في قريةٍ تقع جنوب مدينة البصرة العراقية ظهرت أواخر القرن التاسع عشر حلوى جديدة صارت الحلوى الشعبية الأكثر شهرةً في المدينة المطلة على الخليج، ومع تزايد الطلب عليها، أصبحت تبيعها آلاف المحال، وتنتجها المعامل بكميات كبيرة، منها معمل صغير يعود إلى عائلة تخصصت في إنتاج هذا النوع من الحلوى منذ مطلع القرن الماضي.
شهرة واسعة
تكتسب الحلوى اسمها من قرية نهر خوز التي كان يعيش فيها الحاج عبد الرحمن محمد إبراهيم (1885-1973) الذي أخذ في شبابه ينتج الحلوى في داره بكميات قليلة ويبيعها بنفسه على سكان قريته والقرى المجاورة، ثم توسع في عمله إلى مناطق أخرى، وبعد وفاته توارث أبناؤه وأحفاده مهنة إنتاجها وبيعها، ومنذ ذلك الحين صارت تقترن الحلوى بهذه العائلة.
فاضل صالح، وهو أحد أحفاد الحاج عبد الرحمن، قال لـ "اندبندنت عربية"، "حلوى نهر خوز تجاوزت شهرتها البصرة إلى معظم المدن العراقية وبعض دول الجوار، وكثيراً ما نتلقى طلبات لإنتاج وإرسال كميات منها إلى السعودية وتركيا والكويت والبحرين والأردن وسوريا والهند، فضلاً عن دول أوروبية"، مبيناً أن "الطلب عليها يزداد خلال فصل الشتاء، وينحسر خلال فصل الصيف".
وجهاء البصرة اعتادوا في الماضي على تقديم هذا النوع من الحلوى كهدايا رمزية إلى ضيوفهم غير البصريين، وفي حالات أخرى قدمتها السلطات المحلية إلى دبلوماسيين ومسؤولين أجانب خلال زيارتهم المدينة، وكان الزعيم السياسي البصري طالب النقيب يأخذ كميات منها إلى إسطنبول ويقدمها إلى أصدقائه من المسؤولين الأتراك حين كان عضواً في "مجلس المبعوثان" أواخر العهد العثماني.
مقاديرها سرية
تتكون حلوى نهر خوز بشكل أساسي من زيت السمسم وعصير التمر (الدبس)، ويُمزجان ويُطبخان على نارٍ هادئة، وكانت عملية التحضير تنفذ يدوياً، لكن منذ بداية التسعينيات صارت تُنتج الحلوى بواسطة مكائن من دون إخلال في نسب مقاديرها التي يعتبرها أحفاد الحاج عبد الرحمن من أسرار المهنة، ويبالغون في الحرص على عدم إفشائها إلى حد عدم السماح لوسائل الإعلام بتصوير عملية الإنتاج داخل معملهم الصغير.
وبحسب فاضل صالح عبد الرحمن فإن "الحلوى الجيدة لا ترتبط جودتها بدقة مقاديرها وإتقان تحضيرها فحسب، وإنما بجودة مكوناتها أيضاً، ولذلك اعتدنا منذ عقود على استخدام زيت السمسم الموصلي"، مضيفاً "بعد احتلال تنظيم (داعش) مدينة الموصل عام 2014 توقف إنتاجنا من الحلوى لأيام عدة بسبب عدم توافر زيت السمسم الموصلي لانقطاع حركة التجارة بين البصرة والموصل، ثم اضطررنا إلى استخدام زيت من نوع آخر لحين تحرير المدينة من التنظيم، وعاد زيت السمسم الموصلي ينقل إلى البصرة، واستعادت نهر خوز نكهتها المعهودة".
منافسة تجارية
ومع تنامي الطلب عليها واتساع شهرتها، لم يعد أحفاد الحاج عبد الرحمن وحدهم ينتجون حلوى نهر خوز، فعلى امتداد الطريق الرابطة بين مدينة البصرة وقضاء أبي الخصيب الواقع جنوبها، ثمة لافتات عدة تشير إلى معامل لإنتاج هذا النوع من الحلوى، وكل أصحاب تلك المعامل يزعمون أن حلواهم (أصلية).
الأديب علي أبو عراق ذكر في كتاب (ذاكرة البصرة) الصادر عن وزارة الثقافة عام 2012 أن "البصريين أصروا على أن تكون لهم حلواهم الخاصة، من دون إضافات أو مطيبات أو عطريات، فكانت حلاوة نهر خوز التي ابتدعتها عائلة كانت تسكن على ضفة النهر. وحاول كثيرون من صانعي الحلوى وأصحاب المعامل تقليدها، لكن أسرارها ظلت وقفاً على تلك العائلة التي أغرت الكثير من البصريين وضيوفهم من المحافظات الأخرى والدول المجاورة بالمجيء إلى قرية نهر خوز كي لا تكون الحلوى مغشوشة، فبعد تنامي شعبيتها كثر المقلّدون لها".
وفي خضم احتدام المنافسة وكثرة المنافسين، اضطر أحفاد الحاج عبد الرحمن في الآونة الأخيرة إلى لصق صورة والدهم صالح عبد الرحمن على علب الحلوى لتمييز منتجاتهم عن سواها، وللدلالة على أنهم أقدم وأشهر المصنعين، وليس بوسعهم منع الآخرين من إنتاجها، فهي حلوى شعبية لا يمكن احتكارها.