تباً! يا له من يوم حار حارق! لسنا معتادين فعلاً على هذا النوع من الأمور أليس كذلك؟ واسمحوا لي القول إنه يجب ألا نكون. ليس الأمر صحياً بأي شكل من الأشكال أن نعتاد على ذلك. علينا أن نوقفه، علينا أن نضع حداً لأزمة المناخ، وعلينا أن نكون صادقين بأن الأمر سيكون مؤلماً. يقال إن الوقاية خير من العلاج، خصوصاً حينما يكون العلاج غير موجود.
تسري أحاديث في الوقت الحالي في شأن آليات التخفيف التي بوسعنا اعتمادها للتعامل مع موجات الحر كهذه، التي ستكون أكثر شيوعاً بكل تأكيد خلال العقود القادمة. ووفق أسوأ سيناريو منطقي، قد تتكرر هذه الموجات كل ثلاثة أعوام تقريباً. وإذا أردنا أن نعتمد السيناريو الأكثر تفاؤلاً، يمكننا القول أنها ستتكرر كل 15 عاماً. فما الذي يجب أن نفعله؟
بالتأكيد يجب ألا نتغاضى عن الأمر وتعلم كيفية التأقلم والعيش معه (ينطبق الأمر نفسه على فيروس كورونا، ولكن تلك قصة أخرى). ستنحسر الموجة الحالية مع حلول يوم الأربعاء، ولكن المقارنات مع الصيف الطويل الجاف الذي شهدناه في عام 1976 (الذي استمتع بعضنا خلاله بحمام شمس) لا تزال جائزة.
لقد تميز صيف عام 1976 بأنه كان فترة مطولة من الطقس الحار التي تسببت بجفاف مع انتشار صنابير مياه في الشوارع وتعيين "وزير للمطر" (الرغبة السياسية الملحة للتدخل غير المجدي ليس بالأمر الجديد)، فضلاً عن فشل محصول البطاطا. وكمكافأة غير متوقعة، دفع ذلك الجفاف بسيدات إعداد الطعام في المدارس إلى تقديم "بدائل البطاطا" للأولاد، وكانت تلك عبارة عن مأكولات شهية كالأرز والباستا. وهكذا، تبدل مطبخ البلاد إلى الأبد.
لسنا قريبين من ذلك العام أبداً. ولكن، إذا كان ذلك النوع من الصيف الذي حظينا به في عام 1976 سيتكرر بشكل متواتر، فلم يعد استخدام المسكنات أمراً وارداً بقوة. إن كل ما بوسعنا فعله على سبيل التخفيف أو التسكين من المشكلة، سيكون إما من دون جدوى أو سيزيد الأمور سوءاً.
تتمحور إحدى الأفكار السخيفة حول البدء بتركيب مكيفات هواء في كل مكان، ما سيزيد من استهلاك الطاقة وإنتاج غازات الدفيئة التي تتسبب بالمشكلة [أي موجات الحرارة غير المألوفة] في المقام الأول من خلال التغير المناخي. كذلك نستطيع بناء مراكز تجارية مسورة في المدن مع إحاطتها بعوازل بهدف للمحافظة على انتعاش مجموعة المتسوقين الذين يتضاءل عددهم، على غرار ما يفعلون في إيطاليا، بيد أن هذا الأمر يتطلب كميات هائلة من الحجر والحديد، ما يزيد استهلاك الطاقة وانبعاثات لغازات الدفيئة.
وبصورة مماثلة، بوسعنا إعادة رصف الطرقات كلها من جديد واستبدال جميع مسارات السكك الحديدية، ولكن مجدداً، يبدو الأمر غير متناسب [مع مشكلة الحرارة] ويمثل موقفاً خاطئاً في التأقلم مع الأزمة المناخية، إضافة إلى أنه أمر غير ممكن في نهاية المطاف. وبدلاً من ذلك، تتوجب الوقاية من المشكلة أو وضع حد لها. ففي حال بدأت المملكة المتحدة تشهد فصول صيف طويلة تتخطى فيها الحرارة 40 درجة طوال الوقت، سيكون أمامنا أمور أهم من تجنب ضربة شمس كي نقلق بشأنها، على غرار إيجاد ما يكفي من الطعام والمياه لتلبية طلب السكان.
انطلاقاً من هذا، لا يتوجب علينا الاستسلام لإغراء طلب مزيد من الجعة الباردة أو نبيذ "بينو غريجيو" والاستلقاء تحت أشعة الشمس وتحويل منازلنا إلى ثلاجات ضخمة. إن أسوأ ما يمكننا فعله هو تركيب وحدة تبريد قبيحة وصاخبة ومبذرة، بينما تكمن أفضل الخطوات التي يمكننا اعتمادها في الحد من استهلاكنا للطاقة، حتى إن كان هذا الأمر مؤلماً. نود استرجاع صيفنا الفاتر والرطب!
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يجب أن يعلي أحدهم الصوت ويقول بالفم الملآن إن الحد من التغيير المناخي وانبعاثات غازات الدفيئة يعني أنه يجب أن نعتمد معايير عيش أسوأ من تلك التي اعتدنا عليها في الحقبة الكارثية للغاز الزهيد حينما أحرقنا بلا مبالاة هذا المخزون الثمين في بحر الشمال لإنتاج الكهرباء المتدنية التكلفة (وجزئياً لأن حزب المحافظين أراد إغاظة عمال المناجم).
على الأقل، يعتبر مؤيدو "حزب الخضر"، على الرغم من غرابة أطوارهم، صادقين بشكل قاطع في شأن ما يعنيه المستقبل الأخضر، إذ تشمل غرائبهم الحد من السفر في رحلات جوية طويلة للذهاب في عطلات وقيادة سيارات صغيرة، واستهلاك كميات أقل من اللحوم. ويعني هذا أيضاً أنه يتوجب علينا أن نكون أكثر جدية في ما يتعلق بتصفير الانبعاثات والذهاب أبعد من الاكتفاء بعمليات إعادة تدوير محدودة.
إن الاستثمار في الطاقة الخضراء مكلف للغاية، خصوصاً في الطاقة النووية، حتى وإن كان الأمر منطقياً على المدى الطويل، وهو في بعض الطرق غير اقتصادي. وكذلك فإن التكسير الهيدروليكي واستخراج مزيد من بحر الشمال بغية خفض فواتير الغاز والوقود (وهو أمر لن يدوم لسنوات على أي حال) يتسلح بمبررات تجارية أقوى، لكنه يعني حرق مزيد من الوقود الأحفوري ومفاقمة المشكلة العالمية. أخشى أنه يجري استغلال تكلفة الأزمة المعيشية وتحويلها إلى سلاح، بهدف إبعاد البلاد عن تحقيق هدف تصفير الانبعاثات، بالتالي قطع الطريق على العودة إلى ذلك الحل السهل.
في الوقت الراهن، تبرز مؤشرات مقلقة بأن رئيس الحكومة القادم سيعمد إلى "تعليق" (أي إضعاف أو التخلص من) الحملة للوصول إلى تصفير الانبعاثات وخفض الرسوم على الوقود والضرائب الخضراء، بغية جعل حرق الوقود الأحفوري أقل تكلفة، مع خفض تمويل الطاقة النظيفة الجديدة والمنازل العازلة [بمعنى وضع واقيات حرارية تعزل جدرانها عن الحر والبرد].
وفي هذا السياق، تعتبر كيمي بادينوك [وزيرة الدولة السابقة لشؤون المساواة] مثلاً أنها لن تدعم خطة تصفير الانبعاثات إن كان ذلك يعني إفلاس البلاد أو إرسال الصناعات للعمل في الخارج، على الرغم من أنها لم تقدم أي دليل عن سبب بلوغ أي من الحالتين [الإفلاس والانتقال إلى الخارج] في إطار التزامات التي تضمنها قمة المناخية العالمية "كوب 26" [استضافتها بريطانيا في 2021]. ووفق كلمات بادينوك، "إذا وردت أي نقاط في الخطة من شأنها أن تؤدي إلى إفلاس البلاد، سأغيرها. وإذا كانت الخطة تنطوي على أمور تصعب الحياة بالنسبة للأشخاص العاديين سأغيرها أيضاً. أؤمن بوجود تغيير في المناخ، لكن علينا مواجهته بطرق مستدامة".
لاحظوا استخدام كلمة "لكن" المرادفة للجمع بين المتناقضات أو رفض تقبل فكرة أن أسلوب حياتنا سيصبح أصعب إذا أردنا إنقاذ الحياة على الأرض.
ومن جهة أخرى، تعلن ليز تراس (وزيرة الخارجية) بأنها دعمت الهدف [تصفير الانبعاثات] لأن الاعتراف جهاراً بالتخلي عنه سيكون أمراً صريحاً للغاية، ولكن "علينا السعي إلى بلوغه بطريقة لا تؤذي الأشخاص والأعمال"، بحسب قولها، فضلاً عن أنها تريد تعليق الضريبة الخضراء على فواتير الطاقة.
كذلك تود بيني موردونت (وزيرة الدولة للتجارة الدولية) أن تجعل النفط والديزل أرخص سعراً، ما يعني حرق مزيد من الوقود في سياراتنا القديمة والملوثة. ومع ذلك، سيتأذى الأشخاص والأعمال على المدى القصير بسبب التحول إلى الطاقة الخضراء. سيترتب عن ذلك خسائر وخاسرين، وفق ما تكونه الحال في كل تغيير اقتصادي.
في منحى مواز، أيد ريشي سوناك (وزير المال السابق) ذلك الهدف مشيراً إلى أنه الإرث المتبقي لأولادنا وأحفادنا، وهو [التأييد] أمر مشجع للغاية. وأضاف، "لكن، يتوجب علينا الحصول على تأييد الناس لأنه إذا اتجهنا بطريقة قاسية وسريعة للغاية، فسنخسر الناس وهذه ليست الطريقة لبلوغ الهدف". أترون، قلت لكم إن كلمة "لكن" حاضرة دائماً.
لا يزال التجاهل سيد الموقف تجاه الخطر الوجودي الذي يطرحه التغير المناخي. وعلى غرار ما تشير إليه بادينوك فإن الهدف الذي وضع للتوصل إليه بحلول عام 2050 يمتد طويلاً إلى وقت تكون فيه حكومة المحافظين هذه طرحت خارج الحكم، وستكون شخصيات الحزب الخمس الشهيرة تحولت من روتين الظهور في برنامج "ويكست لينك" [الحلقة الأضعف] Weakest Link إلى برنامج الواقع البريطاني "I"m a celebrity … get me out of here" [أنا شخصية مشهورة أخرجوني من هنا]، أو برنامج الرقص "ستريكتلي كام دانسينغ" [تعال وأرقص بالضبط] Strictly Come Dancingأو ستكون قد دخلت إلى مجلس اللوردات أو الأمور الثلاثة معاً.
بالتالي، لا بد من إرساء خطة أمتن وأقوى بغية إنجاز الأمور. ولكن، لم ينشر أي من المرشحين نقاطاً تتعلق بهذه المسألة ربما خوفاً من إثارة هلع ناخبيهم ممن يفضلون نسيان كل ما يتعلق بأمور التغيير المناخي غير الملائمة.
على الرغم من أن عديداً من المرشحين لزعامة حزب المحافظين يتكلمون في شأن إخبار الشعب بالحقيقة والتخلص من الأوهام "الجونسونية" [إشارة إلى بوريس جونسون] للجمع بين المتناقضات في الإطار السياسي [يشار إليه بمصطلح الكعكية، وقد جاء التعبير جاء من المثل المعروف "من المستحيل أكل الكعكة والاحتفاظ بها في الوقت نفسه"]. وفي منحى أكثر شمولاً، لا يجرؤ أي منهم [المرشحون الخمسة] على الإقرار بأن بعض التضخم الذي نعانيه جاء نتيجة "بريكست" [خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي] الذي خفض قيمة الجنيه الاسترليني وأحدث نقصاً في اليد العاملة وزاد تكاليف الأعمال وأوجد خللاً في سلاسل التوريد.
كذلك أدى "بريكست" إلى جعل فواتير الغاز الكهرباء المرتفعة أصلاً أمراً لا يمكن تحمله. غالباً ما يحدث التضخم بسبب شراء القليل من السلع الغذائية مقابل الكثير من المال. في المقابل، إن التضخم الحالي الذي تعانيه بريطانيا ليس بسبب تزايد الطلب بقدر كونه قد جاء بسبب تراجع حاد في توريد السلع والخدمات فاقمته عملية "بريكست".
واستطراداً، لن تؤدي زيادة أسعار الفائدة أو التخفيضات الضريبية إلى إصلاح هذا النقص في القدرة الإنتاجية للاقتصاد. حتى الآن، لم يخبرنا أحد بشأن الخيارات غير المستساغة والمستقبل القاسي المحدود النمو الذي ينتظرنا ما بعد "بريكست". ومن دون مواجهة الشعب بتلك النقاط، من شأن أي حكومة عتيدة أن يكون مصيرها الفشل وإحداث خيبة أمل للمجتمع الانتخابي.
ومن المنظار نفسه، إن الطقس الحار جداً الذي نشهده هو صرخة أمنا الطبيعة التي تطلب المساعدة، بيد أن زعماءنا سيفضلون تجاهل هذه الصرخة حتى إن كنا نلمس الدليل لمس اليد.
وتعتبر هذه الأيام القليلة من الطقس الغريب من عوارض التغيير المناخي الذي صنعه الإنسان، بالتالي فإن وقف تفاقمه وتحوله إلى طقس أكثر طبيعية، يعني أنه سيتوجب اتخاذ بعض القرارات الصارمة في شأن أسعار الطاقة والتكلفة الصريحة للاستثمار في الطاقة النظيفة والمستقبل الأخضر والفواتير المرتفعة الطويلة الأمد المتعلقة بتشغيل منزل وشراء سيارة كهربائية وعدم السفر في عطلات خارج البلاد.
إن أول سياسي يعدكم بذلك سيكون شخصاً يخبركم الحقيقة من دون مواربة وعليكم بالتالي التصويت لمصلحته. وهذا السياسي ليس بالتأكيد من اللائحة التي تضم سوناك وموردونت وبادينوك وتوجندات وتراس.
نُشر في "اندبندنت" بتاريخ 18 يوليو 2022
© The Independent