قبل أكثر من عام بقليل، تنامى إلى سكان وستمنستر خبر مدهش ومقلق، إذ علموا أن المدرسة الجديدة الواقعة في المبنى الجديد والتي افتتحت بالكاد قبل ثلاث سنوات قد علقت القبول والتسجيل وربما تغلق أبوابها على الرغم من أن تكلفة إنشائها بلغت 16 مليون جنيه استرليني (نحو 18.9 دولار).
والواقع أنني تابعت أحوال هذه المدرسة منذ إنشائها إذ كانت تقع على خط سير حافلة كنت أستقلها في كثير من الأحيان، إلى جانب تقاطع ثلاثة شوارع، والذي أتاح لي [بحكم توقف السير عليه مراراً] وقتاً وفيراً لمراقبة مستوى تقدم البناء. أضف إلى ذلك، بدا المبنى، على خلاف العديد من المباني الجديدة، مثيراً للبهجة.
كانت قطعة الأرض تلك من بين المواقع غير المناسبة والتي يتم تجاهلها بطريقة ما حتى عندما يبدو أن كل شيء آخر حولها مزدهراً. كان منظرها وموقعها غريباً على مقربة من تقاطع لعدد من خطوط السكك الحديدية التي تتلاقى جميعها في محطة فيكتوريا في لندن. لطالما كانت في المكان غير الصحيح محصورة في منطقة تهيمن عليها المساكن الاجتماعية من مختلف الفئات، ولكن على بعد ياردات من حي بلغرافيا الراقي ومحلات التحف القديمة في طريق بيمليكو.
في أحد الأيام الجميلة، ظهرت الرافعات على جسر إيبوري يصاحبها مجموعة كبيرة من السقالات وجيش من عمال البناء. عندما أزالوا الأغطية عن البناء، تبين أنه مبنى أبيض وبارز ذي ارتفاع شاهق يضم شققاً "فاخرة" – موقع المبنى غريب تماماً في هذا المكان بالذات، وملاصق لمبنى آخر منخفض تم إنشاؤه من الطوب الأحمر وله مدخل زجاجي ملون أنيق مكتوب أعلاه الاسم بأحرف مربعة من مادة الكروم، "كلية سير سايمون ميلتون المهنية الجامعية في وستمنستر".
وصفت الكلية بأنها المشروع "الرئيس" للتطوير ومشروع رائد لهذا النوع من المدارس. وبعد فترة وجيزة من افتتاحه، تفاخر مجلس وستمنستر المحلي بهذا المشروع وعقد فيه إحدى الأمسيات التي يلتقي فيها السكان بالمجلس البلدي. والمبنى ذكرني كثيراً بمدرسة القواعد الجديدة [اسم تاريخي لأحد الأنواع الرئيسية من المدارس التعليم الثانوي في المملكة المتحدة والعائد إلى القرن 16 وهي تمثل في الوقت الحالي مدارساً مملوكة للدولة والتي تملك خيار قبول الطلاب من عدمه بناء على قدراتهم الأكاديمية] والتي تفاخر بها والدي عندما كنت في الثامنة من عمري، وكان قد أصبح حينها أول مدير لها. كانت المدرسة تفوح بعبق الحداثة حينها وتحوي على مساحات عامة كبيرة وكان لديها مستقبل واعد مثلها مثل المباني الجديدة التي تنتظر وصول الطلبة الذين يستحقون الانضمام إليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على عكس مدرسة القواعد الجديدة تلك، خلال فترة الستينيات لم تحظَ الكلية المهنية الجامعية - وهي واحدة من الأشكال الجديدة للمؤسسات التعليمية التي تهدف إلى المساعدة في سد فجوة المهارات الدائمة في نظام التعليم في المملكة المتحدة- بأي نجاح على الإطلاق. عندما مررت قبالتها بعد افتتاحها، كان يحيط بها جو غريب من الخمول حيث لم يكن هناك أي صخب وحركة حولها كالمعتاد في المدارس، وكان هناك نقص في الموظفين والتلاميذ الفعليين. وذلك، للأسف، ما قرر مصيرها.
كان الهدف من الكلية المهنية الجامعية استقطاب 550 طالباً حيث كان الأمل معقوداً على أن تتمكن من استقطاب الطلبة من جميع أنحاء لندن بحكم قربها من فيكتوريا، وطرق النقل المتعددة. إضافة إلى أنه جرى تصميمها والإعلان عنها على أنها أكاديمية متخصصة بالعلوم والتكنولوجيا، وتركز على هندسة النقل برعاية شبكة السكك الحديدية – وجميع ما ذكر معقول، نظراً إلى موقعها، لكنها لم تحقق أبداً أي هدف من أهدافها مثل الأرقام المستهدفة على سبيل المثال.
وفي نهاية العام الدراسي الماضي (2021)، بالكاد بلغ حجم الالتحاق الثلث إذ بلغ عدد الطلاب المسجلين فيها 150 طالباً وتلا الأمر إعلان وزارة التعليم في يناير (كانون الثاني) أنها ستغلق أبوابها. وبحلول ذلك الوقت، تضاءل العدد من 150 إلى 75. وأعرب أندرو كريستي، رئيس مجلس المحافظين لمؤسسة السير سايمون ميلتون -المؤسسة الخيرية التي كانت الداعم الرئيس للمدرسة- وماثيو سايكس، رئيسها التنفيذي عن أسفهما. وجرى التوصل في وقت لاحق إلى حل مقبول مع مؤسسة تسمى أدا (Ada)، الكلية الوطنية للمهارات الرقمية، والتعاقد معها بإشغال المبنى اعتباراً من سبتمبر (أيلول)، بالتالي سيتم الحفاظ على الهدف التعليمي للمكان.
ومع ذلك، فإن هذا التغيير يمثل تراجعاً كبيراً في النطاق والطموح. واسم "أدا" ليس، كما قد يبدو، اختصاراً لاسم المؤسسة، ولكنه يشير إلى أدا لوفليس، عالمة الرياضيات الإنجليزية التي عاشت في القرن التاسع عشر، كما أن الكلية الوطنية للمهارات الرقمية ليست المؤسسة الكبرى التي قد يوحي بها مسماها، فهي تصف نفسها بأنها كلية صغيرة للتعليم الإضافي، افتتحت في عام 2016 ولديها حرمان جامعيان فقط، في شمال وشرق لندن.
ليس هناك أي سبب يجعلنا نؤمن ونسلم بأن "الخير في ما ينتهي بالخير"، حتى ولو كانت النهاية إيجابية بشكل متواضع. فهناك أمور كثيرة تحيط بمصير كلية سير سايمون ميلتون المهنية الجامعية في وستمنستر أكثر مما يظهر للعيان وذلك على المستوى الفردي وضمن المشهد التعليمي الأوسع في إنجلترا وحتى في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
كانت الكليات المهنية الجامعية من بنات أفكار وزير التعليم الإصلاحي المثير للجدل في عهد مارغريت تاتشر، كينيث بيكر، الذي يحمل حالياً لقب "اللورد"، وكانت موجودة حينها منذ ما يزيد قليلاً على عقد من الزمان. وكانت جذور الفكرة تعود إلى المدارس المهنية التي كان من المفترض أن توفر بديلاً لمدارس القواعد بموجب قانون التعليم لعام 1944، لكن ذلك لم يحدث أبداً. تعود المحاولة الجديدة إلى نحو عام 2008، عندما حظي الأمر بموافقة وزير المدارس آنذاك العمالي، اللورد أدونيس الذي يشغل حالياً مقعداً في مجلس إدارة مؤسسة بايكر-ديرينغ الخيرية Baker-Dearing trust التي أنشأها بيكر والراحل اللورد ديرينغ بهدف تعزيز وتطوير الكليات المهنية الجامعية على حد قوله.
جميع من حدثتهم عن الكليات المهنية الجامعية قالوا إن تحديد سن الرابعة عشرة لدخول الكليات كان مشكلة كبيرة، لأنه بحلول تلك السن يكون الطلبة استقروا في المدرسة الثانوية التي اختاروها وليس لديهم ولا لدى أهاليهم أي رغبة إطلاقاً في الانتقال
كان هدف المدارس تلبية احتياجات الطلاب من 14 إلى 19 عاماً وبناء علاقات، بما في ذلك رعايات مع الصناعة المحلية وأرباب العمل وكذلك الجامعة، ومن هنا جاء اسم "الكليات المهنية الجامعية". افتتح أول فرع في ستافوردشاير في عام 2009، وكان يقع على الجانب الآخر من الطريق أمام الراعي الرئيس، "جي سي بي" [شركة جوزيف سيريل بامفورد المحدودة للحفارات] (JCB).
ولكن تحرير قطاع التعليم الثانوي في ظل ائتلاف المحافظين-الليبراليين الديمقراطيين لعام 2010، وتشجيعه على إنشاء أكاديميات ومدارس مجانية، كان له الفضل في إعطاء الزخم الحقيقي للكليات المهنية الجامعية. تزامن ذلك أيضاً مع مخاوف حديثة في شأن وضع التعليم المهني في المدارس التي تجلت في تحقيق [البروفيسورة أليسون] وولف وتقريرها في الوقت نفسه تقريباً.
كان بيكر متفائلاً. وفي غضون عام تمكن من توفير تمويل لـ15 كلية من هذا القبيل وكان يتطلع إلى تشغيل 100 كلية بحلول عام 2015، ويتبعها بمئات الكليات الأخرى. وقال إن الأهل في ذلك الوقت كانوا يطالبون بفرص لإرسال أطفالهم إلى المدارس التي من شأنها أن تضمن لهم تدريباً عالي الجودة، وخبرة في عالم الأعمال، ووظيفة جيدة في نهاية المطاف.
ولسوء الحظ، لم تسر الأمور على النحو المخطط له. لم تنشأ سوى 58 كلية مهنية جامعية، وفي حين حقق بعضها النجاح في مناطق مثل هال وبورتسموث ودوكلاندز في لندن – أغلقت ما لا يقل عن 11 منها، وكانت الكلية المهنية الجامعية في وستمنستر هي الثانية عشرة التي يتم إغلاقها. وبعض الكليات، بما في ذلك إحداها التي كانت ستنشأ في ليفربول، لم يتم بناؤها.
الفارق بين طموح اللورد بيكر المبكر والحالة التي كانت عليها الكليات المهنية الجامعية يمكن استشعاره من تقرير مكتب التدقيق الوطني الصادر من ثلاث سنوات، والذي وجد أن العديد منها كانت تعمل بنصف طاقتها فقط وأن تلاميذها حصلوا على درجات أسوأ في المتوسط من درجات الطلاب في المدارس الأخرى، على الرغم من أن الحكومة أنفقت ما يقرب من 800 مليون جنيه (نحو 945 مليون دولار) عليها على مدى عقد من الزمان. ووضع التقرير تحت المجهر حجم المصاريف وألقى بظلال من الشك على قابلية المدارس على العمل على المدى الطويل.
واحدة من نقاط الضعف التي جرى تسليط الضوء عليها –والتي يمكن وصفها بأنها نقطة ضعف كليات المهنية الجامعية– تمثلت في الفئة العمرية. وخلافاً لبقية قطاع المدارس الثانوية الحكومية، المخصص للفئات العمرية من 11 إلى 18 سنة، صممت الكليات المهنية الجامعية لاستقبال طلاب من سن 14 سنة، أي إن التلامذة ينتقلون إلى مؤسسة جديدة بعد سنتين فقط من قضائهم في مدرسة حيث كانوا على طريقهم نحو شهادة الثانوية العامة.
وكانت حجة بيكر -التي تحظى بدعم خبراء التعليم حتى يومنا هذا- هي أن سن 11 سنة مبكرة جداً على الأطفال لاتخاذ قرارات مهمة في شأن مستقبلهم، فيما من الناحية التعليمية، تعد سن 16 متأخرة جداً، وكانت سن 14 سنة هي الأفضل، ولكن الكليات المهنية الجامعية ظلت استثناء لذلك.
جميع من حدثتهم عن الكليات المهنية الجامعية قالوا إن تحديد سن الرابعة عشرة لدخول الكليات كان مشكلة كبيرة، لأن الطلبة استقروا في المدرسة الثانوية التي اختاروها وليس لديهم ولا لدى أهاليهم أي رغبة إطلاقاً في الانتقال. وقد جعل ذلك بعض الكليات المهنية الجامعية تبدو وكأنها خيار للفاشلين [في التعليم الثانوي] بدلاً من أن تكون مقصداً للحالمين ممن لديهم تطلعات فنية. وكما قال لي سايمون كونيل من مؤسسة بيكر- ديرينغ، كان هناك خطر من أن المدارس العادية ستبدأ في "طرد الطلاب" عند بلوغ سن 14 سنة، مع ما يشكله هذا من تداعيات على توسيم الكليات المهنية الجامعية [بأنها مكان للفاشلين].
كانت هناك صعوبة بالغة في استقطاب الموظفين المؤهلين إلى هذا النموذج من المدارس والذي لم يجرب بشكل أساسي، وقد تفاقم ذلك عندما تعلق الأمر بتوظيف مديري المدارس، ولكن كانت هناك أيضاً مشكلة معاكسة أخرى. ففي حين أن الهدف من الكليات المهنية الجامعية، وفقاً للتصور الأول، هو تقديم نهج مختلف تماماً يركز على المهارات العملية، اختفى هذا الاختلاف تدريجياً، إذ طلبت وزارة التعليم بشكل متزايد من جميع المدارس الامتثال للمنهج الوطني وتقديم اختبار شهادة الثانوية العامة وامتحانات المستوى أ "المتقدم" (A Levels). وعلى حد قول كونيل، "أصبح الأمر صعباً على الكليات المهنية الجامعية لأنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها... وكان هناك 48 مدرسة تعمل لتحقيق أقصى الممكن".
وفي بعض الحالات، قدم الرعاة [للمدارس العادية] مرافق تدريب على أحدث طراز، ونماذج من ورش العمل، واستوديوهات، وغيرها الكثير. وهكذا تم نسف الاختلاف بين الكليات المهنية الجامعية والمدارس العامة بحيث أصبحت ميزة الكليات الفريدة والجاذبة في خطر. لماذا الانتقال إلى مدرسة أخرى، لم يتم تجربتها من قبل، وربما من الصعب الوصول إليها، بينما المعروض لا يختلف جوهرياً وهو في الأساس نفسه، وهناك فقط بعض الإضافات غير الجوهرية، هي الفرق؟
وكما هو الحال دائماً، كانت هناك قضايا التمويل، والتي تفاقمت بسبب اعتماد الكليات المهنية الجامعية على عدة مصادر مختلفة للتمويل. وكانت التوقعات تشير إلى أنه سيجري جمع الأموال من قطاع الأعمال والصناعة، وبخاصة المحليين، مع توفير هذه المدارس –بالنسبة إلى البعض في الأقل– لقناة تغذية ترفدهم بالموظفين المهرة أو المهرة جزئياً. غير أنه، ولسبب من الأسباب، كان الدعم أقل من المتوقع وأقل سخاءً مما كان مأمولاً، مما جعل وزارة التعليم (بالتالي دافعي الضرائب) يتحملون مزيداً ومزيداً من التكاليف. وعلى حد قول كونيل "إذا كنت تريد إحداث ثورة في المنظومة، فسوف تحتاج إلى نموذج قابل للتكرار" - ولكن الكليات المهنية الجامعية أثبتت أنها ليست ذلك النموذج.
ومع مرور السنين، عالجت بعض كليات المهنية الجامعية مشكلة الفئة العمرية من خلال تكييف موادهم الدراسية لتبدأ من سن 11 سنة، وتحويل نفسها إلى معاهد تحضيرية، أو الانضمام إلى مدرسة أخرى وتشكيل ما يسمى مؤسسة الأكاديميات [المناهج] المتعددة. ومع ذلك، وفي ظل بعض الاستثناءات البارزة، لم يؤدِّ ذلك إلى أي إصلاح كبير في مجال التعليم المهني على النحو الذي كان يأمله بيكر.
لذلك، فإن كلية سير سايمون ميلتون المهنية الجامعية في وستمنستر تندرج ضمن هذه الصورة الكبرى، ولكن كانت هناك أيضاً بعض العوامل الخاصة والمحلية التي جعلت استمراريتها صعبة بشكل خاص وحولتها في غضون أربع سنوات من مشروع رئيس بارز إلى عبء باهظ ومشروع مخيب للآمال.
ولفت سايمون كونيل إلى بيئة التعليمية التنافسية خصوصاً في لندن. إن التحسن الهائل الأخير في مدارس العاصمة، التي شهدت ارتقاء لندن من المراتب الدنيا تقريباً في جداول الأداء الوطني إلى مراتب القمة، يعني أن الأهالي لديهم رغبة أقل للنظر خارج مناهجهم الحالية. وكان التوقيت مؤسفاً أيضاً، لأنه في حين كان هناك نقص في المقاعد داخل المدارس الثانوية في بداية العقد، إلا أنه بحلول عام 2017، بدأت القوائم المدرسية في الانخفاض. وكان هناك أيضاً كلية مهنية جامعية على بعد أقل من ثلاثة أميال، في منطقة ساوث بانك.
ولكن بيت القصيد قد يكون إلى أي مدى أصبحت الكلية المهنية الجامعية لعبة سياسية - وبدأ ذلك بسبب اسمها. كان السير سايمون ميلتون الزعيم الأطول خدمة في مجلس وستمنستر وكان يحظى باحترام كبير كمسؤول متمكن - وفي الواقع، كان يتمتع بسمعة حسنة حتى إنه في عام 2008 قام بوريس جونسون بإقناعه بإيجاد حل للفوضى التي سادت في مجلس المدينة [لندن]، لكن ميلتون كان يعاني معظم حياته اعتلالاً صحياً، وبعد ثلاث سنوات توفي عن عمر يناهز 49 سنة فقط.
صممت الكلية المهنية الجامعية في وستمنستر وجرى تمويلها جزئياً من قبل المؤسسة الخيرية التي أنشئت باسم ميلتون، لذلك كان من الطبيعي أن تصبح واحدة من عدة مواقع في وستمنستر التي تحمل اسمه الآن، لكن ذلك جعلها توصف بأنها مشروع لـ"المحافظين" في منطقة بات يسيطر عليها الحزب العمالي، وفي وقت –كما اتضح في انتخابات المجلس هذا العام– فقد فيه حزب المحافظين زمام السيطرة على مجلس وستمنستر.
وعارض حزب العمال المشروع بكل الطرق الممكنة، وعلى وجه الخصوص، مبلغ الـ"مليونى جنيه استرليني من أموال دافعي الضرائب" (2.36 مليون دولار) التي استثمرها المجلس في ما اعتبره أعضاء حزب العمال مشروعاً محكوماً عليه بالفشل. لن يذرفوا الدموع على المشروع الذي سيغلق قريباً بعد أن فازوا بالسيطرة على المجلس في مايو (أيار) الماضي.
في حال نجاة أي من الخطط المذكورة بهذا الشأن من الإهمال بسبب الاهتمامات الأخرى التي تواجه هذه الحكومة حالياً سيكون هناك تركيز جديد ليس فقط على تسليح موظفي الغد بالمهارات التي يحتاجون إليها، ولكن على الارتقاء بالمهارات الفنية
وبالنسبة إلى الكلية المهنية الجامعية في وستمنستر، كان أندرو كريستي [من مؤسسة السير سايمون ميلتون] يبذل جهوداً كبيرة لتأكيد أنه، في ما يتعلق به، فإن المجلس المحلي لا يتحمل بأي حال من الأحوال المسؤولية عن فشل المشروع. وأوضح أن السلطة المحلية لديها "تأثير ضئيل نسبياً وسيطرة أقل". وأشار بدلاً من ذلك إلى وزارة التعليم، التي تعتمد وتصرح بصرف مبالغ كبيرة من التمويل للكليات المهنية الجامعية (كما هو الحال بالنسبة إلى الأكاديميات والمدارس المجانية)، وإلى العوامل الخاصة بلندن التي سبق ذكرها، وإلى انقسام في المبادئ بين المحافظين حول ما يجدر فعله. وعلى وجه الخصوص، أشار إلى أن المحافظين قد فوتوا فرصة للتعاون مع أكاديمية قريبة.
وفي ضوء كل ما قيل، ومع ذلك، من الصعب القول إن فشل الكليات المهنية الجامعية في وستمنستر يقتصر إما على خصوصية لندن وسياقها السياسي للغاية، أو على العيوب في المفهوم الأولي الذي يحدد سن 14 سنة بسن الالتحاق. ومن نواحٍ عديدة، تعكس مشكلاتها، مثل مشكلات الكليات المهنية الجامعية الأخرى، فشل المملكة المتحدة الطويل الأمد والشامل في تقديم بديل جذاب بما فيه الكفاية للمناهج الأكاديمية المتزايدة التي أصبحت سائدة – حتى في ظل استمرار السياسيين ورجال الأعمال والصناعة في التذمر من الافتقار إلى "المهارات".
يستشهد بألمانيا دوماً على أنها مثال يحتذى في كيفية القيام بهذه الأمور في ظل وجود مدارس ذات كفاءة مخصصة للتلاميذ ذوي مستوى أكاديمي ومؤهلات أدنى، لا سيما من حيث المهارات العملية التي تحظى بتقدير كبير، وذلك صحيح، ولكن في حين أن ألمانيا قد تكون النموذج المثالي، فإن العديد من الدول الأوروبية تمكنت من تزويد شبابها بمزيج من الكفاءة في العلوم الأساسية، إلى جانب التأهيل المهني في المهارات العملية، واحترام ذلك كشيء يستحق اكتسابه. لا يوجد في أي مكان تقريباً الفجوة نفسها في الوضع الاجتماعي بين الجانب الأكاديمي والعملي كما هو الحال في هذا البلد، كما أن اعتبار الجامعة هي السبيل الوحيد المتاح للتعليم أسهم في زيادة عمق الهوة.
على الرغم من كل ذلك، كان كينيث بيكر يحاول بحزم معالجة المشكلتين المتمثلتين في نقص المهارات بالمملكة المتحدة والمستوى المتدني لعديد من المؤهلات التقنية والعملية حيث أثبتت الكليات المهنية الجامعية التي أسسها عدم أهليتها لهذه المهمة. ولم يكن من الممكن تكييفها لتلائم المنظومة، ولكنها أيضاً لم تحصل على دعم كافٍ لتحدي المنظومة وتغييرها.
ومن وجهة نظر بيكر، في الواقع، ساءت الأمور ولم تتحسن. فمن بين الأمور الأخرى التي كان تحمس لها وهي مؤهلات مجلس تعليم الأعمال والتكنولوجيا في المهارات العملية يجري التخلي عنها ليحل محلها برنامج "المستوى ت" التقني/المهني (T-Levels) الموجه نحو التوظيف، والذي يرى أنه غير مجرب ولا يقدم بديلاً مناسباً لبرنامج مستوى أ المتقدم (A-Levels) كمسار لإكمال التعليم العالي. وفي رأيه، يكمن الخطر في أن ذلك يضيق فقط الخيارات لأولئك الذين ليس لديهم ميل كبير في الدراسة الأكاديمية. هذا، ولا تزال مشكلة التعليم المهني والتدريب قائمة.
ويظل الموقف السائد [في المجتمع]: أن المهارات التقنية والتدريب مفيدان جداً للأمة وللأطفال الآخرين، ولكن ليس لأطفالنا. لا يزال التعليم الموازي والكليات المهنية –في أذهان كثير من الناس في الأقل– قطاعاً من الدرجة الثانية، وبالنسبة إلى كل من يلوم توني بلير على رغبته في أن يلتحق 50 في المئة من خريجي المدارس بالجامعة (بالتالي خفض نسب إمكانات التدريب الأخرى)، يعتقد آخرون أن نسبة 50 في المئة ليست طموحة بما فيه الكفاية.
هناك علامتان يمكن الاستدلال بهما بإمكانية حصول تغير في المستقبل، ويقودنا ذلك إلى فكرة محيرة هي أن الكليات المهنية الجامعية لبيكر، على الرغم من عيوبها وأخطائها الكثيرة، يمكن أن تكون في الواقع سابقة لأوانها. والعلامة الأولى هي الكتاب الذي نشر العام الماضي من تأليف ديفيد غودهارت – الذي لديه موهبة في توقع التغييرات في التوجه العام قبل حدوثها. وعنوان الكتاب يتكلم عن نفسه، "الرأس، واليد، والقلب: لماذا المبالغة في مكافأة الذكاء، وأهمية العمال اليدويين، وإبداء احترام أكثر لمقدمي الرعاية" Head، Hand، Heart: Why Intelligence Is Over-Rewarded، Manual Workers Matter، and Caregivers Deserve More Respect.
والعلامة الثانية تتمثل في الاهتمام ليس فقط "بالمهارات"، ولكن كيفية تنظيم اكتسابها والتحقق منها، وفقاً لما هو موضح في الوثيقة البيضاء الحكومية بعنوان: تحقيق المساواة في المملكة المتحدة. العديد من التغييرات المقترحة هنا هي تكرار لما كان بيكر يحاول القيام به في الكليات المهنية الجامعية. والخطة الآن، على الرغم من ذلك –وهي خطة مفصلة للغاية- تكمن في دمجها في المؤسسات القائمة، بما في ذلك كليات التعليم الإضافي، بدلاً من النظر إليها كمنافس.
بطبيعة الحال، يتعلق هذا بالمصلحة الوطنية للبلاد والمخاوف من عدم المساواة والتخلف في النهوض الاجتماعي في المملكة المتحدة، كما توضح الوثيقة البيضاء (وكلامها معروف جيداً): "تشهد المناطق الجغرافية الأكثر حرماناً في المملكة المتحدة أيضاً انتشاراً أعلى للأجور المنخفضة والاعتماد الأكبر على الدعم الاجتماعي". في حال نجاة أي من الخطط المذكورة بهذا الشأن من الإهمال بسبب الاهتمامات الأخرى التي تواجه هذه الحكومة حالياً –من متاعب رئيس الوزراء الشخصية وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية وارتفاع التضخم والحرب في أوكرانيا– سيكون هناك تركيز جديد ليس فقط على تسليح موظفي الغد بالمهارات التي يحتاجون إليها، ولكن على الارتقاء بالمهارات الفنية.
قد تسلك الكليات المهنية الجامعية التي استحدثها كينيث بيكر –المجسدة في مصير الكلية المهنية الجامعية في وستمنستر– مسار الجهود الفاشلة الأخرى لتحسين سجل المملكة المتحدة المؤسف في التدريب على اكتساب المهارات، لكن العديد من المبادئ التي كانت تهدف إلى تكريسها، بما في ذلك التركيز على العلاقات المحلية، ومشاركة أرباب العمل والجامعات في عمل واحد، وتوفير قناة متميزة لأولئك الذين يسعون إلى التعليم الفني، ما زالت باقية وستواصل الكفاح.
نشر في اندبندنت بتاريخ 6 يوليو 2022
© The Independent