تسللت طائرات "درون" المسيرة إلى معترك حرب التصفيات والهجمات محدودة الأهداف، وأثبتت فاعلية كذلك في حرب العصابات والمدن وتصفية الشخصيات، لعل ذلك الاعتقاد يترسخ يوماً بعد يوم في أعقاب سلسلة اغتيالات وأهداف حصدتها تلك الطائرات بصواريخ دقيقة التركيز، لكن استهداف القيادي في تنظيم "داعش" في سوريا "أبو البراء"، واسمه الفعلي ماهر العقال يحيل حضور "المسيرة" إلى اعتبارها سلاحاً فعالاً يمكن الاستعانة به بصورة واسعة في الحروب المقبلة بعد أن أضرم "داعش" مجدداً نار الاضطرابات في البادية.
مقتل العقال على دراجة نارية
في ظهيرة 12 يوليو (تموز) الحالي، وبقرية يطلق اسمها غالطان، تابعة لناحية جنديرس، بريف عفرين شمال غربي حلب، أسفرت غارة جوية بطائرة مسيرة عن مقتل أبو البراء (ماهر العقال) أحد القياديين البارزين في "داعش"، والمنحدر من قرية "سلوك" في ريف "الرقة" شمال شرقي البلاد، كما أسفرت الضربة الجوية عن مصرع مرافقه.
وأتى استهداف العقال أثناء ركوبه دراجة نارية بعد فترة من التخفي والتمويه منذ انهيار "داعش" في عام 2019، لكن التنظيم عاد مجدداً ليرمم صفوفه ويشن حرباً متقطعةً استهدف بها قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" محتمياً برمال الصحراء وكثبانها لإعادة الانطلاق من جديد.
تنقلات "أبو البراء"
ارتحل العقال من الرقة إلى ريف حلب بحسب المعلومات الأولية، وكان سابقاً قد نجا من محاولات عدة لاغتياله في عام 2021، فيما اعتقل الأمن التركي قريبه إثر اشتراكه بإعداد تفجيرات في "تركيا"، وعلى الرغم من أن اسم ماهر العقال قد برز بعد اغتياله، فإنه كان الشخصية المسؤولة مباشرة عن تمويل ما يطلق عليه التنظيم تسمية "ولاية الشام".
وتشير المعلومات الأولية عن تدرج العقال في المسؤولية وتسلمه منصب قائد منطقة عقب سيطرة التنظيم على "الرقة".
وحين سيطرت قوات "قسد" مدعومة من قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب على الرقة في يوليو (تموز) 2017، بقي العقال متخفياً ضمن الرقة.
وحصل "المرصد السوري لحقوق الإنسان" على معلومات جديدة حول القيادي الداعشي، من بينها أنه "متهم بالوقوف خلف عملية اغتيال أحد أبرز وجهاء الرقة، الشيخ بشير فيصل الهويدي في عام 2018، انتقل بعدها من الرقة إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني الموالي لتركيا في تل أبيض عام 2020 ومنها إلى عفرين بالتنسيق مع فصيل أحرار الشام المصنف على قوائم الإرهاب.
كما أن ماهر العقال هو شقيق فايز العقال الذي شغل سابقاً منصب أمير اللجنة المفوضية، أو ما يطلق عليها "إدارة الولايات" قبل مقتله في عملية مماثلة بمدينة الباب في يونيو (حزيران) 2020، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أبرز 5 شخصيات قيادية
في هذه الأثناء، ظل القيادي الداعشي يتمتع بحرية الحركة والتنقل بأريحية حاملاً هوية صادرة عن المجلس المحلي في "عفرين،" وباسم مستعار، ولم تفلح عملية إنزال سابقة لاستهدافه في يونيو (حزيران) الماضي، في مدينة "جرابلس" بعد اكتشاف أمره وملاحقته من قبل الاستخبارات الأميركية.
واعتبرت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" في إعلانها مقتله بأنها أصابت أحد كبار قياديي "داعش" من دون وقوع ضحايا بين المدنيين أثناء تنفيذ العملية التي خطط لها مسبقاً، مضيفةً أنه كان مسؤولاً عن تطوير شبكات "داعش" خارج العراق وسوريا، وأن العملية تشكل ضربة لجهود "داعش" لإعادة تنظيم نفسه بعد خسارة مساحات شاسعة من الأراضي"
في المقابل، قلل المتخصص في شؤون الفصائل المتشددة، الناطق باسم لجنة المصالحة الوطنية السورية، "عمر رحمون" في حديثه لـ"اندبندنت عربية" من حجم الإعلان الأميركي عن استهداف العقال، معتبراً أنه "قيادي من الصف الثاني ليس إلا".
وأردف، "في تقديري تنظيم داعش انتهى، ولن يعود إلا بحلة جديدة، وثوب جديد، ولذلك تم خنق التنظيم وقتل الصف الأول من قيادته، وماهر العقال قيادي من الصف الثاني، وليس من الأول".
وحول ما إذا كانت عملية التصفية الأخيرة ستثني "داعش" عن عزمه التقدم عسكرياً، أو تؤثر على أفراده لوجيستياً أو معنوياً، رأى الباحث رحمون أن التنظيم بالصيغة التي تم إطلاقه بها ليس أمامه إلا التصفية، وتشطيب نهايته بقتل أمرائه.
تعطيل قدرات التنظيم
من جهته، يصنف "البنتاغون" العقال كأحد كبار قادة "داعش" الخمسة، وزعيمه في سوريا، ومسؤولاً عن تطوير شبكات التنظيم في المنطقة".
ويرى المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، العقيد جو بوتشينو أن التخلص من قادة "داعش" سيعطل قدرة التنظيم الإرهابي على تخطيط وتنفيذ هجمات عالمية.
واعتبر مراقبون أن مقتل أبو البراء أتى نتيجة تحرك أميركي جديد واختراق استخباراتي لخلايا التنظيم الساعين لاستئناف النشاط، لا سيما أن حدود الهجمات تخطت سوريا إلى دول الجوار، إذ تشير المعلومات إلى اعتقال تركيا سليمان العقال قريب ماهر وهو من الشخصيات التي خططت لشن هجمات داخل الأراضي التركية.
ورجح متابعون أن ينكفئ التنظيم عن شن هجمات جديدة لأسباب عدة؛ منها أمنية، لا سيما وأن زعيمهم كان المسؤول عن التمويل، أو أن يستهدف مقرات وجود القوات الأميركية المتمركزة في شرق سوريا مما دفع الجيش الأميركي إلى تعزيز الاحتياطات وإجراءات الأمن في محيط قواعده في المنطقة.
في موازاة ذلك، يشن جيش النظام حملة على تخوم مدن وسط سوريا بعد سلسلة هجمات شنها أفراد "داعش" على قوافل الجيش وآلياته مستخدمين التفخيخ وحرب عصابات في بادية مترامية الأطراف.