بدأت حال عدم اليقين، بشأن قيادة سريلانكا، مع استمرار المحتجين في احتلال مقر إقامة الرئيس بعد يوم من اقتحامهم له، وظل مكان الرئيس غوتابايا راجاباكسا مجهولاً، ولم يتطرق الرئيس بشكل مباشر بعد إلى إعلان رئيس البرلمان بأن راجاباكسا سيستقيل، الأربعاء 13 يوليو (تموز)، وكان اتصاله الوحيد منذ احتجاجات ضخمة اجتاحت مقر إقامته الرسمي هو بيان من مكتبه يأمر المسؤولين بالإسراع في توزيع شحنة من الغاز الطبيعي.
الأزمة المالية والسياسية في سريلانكا، مدفوعة بمزيج من المديونية المرتفعة في البلاد، والتضخم المرتفع وسوء الإدارة الاقتصادية، تقف الآن كحكاية تحذيرية لعدد من البلدان الأخرى المثقلة بالديون، والتي أصبحت الآن عرضة بشكل متزايد للتجمع الأخير لنقص الغذاء والتضخم وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية.
أزمات لبنان وزامبيا ولاوس
دول مثل زامبيا ولبنان بالفعل في قبضة الأزمات، وتسعى للحصول على مساعدة دولية لتقديم قروض أو إعادة هيكلة ديونها، بينما تقول الحكومة الباكستانية الجديدة، التي وصلت إلى السلطة في أبريل (نيسان)، إنها نجت بصعوبة من تجنب التخلف عن سداد الديون في الأسابيع الأخيرة، مدفوعة بفاتورة استيراد الوقود المرتفعة، وتضاءلت احتياطيات النقد الأجنبي التي يحتفظ بها البنك المركزي لتغطية أقل من شهرين من الصادرات، ما أدى إلى حد كبير إلى إغلاق آفاق باكستان في الاستفادة من الأسواق المالية الدولية، في حين قدمت الصين، وهي حليف وثيق، قرضاً بقيمة 2.3 مليار دولار في يونيو (حزيران) لدعم احتياطيات العملات الأجنبية.
وتسعى إسلام آباد لإنقاذ من صندوق النقد الدولي، وألغت البلاد دعماً للبنزين قيمته 600 مليون دولار شهرياً في يونيو، لتحقيق الاستقرار في المالية الحكومية وتمكين المحادثات الجارية مع صندوق النقد الدولي، ورفعت أسعار البنزين والكهرباء بشكل متكرر، في الأسابيع القليلة الماضية، لمواكبة الأسعار العالمية للنفط.
وفي جمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية، بلغ التضخم معدلاً سنوياً قدره 24 في المئة في يونيو (حزيران)، ويؤدي نقص الدولارات إلى تقلص واردات البنزين والضروريات الأخرى، ويقدر البنك الدولي أن لدى لاوس احتياطيات من النقد الأجنبي تبلغ 1.3 مليار دولار في نهاية عام 2021، وهو ما يكفي لسداد ما يزيد قليلاً على شهرين من الواردات، وخفّض البنك الدولي أخيراً توقعاته للنمو في الاقتصادات النامية إلى 3.4 في المئة، هذا العام، من 4.6 في المئة سابقاً، مشيراً إلى آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة وتكاليف الاقتراض المتزايدة بسرعة بعد زيادات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
ارتفاع الفائدة الأميركية
وأدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، كما أدى ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية إلى انخفاض العديد من العملات إلى أدنى مستوياتها في سنوات عدة، ما جعل الوقود والواردات الأخرى أكثر تكلفة، وقد قدم ذلك للبلدان التي تخدم أيضاً مستويات عالية من الديون خيارات صعبة.
حال سريلانكا
وفي حال سريلانكا، تسببت جائحة كورونا في هلاك عائدات العملة الأجنبية من السياحة، والتضخم العالمي في دفع اقتصاد سريلانكا إلى حافة الهاوية، لكن وضعها المالي غير المستقر ترسخ في وقت سابق، نتيجة تراكم الديون على الإنفاق على البنية التحتية والتخفيضات الضريبية الشاملة التي استنزفت الإيرادات الحكومية، وكذلك فرض حظر على الأسمدة الكيماوية التي قلصت إنتاج المحاصيل، وتخلفت الدولة عن سداد ديونها في مايو (أيار)، وأدى النقص الحاد في العملات الأجنبية إلى عدم قدرتها على تأمين إمدادات الطاقة، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي ونقص في مضخات الغاز، وارتفع تضخم أسعار المواد الغذائية إلى 80.1 في المئة، الشهر الماضي.
وبالنسبة لمعظم السريلانكيين، كانت الحياة اليومية، في الأشهر الأخيرة، تدور حول قضاء ساعات في الطابور للحصول على الوقود أو انتظار عودة الكهرباء، لكن أولئك الذين تجولوا حول مقر إقامة الرئيس، الأحد، حصلوا على لمحة واقعية عن أنماط حياة النخبة السياسية التي ترأست الأزمة الاقتصادية الحالية.
والسبت، خرج آلاف المتظاهرين المناهضين للحكومة في العاصمة السريلانكية كولومبو، واقتحموا واحتلوا المساكن الرسمية لراجاباكسا ورئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغ الذي قال في تغريدة على "تويتر" إن تنحيه عن منصبه سيمهد الطريق أمام قادة الأحزاب السياسية السريلانكية لتشكيل حكومة مؤقتة من جميع الأحزاب، قبل إجراء انتخابات جديدة في موعد لم يتم تحديده بعد، كما عززت التطورات الحالة المزاجية لشاغلي المقر الرئاسي الجدد، الذين استرخوا على الأسرة والكراسي المنجدة، وعزفوا على البيانو، بل، وجدوا وقتاً لمناقشة وهمية مع صندوق النقد الدولي عبر طاولة مؤتمرات مترامية الأطراف، ومع ذلك، شعر البعض بالغضب من التناقض مع السريلانكيين العاديين الذين كانوا يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم.
وقال عامل رصيف الميناء ويجثا كومارا لـ "وول ستريت جورنال" (60 سنة)، "ليس لدينا وقود وطعام وغاز للطبخ"، "ولكن بينما نعاني، كان رجال الدولة يتمتعون بحياة فاخرة".
أزمات الطاقة والغذاء
وتعمل بعض الحكومات في جميع أنحاء العالم جاهدة للتخفيف من وطأة تضخم الغذاء والطاقة من خلال إطلاق إعانات جديدة وتعزيز برامج الإنفاق الاجتماعي لدرء الاضطرابات والجوع وسط ارتفاع تكاليف المعيشة اليومية، ويوافق العديد من الدول على المنح الجديدة، حتى في الوقت الذي تكافح فيه عجزاً في الميزانية، وفي الوقت الذي لا تزال تعاني فيه اقتصادات من الاضطرابات الناجمة عن الوباء، وحذّر محللون من أن الدعم والإنفاق الاجتماعي الجديد قد يدفع حكوماتهم إلى مشكلات مالية عميقة.
وفي أوروبا، أعلنت الحكومات من ألمانيا إلى اليونان وإسبانيا والبرتغال، في الأشهر الأخيرة، عن تخفيضات ضريبية ودعم للطاقة، وفي أفريقيا، أعلنت نيجيريا عن 9.6 مليار دولار لدعم أسعار الوقود، بينما تنفق زامبيا 200 مليون دولار لتمديد دعم الوقود، على الرغم من الديون المتزايدة في كلا البلدين. وفي الوقت نفسه، تعمل الدول الآسيوية، بما في ذلك الفيليبين وسنغافورة وإندونيسيا، على تعزيز الإنفاق الاجتماعي، وغالباً ما تستهدف الأسر ذات الدخل المنخفض بمساعدة نقدية مباشرة.
ويمكن للاضطرابات السياسية في سريلانكا أن تبطئ من جهودها لانتزاع نفسها من أزمتها الاقتصادية، رانيل ويكرمسينغ، رئيس الوزراء، هو أيضاً وزير المالية والشخص الرئيس الذي يدير مفاوضات البلاد مع صندوق النقد الدولي من أجل خطة إنقاذ محتملة بمليارات الدولارات. وقال المقرض العالمي، الأحد، إنه يراقب التطورات عن كثب، وأضاف، "نأمل في التوصل إلى حل للوضع الحالي يسمح باستئناف حوارنا بشأن برنامج يدعمه الصندوق".
وعاد الهدوء إلى حد كبير إلى شوارع كولومبو، الأحد، في وقت سمح الوجود الأمني الخفيف للمتظاهرين بالدخول والخروج من مقر الرئيس، وهو مبنى غائر يعود إلى الحقبة الاستعمارية بجدران مطلية باللون الأبيض من دون عوائق.
وقال كومارا، كاتب في رصيف الميناء، إنه حثّ كل من حوله على عدم الإضرار بأي ممتلكات، بالنظر إلى أنها دفعت من المال العام، وعلى الرغم من حزنه لرؤية أسلوب الحياة الفخمة الذي تمتع بها راجاباكسا، قال كومارا إنه سمح لنفسه بالرضا عن التقاط صورة "سيلفي"، مضيفاً "لدينا شعور بأننا منتصرون على حاكم سيء".