أعلنت وكالة "فيتش رايتنغ" للترقيم الائتماني إدخال تعديلات في سلّم التقييم المعتمد لديها، وأدخلت تغييرات على مستوى تصنيف CCC ما سينتج منه تغيير في ترقيم عدد من البلدان المصنفة في هذا الترتيب، وينتظر بناء على ذلك، تأثر تونس بطريقة مباشرة بحكم أنها مصنفة بهذه الدرجة منذ مارس (آذار) المنقضي، حيث يتوقع إدخال تعديل على التصنيف بسبب تواجدها بالدرجة المشمولة بالتعديل، واختلف خبراء في تحليلهم لـ"اندبندنت عربية " حول مستوى التصنيف الجديد المنتظر وتداعياته ومدى أهميته في الظرف الصعب الذي تمر به المالية العمومية، والشكوك حول مقاومتها الأزمة وقدرتها على الوفاء بالتزامات البلاد المالية، على الرغم من اتفاقهم حول العوامل المتوافرة التي من شأنها تحسين التصنيف أو المساهمة في انحداره بالنظر للمؤشرات المالية الراهنة وتطورها وتأثيرها في قدرة تسديد الديون بالعملة المحلية والأجنبية.
وكانت وكالة "فيتش" قد خفضت تصنيف تونس السيادي من B سلبي إلى CCC ما انعكس بالسلب على الوضع الاقتصادي بسبب العجز عن الاقتراض من السوق الخارجية بحكم بلوغها مرحلة عدم اليقين والشكوك حول القدرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية، وهي بالأساس تسديد ديونها الداخلية والخارجية الراجعة لاتفاقيات ثنائية أو سندات، وانحدر تصنيف "فيتش" قبل ذلك في يوليو (تموز) 2021 إلىB سلبي بسبب عدم التوصل إلى اتفاق حول قرض جديد مع صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى ارتفاع مستوى المخاطر على السندات التونسية، بالتالي إمكانية التخلف عن سداد الديون، قبل أن يزداد مستوى المخاطر بتخفيض التصنيف إلى CCC، وقد بينت وكالة "فيتش" أن الدافع الأساسي لهذا القرار هو تنامي المخاطر المتعلقة بالسيولة بالدينار والعملات الأجنبية على حد السواء بسبب التأخير الذي تعرضت له السلطات التونسية في إبرام برنامج مع صندوق النقد الدولي.
ويمثل هذا التصنيف وجود احتمال كبير لعدم السداد وهي درجة مساوية لتصنيف وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني وهي CAA1 مع نظرة مستقبلية سلبية، والذي صدر في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، كما توقعت "موديز" آفاقاً سلبية للقطاع البنكي في تقرير لها منذ أسابيع في ظل ما اعتبرته تواصل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وأوضحت أن ذلك يعود إلى ضعف الحوكمة وزيادة عدم اليقين في ما يتعلق بقدرة الحكومة على تنفيذ التدابير التي من شأنها ضمان الوصول مجدداً إلى التمويل لتلبية الحاجيات المرتفعة على مدى السنوات القليلة المقبلة، كما حذرت من عدم قدرة تونس على تسديد ديونها إذا لم يتم تأمين تمويل كبير.
منع تعبئة تمويلات
وذكرت نجلاء بودن رئيسة الحكومة التونسية أن "التخفيضات المتواترة للترقيم السيادي لتونس حالت دون تعبئة التمويلات الخارجية بالقدر المطلوب، وأدت وضعية المالية العمومية الخانقة جراء العبء الكبير لنفقات التصرف في سياق اتسم بانخفاض النمو الاقتصادي والمناخ الاجتماعي المتوتر إلى تفشي الخصاصة والفقر، وأن المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغ مليونين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أن تونس عجزت عن الخروج إلى السوق المالية العالمية للاقتراض منذ ثلاث سنوات بسبب تدني التصنيف بعد أن بلغ قائم الدين العمومي 107.8 مليار دينار (33.2 مليار دولار) أي 85.45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتسعى البلاد إلى الحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي للتغلب على الصعوبات المالية ومنها العجز الموجود في موازنة 2022 والمقدر بـ 9.2 مليار دينار (2.9 مليار دولار) علاوة على حاجيات لتعبئة موارد خارجية قدرها 10 مليارات دينار (3.1 مليار دولار) لخدمة الدين للسنة الحالية.
ترتيب المخاطر القرضية
واعتبر محمد صالح سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي أن التعديل الذي أجرته وكالة "فيتش" على سلم التصنيف لديها من شأنه أن يمنحها مرونة أكبر في ترتيب مخاطر الدفع أو التخلف عن سداد الديون، والمقصود هنا الالتزامات المالية للبلدان بهذا الترتيب وهوCCC ومنها تونس، وتلي هذه الدرجة التي تشير إلى الشكوك حول القدرة على السداد درجة CC وادخال تغيير على درجة CCC يعني خلق مراحل قبل الانحدار إلى درجة CC وهي مرحلة التخلف المؤكد عن السداد، وتتذيل هذه الدرجة قائمة التصنيف، ويمثل التعديل منح تونس والدول الموجودة فيه إما مرتبة CCC إيجابي أو CCC سلبي أو مواصلة التواجد في التصنيف من دون ملاحظة، أما ما دفع إلى هذا التغيير هو اختلاف الوضعية المالية للبلدان الموجودة فيها بل تفاوتها، ما حتّم إعادة ترتيبها داخل التصنيف من الأكثر مخاطر إلى أقلها بسبب ما طاول تصنيف "فيتش" من انتقادات بحكم التفاوت في الوضعيات المالية للبلدان المصنفة في الدرجة نفسها، والتي لا تقف عند المرحلة عينها من المخاطر القرضية.
ولم تعبر تونس مثلاً عن رغبتها في إعادة جدولة ديونها كما لم تتخلف على سداد الأقساط، وقد بلغت خدمة الدين في النصف الأول من هذه السنة 3.8 مليار دينار (1.18 مليار دولار) من مجموع 14.3 مليار دينار (4.4 مليار دولار) لكامل عام 2022، وأضاف سويلم أن الوضعية لم تقترب بعد من مرحلة التخلف بل هي مستقرة مقارنة ببلدان أخرى بالتصنيف نفسه، وقد حسنت وكالة "فيتش" بهذا التغيير سلّم التقييم لديها، وأضحى أكثر دقة، فتصنيف تونس بدرجة CCC لا يتناسب مع القدرة الحقيقية في الاستجابة للالتزامات إلى حد الآن على الأقل، بينما يمثل الاقتراب الحالي منCCC إيجابي، تكييفاً نحو الآفاق الموجودة في انتظار المستجدات، وهي الحفاظ على نسق الاستجابة للالتزامات من عدمه.
بالنسبة لتونس التي تخضع مثل بقية البلدان إلى فلسفة وكالة الترقيم وهي الاقتراب من الإخلال بالالتزامات المالية أو الابتعاد، والذي يساوي درجة داخل التصنيف CCCفهو علامة الآفاق سلبية أو إيجابية، من جهة أخرى، اعتبر سويلم أن أسعار المواد الطاقية والدولار ترهق الميزان التجاري في تونس وتؤثر في مخزون البلاد من العملات، ويساوي حالياً 23.9 مليار دينار (7.46 مليار دولار) وهو مستوى مستقر مقارنة بعام 2021 لكنه يعادل 118 يوم توريد، وحسب، بعد أن كان يساوي 138 يوم توريد باحتياطي لا يتجاوز 21 مليار دينار (6.56 مليار دولار) عام 2021، ويعود ذلك الى ارتفاع قيمة يوم التوريد إلى 202 مليون دينار (63.1 مليون دولار) بسبب ارتفاع أسعار السلع في الأسواق العالمية وبخاصة منها الأساسية التي تتزود بها تونس باستمرار، وأهمها الحبوب والنفط والغاز، ولم تتجاوز قيمة يوم التوريد منذ فترة غير بعيدة 155 مليون دينار (48.4 مليون دولار).
ولم تنشئ وكالة "فيتش" جديداً، وفق محمد صالح سويلم بخصوص التصنيف بالعملة المحلية والعملات الأجنبية، فهو معتمد لديها سابقاً ولدى الوكالات كافة، وتنخفض مستويات المخاطر لدى تصنيف تونس بالعملة المحلية بحكم قدرة الدولة على خلق العملة المحلية لخدمة الدين، ومن الصعب التخلف عن التسديد بالعملة الوطنية مقابل المخاطر المحيطة بالتسديد بالعملات لأنه موكول إلى احتياطي العملات في حال استحقاقات بالعملة الأجنبية.
الحرب أحيت التصنيف المهجور
استبعد الخبير الاقتصادي وسيم بن حسين حصول تأثير في وضعية تونس المالية في السوق العالمية بسبب التعديلات التي أحدثتها وكالة "فيتش"، فذلك لا يؤثر بالسلب أو الإيجاب في الوضع الائتماني إذ يتواصل نفسه وتهدده الآفاق السلبية، وإن راجعت الوكالة التصنيف نفسه، وأضافت صفة الآفاق الإيجابية على التصنيف نفسه، وأضحى CCC إيجابياً، فإن ذلك لن يحسن من الدرجة السلبية ولن يساعد تونس على الاقتراب من المرحلة التي تمكنها من الخروج للسوق المالية العالمية للاقتراض بفوائد معقولة أو مريحة، ويمثل الدافع الحقيقي لهذا التغيير نزول عدد الكبير من البلدان إلى هذا التصنيف بعد أن كان شبه مهجور بفعل الحرب الأوكرانية والصعوبات المالية التي تسببت فيها لهذه الدول وأهمها ارتفاع المخاطر القرضية ودخولها مرحلة عدم اليقين بخصوص القدرة على تسديد الديون، وبطول القائمة التي تجاوزت 10 دول، أضحى من الضروري على الوكالة المختصة مراجعة ترتيب المخاطر من القريبة إلى العجز على السداد إلى الأبعد مروراً بمتوسط المخاطر لإضفاء الدقة على التصنيف. وذكر بن حسين أن درجة CCC لدى "فيتش" كانت تقريباً خارج التصنيف بحكم ندرة تواجد البلدان فيه، ورأى أن الترقيم الائتماني لتونس لا يخضع إلى هذه التعديلات في الوقت الراهن بقدر ما سيتأثر بالمستجدات المرتقبة وأهمها الاستفتاء الذي سيقام في غضون أيام والمناخ الاجتماعي، وفي مرتبة أولى نتيجة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الدائرة بالعاصمة تونس.