خلال مقابلة تلفزيونية أعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين تأييده تأسيس "ناتو" شرق أوسطي، وفي الوقت ذاته تقترب زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة، مما يؤكد أن الولايات المتحدة لا تستطيع تجاهل الشرق الأوسط حتى بعد الانسحاب من أفغانستان.
وفي حين واجه مشروع الـ "ناتو" الشرق أوسطي الذي دعا إليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عقبات في حينها أدت إلى فشله، فهل يمكن أن يواجه طرح الفكرة مرة أخرى عقبات تحول دون تحققه؟ أي هل هناك محفزات يحملها السياق الإقليمي قد تدفع مشروع الـ "ناتو" الشرق أوسطي في ظل إدارة بايدن قدماً نحو التحقق على نقيض ما حدث خلال إدارة ترمب؟
معوقات الـ "ناتو" الشرق أوسطي خلال إدارة دونالد ترمب
حاولت إدارة ترمب إنشاء تحالف أمني وسياسي مع ست دول خليجية ومصر والأردن لمواجهة سلوك إيران في الشرق الأوسط، على أن يكون التعاون في مجال الدفاع الصاروخي والتدريب العسكري ومكافحة الإرهاب وقضايا أخرى، مثل تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية، وقد أطلق على المشروع "حلف شمال الأطلسي العربي" الذي أدى إلى توترات بين الولايات المتحدة وإيران، لكن اقتراح التحالف لم ينطلق.
التهديدات التي دفعت ترمب لمحاولة تأسيس "ناتو" شرق أوسطي مشتركة وتواجهها بعض دول المنطقة من إيران، إضافة إلى الدفاع عن حرية الملاحة في الممرات المائية التي يجري من خلالها شحن معظم إمدادات النفط العالمية، واعتبرت طهران أن هذا النهج سيؤدي إلى تعميق الفجوة بين إيران والدول العربية.
أما عن أسباب توقف مشروع ترمب فقد ارتبطت بشكل رئيس بعلاقة دول المنطقة ببعضها، إذ جاء المشروع متزامنا مع أزمة قطر، ومن ثم كان تأسيس تحالف أمني يجمع بين أطراف على غير وفاق أمراً صعباً، كما أن معظم دول المنطقة بما فيها حلفاء الولايات المتحدة لم يتفقوا في ما بينهم على مصادر تهديد مشتركة، وتعارضت مصالح كثير من الدول مع الأخرى.
ومن ثم كان طرح مشروع الـ "ناتو" الشرق أوسطي يثير قضايا خلافية على غرار ما سيشكل التحالف والقيادة الهيكلية له ومقره وموقف تركيا والصين وروسيا من التحالف الذي سيعمل تحت مظلة واشنطن.
محفزات الـ "ناتو" الشرق أوسطي خلال إدارة جو بايدن
وبعد إعلان العاهل الأردني تأييده مقترح "ناتو" شرق أوسطي تواترت الأخبار عن التحالف الأمني المقترح، وهذه المرة قد تكون احتمالات تحول المشروع المقترح للتحالف الأمني إلى واقع كبيرة، ذلك أن المنطقة شهدت تطورات منذ إعلان مشروع ترمب عام 2017 وحتى الآن، هيأت السياق والمناخ الإقليمي للتحالف الأمني المقترح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ثم يمكن أن نوجز المحفزات التي تدعم بشدة تأسيس "ناتو" شرق أوسطي في تصاعد التهديدات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة تجاه أمن ومصالح دول المنطقة، فمن جهة تراجعت احتمالات التوصل إلى اتفاق جديد بين واشنطن وطهران مع استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم ومراكمة انتهاكاتها لالتزاماتها بخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، ومن جهة أخرى تلاشت أية احتمالات لتوقف حرب الظل بين إيران وإسرائيل التي تتخذ من المنطقة ساحة معركة مع فتور العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في المنطقة على خلفية المقاربة الأميركية للملف الإيراني التي اتسمت بالتراخي، والسير في ركاب نمط التفاوض والمماطلة الإيرانية التي أضاعت كثيراً من الوقت ولم يقابلها أي تراجع إيراني، وقد تجلت مؤشرات هذا الفتور بوضوح بعد رفض الإمارات والسعودية طلب بايدن زيادة إنتاج النفط في أعقاب الحرب الروسية – الأوكرانية، ففي الوقت الذي تتراخى فيه إدارة بايدن عن الضغط على إيران يتعرض أمن الخليج العربي لعدم استقرار بسبب الصواريخ الباليستية والهجمات الحوثية على المراكز الحيوية في دول الخليج.
ومن جهة أخرى، يعتبر زوال أزمة قطر، محفزاً قوياً لدفع التحالف الشرق أوسطى الجديد نحو التحقق وتقريب وجهات النظر على نحو يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف، والحديث الإيراني الدائم عن محور مناهض للولايات المتحدة قوامه الصين وروسيا وإيران، واستقواء طهران بعلاقتها ببكين وموسكو لتجاوز تداعيات العقوبات الأميركية عليها، يدفع دول المنطقة المتضررة من السلوك الإيراني نحو التنسيق والتعاون الأمني والاستخباراتي، وإن كان هذا لا يمنع التقارب والعلاقات الجيدة بين دول الـ "ناتو" الشرق أوسطى والصين وروسيا.
ومن ثم يمكن القول إن الـ "ناتو" العربي قد يكون ملحاً بالنسبة إلى إدارة بايدن من أجل التأثير في الصين، فتفاعلات بكين مع طهران واسعة النطاق، سواء في مجال مبيعات النفط أو الأسلحة، كما أن العداء المستمر بين إيران والولايات المتحدة يسمح للصين بالتحوط ضد واشنطن في الشرق الأوسط، ويزود بكين بأسواق في طهران خالية من النفوذ الأميركي، كما أن الحديث عن الـ "ناتو" الشرق أوسطي يأتي في توقيت يعمل فيه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة على تحمل مزيد من العبء في مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية.