منحت اللجنة العسكرية المشتركة جرعة أمل جديدة لليبيين في وجود فرصة للوصول إلى سلام دائم والخروج بأزمة البلاد من بوابة الوفاق، بعد زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول عسكري بارز في بنغازي إلى طرابلس، منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2014.
هذه الزيارة أجراها رئيس الأركان في قيادة الجيش، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، للقاء نظيره في العاصمة اللواء محمد الحداد، بحضور لجنة العشرة المشكلة من الطرفين، لبحث تنفيذ الاتفاقات الموقعة بينهما سابقاً، وفي مقدمتها توحيد المؤسسة العسكرية وإخراج القوات الأجنبية من البلاد.
وعززت هذه الزيارة الإشاعات عن وجود تقارب وتوافق بين حكومة الوحدة في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة والجيش في بنغازي بقيادة حفتر، بدأ الحديث عنها بعد التغييرات المفاجئة على رئاسة مؤسسة النفط الليبية، وفتحت باباً واسعاً للتكهنات بشأن مستقبل الحكومة، التي كلفها البرلمان أخيراً برئاسة فتحي باشاغا.
اتفاقات مهمة
وخلص اللقاء، الذي جمع قيادات المؤسسة العسكرية الليبية متمثلة في رئيس الأركان في بنغازي اللواء عبد الرازق الناظوري، ورئيس الأركان في طرابلس اللواء محمد الحداد، إلى اتفاقات جديدة مهمة وخطوات عملية لتوحيد الجيش، من أبرزها الاتفاق على تسمية رئيس أركان واحد للمؤسسة العسكرية وتحديد خطوات واقعية لتوحيده.
وشدد الطرفان، في بيان، الثلاثاء 19 يوليو (تموز)، على "الرفض التام والمطلق للعودة للاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، ونبذ العنف والدعم الكامل لمدنية الدولة، وإبعاد المؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية".
ودعم البيان "جهود اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، والاستمرار في تنفيذ ما خلصت إليه في اجتماعاتها السابقة، بما في ذلك تأكيد خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية".
وأكد البيان أن من بين الاتفاقات الموقعة "تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة ملف المحتجزين والمفقودين للوصول إلى نتائج عملية في هذا الشأن، والمضي قدماً في برنامج المصالحة الوطنية وعودة المهجرين من جميع ربوع الوطن إلى بيوتهم".
ولفت إلى أنه "تم وضع خطة للبدء في تسيير دوريات حدودية مـن الوحدات المختلفة لحرس الحدود لحماية الحدود، ومنع الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة، ومكافحة الإرهاب داخل الأراضي الليبية".
نتائج مبهرة
النتائج التي خرج بها اللقاء المفاجئ الذي استضافته العاصمة الليبية بين رئيسي أركان القوات المسلحة كانت مبهرة للشارع الليبي، ولقيت دعماً كبيراً من أغلب الأطراف المحلية والدولية، التي اعتبرته مثالاً يحتذى به في كل المسارات الليبية الأخرى، خصوصاً المسار السياسي.
وعلقت المبعوثة الأممية إلى ليبيا، ستيفاني وليامز، على اجتماع رئاستي الأركان العامة للمنطقة الغربية والشرقية، واللجنة العسكرية المشتركة "5+5" وقادة الجيش في العاصمة طرابلس، داعية "الأطراف السياسية إلى أن تحذو حذوهما في روح التعاون والتوافق".
وقالت وليامز، في تدوينة لها على موقع "تويتر"، "سعدت بما خلص إليه الاجتماع بين كل من الفريق أول الحداد والفريق أول الناظوري، المبني على العمل الدؤوب الذي قامت به اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 2020".
وأشادت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، باجتماع قادة الجيش الليبي التابعين للقيادة العامة وحكومة الوحدة الوطنية الذي عقد على مدى يومين في العاصمة طرابلس، متعهدة بـ"مواصلة دعمها المحادثات في المسار الأمني".
وقالت البعثة على موقعها الرسمي، إنها "تشيد بالاجتماع الذي أجري في طرابلس في 18-19 يوليو بين قادة الجيش الليبي، وهذا الحوار المهم، وتواصل دعمها المحادثات في المسار الأمني، لا سيما تلك التي تتم من خلال اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، بما فيها التنفيذ التام لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر (تشرين الأول) 2020".
في انتظار التنفيذ
من جانبه، رأى مستشار الأمن القومي الليبي، إبراهيم بوشناف، أنه "على الرغم من إيجابية اللقاء بين الناظوري والحداد، فإن مهددات الأمن القومي لا تزال كثيرة، ونتمنى مداومة هذه اللقاءات والتوافقات، واستكمال الخطوات المعلنة في البيان الختامي للقاء".
وقال بوشناف إن "المؤسسة العسكرية قادرة على إزالة مهددات الأمن القومي، خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب ومعاونة القوات الأمنية في بسط الأمن داخل البلاد، بشرط استكمال الخطوات المعلنة في البيان الختامي، مثل الدوريات المشتركة والسيطرة الكاملة على الحدود، وهذه أولى خطوات المحافظة على الأمن القومي للبلاد".
أما بخصوص ملف المهاجرين والنازحين، فأضاف بوشناف، "ننتظر ما أعلن في هذا الشأن بخصوص المضي قدماً في المصالحة الوطنية وعودة المهجرين من جميع ربوع الوطن إلى بيوتهم".
دعم لوحدة البلاد
عضو مجلس النواب، مصباح دومة، اعتبر أن "التقارب العسكري بين أعضاء لجنة 5+5 العسكرية يعطي وميض أمل للحفاظ على وحدة البلاد واستعادة الدولة وهيبتها".
وأشار دومة إلى أن "التدخلات الأجنبية وأتباعها بالداخل لها تداعيات عميقة تؤثر على المسار الوطني الهادف إلى التغيير بانتخابات وطنية تنتقل فيها البلد إلى مرحلة تستعيد فيها ما ضاع منها طيلة فترة الانقسام السياسي".
مصير الحكومة الجديدة
في السياق ذاته، عززت التسهيلات والضمانات التي قدمت لرئيس أركان الجيش الليبي في بنغازي، عبد الرازق الناظوري، قبل الدخول إلى طرابلس، الإشاعات المتداولة عن وجود تقارب سياسي بين الجيش وحكومة الوحدة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، بداية من التغيير على رئاسة المؤسسة الوطنية للنفط، والتطورات الأخيرة التي تبعتها، وألقت بظلال من الغموض على مستقبل حكومة باشاغا، التي كلفها البرلمان قبل شهرين بقيادة البلاد في مرحلة انتقالية أخيرة تقود إلى انتخابات عامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعززت التكهنات بشأن مستقبل باشاغا وحكومته، بعد أن عبر عن رفضه للتغييرات الأخيرة في مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، التي جاءت بفرحات بن قدارة إلى رئاستها وأسقطت مصطفى صنع الله من المنصب.
وقال باشاغا، إنه "تحدث مع المبعوث الخاص وسفير الولايات المتحدة لدى ليبيا ريتشارد نورلاند. وشدد على ضرورة تجنيب المؤسسات السيادية أي شكل من أشكال الصراع السياسي".
وأضاف عبر "تويتر" أنه "شدد على أهمية الحفاظ على الحياد والشفافية بشأن إدارة الثروة النفطية لما فيه مصلحة ليبيا، واتفقنا على أن استخدام العنف أمر غير مقبول، وأن استئناف إنتاج النفط يصب في مصلحة الشعب الليبي".
وذكر باشاغا أن "هذا الأمر يتطلب آليات واضحة ومنضبطة لإدارة عائدات النفط وفق القانون ومع السيادة الوطنية الليبية البحتة"، موضحاً أنه "تم تأكيد دعمنا لجميع المسارات التي تضمن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وأهمها تنفيذ جميع مهام ومخرجات اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5)".
لا وجود لصفقة
في المقابل، رفض عضو مجلس النواب زياد دغيم ربط ما يجري بشأن المؤسسة الوطنية للنفط وآخر التطورات حولها بـ"وجود صفقة سياسية بمعنى الصفقة"، قائلاً إن "ما حدث في ما يخص المؤسسة الوطنية للنفط هو تقاطعات داخلية مع خارجية أدت لضرورة إعادة إنتاج النفط، خصوصاً في ظل أزمة الطاقة العالمية الحالية".
وأوضح دغيم، أنه "على المستوى المحلي لا شك أن المستوى الخدمي أعطى شواهد ربما تؤدي لحدوث انفجار وثورة شعبية في كل ليبيا، وهذا ما حقق تقاطعاً بين مصلحة داخلية في البلاد ومصلحة وتقاطع خارجي".