أمتار قليلة تفصل بين الأراضي الأردنية والفلسطينية، لكنها بدت أميالاً طويلة بالنسبة لآلاف الأسر الفلسطينية التي قررت قضاء عيد الأضحى في عمّان، بعد سنتين عجاف من جائحة كورونا وما تبعها من توقف للحركة بين الجانبين بشكل تام.
خلال الأيام الماضية، تقطعت السبل بكثير من العائلات والمسافرين الفلسطينيين على جسر الملك حسين، وهو الجانب الأردني من المعبر الذي يربط الأردن بفلسطين، وتكدست طوابير طويلة بانتظار العبور والعودة إلى مدنهم وقراهم، وسط حالة زحام واكتظاظ غير مسبوقة، أعادت إلى الأذهان العبور الأول لهذا الجسر في أيام النكسة الأولى عام 1967 حينما لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الأراضي الأردنية.
ووسط تبادل الاتهامات واللوم ما بين الجانبين الأردني والإسرائيلي، اضطرت عائلات وأفراد للمبيت في العراء لثلاثة أيام متتالية من دون جدوى، مع توافد نحو 30 ألف شخص دفعة واحدة وخلال ساعات قليلة نحو المعبر، الذي لا تتجاوز طاقته الاستيعابية في أفضل الأحوال أكثر من 12 ألف مسافر يومياً.
الأردن يلوم إسرائيل
السلطات الأردنية نأت بنفسها عن المسؤولية حيال ما حدث من اكتظاظ تخللته مشاهد غير إنسانية لأطفال ونساء وهم يقفون لساعات طويلة من دون عبور.
وألقت عمّان باللوم على الجانب الإسرائيلي، الذي يعمل ببطء ويسمح يومياً بدخول 80 حافلة فقط، بموازاة مطالبات من قبل السلطة والأردن لإسرائيل بفتح المعبر 24 ساعة يومياً.
وقال وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، في تصريحات صحافية، إن ثمة مشكلات لوجيستية على الجانب الإسرائيلي بشأن جسر الملك حسين، حيث إن المعبر من الجانب الإسرائيلي يفتح الساعة 8 صباحاً، وقدوم المسافرين إلى جسر الملك حسين يبدأ مبكراً، ما ينتج منه اكتظاظ.
وتحدث وزير الداخلية الأردني عن حلول أخرى من بينها الحجز المسبق لتجنب تكرار مثل هذا الازدحام مستقبلاً.
كما حمل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، إسرائيل مسؤولية ما حدث من أوضاع كارثية ومعاناة، كاشفاً عن إجراء اتصالات مكثفة مع الأردن لإيجاد الحلول بشأن جسر الملك حسين أو معبر (الكرامة) وفق التسمية الفلسطينية.
3 أيام من الانتظار
وتناقل الأردنيون والفلسطينيون على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصوراً تظهر حجم المعاناة والإرهاق لمسافرين فلسطينيين ينتظرون العبور منذ أيام، وهو ما دفع نواباً في البرلمان الأردني للتحرك ومطالبة الحكومة الأردنية باتخاذ إجراءات تخفيفية سريعة. لكن آخرين ذهبوا بعيداً على منصات التواصل الاجتماعي، وتناقلوا معلومات وتحليلات تتحدث عن موجة لجوء فلسطيني جديدة للأردن.
وقال فلسطينيون عالقون على المعبر، إنهم اضطروا لافتراش الأرض لثلاثة أيام لعدم تمكنهم من دخول المعبر باتجاه الجانب الفلسطيني. وقال آخرون إنهم دفعوا رسوماً مضاعفة لخدمة VIP بـ110 دولارات للشخص، على أمل تجنب الازدحام، لكن من دون جدوى.
وشهد جسر الملك حسين الحدودي مع الأراضي الفلسطينية عبور 155 ألف مسافر منذ مطلع شهر يوليو (تموز) الحالي، وفقاً لمدير إدارة أمن الجسور رأفت المعايطة، الذي تحدث عن أسباب إضافية عدة لهذا الازدحام من بينها عودة المغتربين وعطلة المدارس وانقطاع السفر لعامين متتاليين.
كما تتحدث وزارة الداخلية الأردنية عن زيادة غير مسبوقة في عدد المغادرين عبر جسر الملك حسين، وتشير إلى أن نحو 142 ألف مسافر غادروا المعبر حتى الأسبوع الماضي، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 270 ألفاً مع نهاية الشهر الحالي.
ازدحام مفتعل
وكانت تقارير صحافية إسرائيلية تحدثت الأسبوع الماضي عن نية الجانب الإسرائيلي فتح المعبر الحدودي مع الأردن للعمل على مدار 24 ساعة استجابة لمطلب مغربي بموازاة زيارة يجريها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي إلى المغرب، وتستمر ثلاثة أيام.
لكن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي علق على ذلك بالقول "لم يصلنا شيء رسمي من الجانب الإسرائيلي عن فتح جسر الملك حسين على مدار الساعة، ونطالب بتطبيق ذلك على أرض الواقع إذا كان متاحاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن البيت الأبيض، في 15 يوليو الحالي، موافقة إسرائيل على تمكين الفلسطينيين من الوصول إلى جسر "اللنبي" على مدار الساعة بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل.
ويقول مراقبون إن ما حدث خلال الساعات الماضية قد يكون مقصوداً ومفتعلاً من قبل إسرائيل لتبرير القرار المرتقب الذي تتحدث عنه الصحافة الإسرائيلية منذ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ويقضي بالسماح للفلسطينيين بالسفر عبر مطار رامون الإسرائيلي.
ومنذ إنشائه أبدى الأردن تحفظاً حيال هذا المطار الإسرائيلي، باعتباره مضراً للمصالح الاقتصادية الأردنية، إذا لا يبعد عن مطار العقبة جنوب المملكة أكثر من 20 كيلومتراً فقط.
متنفس للفلسطينيين
وحالياً يشكل جسر الملك حسين نافذة الفلسطينيين الوحيدة على العالم، حيث يقوم الفلسطينيون بالسفر إلى أي دولة عبر مطار الملكة علياء.
ويمر الفلسطينيون في رحلة العودة بثلاث مراحل، أولها جسر الملك حسين في الجانب الأردني، ثم المعبر الإسرائيلي (اللنبي) الذي يخضع المسافرين لإجراءات تفتيش دقيقة تستغرق وقتاً طويلاً، يلي ذلك إلى الجانب الفلسطيني معبر (الكرامة)، ومنه إلى الأراضي الفلسطينية.
ومنذ فك الارتباط بين الأردن والأراضي الفلسطينية عام 88 انتهى عهد طويل من إدارة الأردن للضفة الغربية، ومنذ ذلك الوقت فإن ثمة فئات محددة يحق لها العبور إلى الأراضي الفلسطينية من خلال جسر الملك حسين، وهم الفلسطينيون من حملة الجوازات الفلسطينية، وحملة الجوازات الأردنية الموقتة، والأردنيون الحاصلون على التصاريح الإسرائيلية (لم الشمل).
إضافة إلى الهيئات الدبلوماسية وموظفي الأمم المتحدة والوفود الرسمية والمجموعات السياحية وحملة الجوازات الأجنبية.