرانية ستخرج الأميركيين بالقوة".
تصريحات زادة لم تكن الأولى من نوعها ضد الأردن، إذ قال في تصريحات صحافية عام 2017 إن وحدة "فصائل المقاومة" التي "شكلتها إيران في سوريا انتصرت في حلب" على ما سماه "التحالف التركي - الأردني - الغربي".
وتتهم السلطات الأردنية منذ سنوات الحرس الثوري الإيراني بمحاولات إرهابية وزعزعة استقرار البلاد، استناداً إلى تصريحات نسبت إلى قاسم سليماني قال فيها إن "إيران أضافت الأردن إلى قائمة الدول التي يتوافر فيها إمكان اندلاع ثورة تستطيع إيران أن تتحكم فيها".
وفي العام 2015 ألقت السلطات الأمنية الأردنية القبض على جاسوس يعمل لمصلحة إيران كان مكلفاً بإنشاء خلايا نائمة هدفها الإخلال بالأمن وتنفيذ تفجيرات ضخمة.
وكان السفير الأردني السابق لدى طهران بسام العموش، قال على حسابه الشخصي بـ"فيسبوك" في مايو (أيار) عام 2021، إن طهران "تحلم بتصدير الثورة الإيرانية منذ أن جاء الخميني من باريس، والأردن لم يكن بمعزل عن هذا الحلم"، معتبراً أن "أهم بلدين تطمع إيران في التسلل إليهما هما الأردن ومصر، لكن يبقى الأردن هو الصيد الذي تطمع فيه طهران".
وأكد "أن سفيراً إيرانياً سابقاً في الأردن شكل تنظيماً مسلحاً، وحينما علمت السلطات الأردنية طالبته بمغادرة البلاد واعتبرته غير مرغوب فيه"، وأشار إلى محاولات عدة لـ "حزب الله" اللبناني، ذراع إيران في المنطقة، تهريب السلاح عبر الأردن بحجة دعم المقاومة الفلسطينية.