حذر المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ الحوثيين مما وصفها "الإجراءات الأحادية التي تتخذها بعض الأطراف"، في إشارة إليهم عقب فتحهم طريقاً عسكرياً من جانب واحد إلى محافظة تعز، مؤكداً أن "تلك الطرق لا تكفي لضمان عبور آمن ومستدام لليمنيين على طول الطريق الذي يعبر خطوط المواجهات".
وفي بيان صحافي نشره مكتبه، اتهم المبعوث الأممي الحوثيين برفض مقترحاته لفتح الطرق إلى تعز، قائلاً "قدم الطرفان في بداية المفاوضات مقترحات لفتح طرق في تعز ومحافظات أخرى، وهو مؤشر إيجابي على استعدادهما للانخراط في المحادثات، وتضمن أحدث اقتراح للأمم المتحدة ثلاث طرق، وطريق دعا إليه المجتمع المدني، ووافقت الحكومة اليمنية على هذا الاقتراح لكن الحوثي لم يقبل".
وإزاء ذلك دعا الميليشيات المدعومة من إيران إلى ضرورة تنفيذ بنود الهدنة. وتكمل الهدنة في اليمن شهرها الرابع بعد تمديدها لشهرين إضافيين حتى 2 أغسطس (آب) المقبل، وسط حشد مسلح مستمر لطرفي الحرب لا سيما الحوثيين، عقب تأكيدات صادرة من مؤسسات حقوقية يمنية باستمرارهم في حشد المقاتلين والأطفال الذين جاؤوا بهم من المراكز الصيفية استعداداً لدورة عنف جديدة.
تصعيد ورصد
ولمح المبعوث غروندبرغ إلى استمرار الميليشيات في تصعيدها العسكري وشن عمليات مسلحة تزامناً مع الهدنة الأممية التي تنتهي في الثاني من أغسطس المقبل. وقال "إنني آخذ تقارير التصعيد العسكري بمنتهى الجدية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بسقوط ضحايا مدنيين، إذ يعمل مكتبي من خلال لجنة التنسيق العسكرية على تيسير الحوار ودعم خفض التصعيد، وآمل أن تستمر الأطراف في العمل تحت مظلة اللجنة وتأسيس غرفة التنسيق المشترك للتصدي للحوادث في الوقت المناسب"، في إشارة إلى التصعيد الحوثي واختراقه قرار وقف إطلاق النار في عدة محاور قتالية، ومحاولتهم اجتياح مناطق مدنية كما هو الحال بقرية خبزة التابعة لمحافظة البيضاء (وسط البلاد) التي تتواصل الهجمات الحوثية لاجتياحها منذ يومين عقب محاصرتها منذ ثمانية أيام.
وكشف الوسيط السويدي عن اتصالات يجريها مع الأطراف دعماً لتنفيذ جميع بنود الهدنة والبحث عن فرص توسيع نطاقها وتمديد أجلها لما بعد 2 أغسطس، مبيناً أن تمديد الهدنة سيزيد من الفوائد التي تعود على الشعب اليمني وسيوفر منصة لبناء مزيد من الثقة بين الأطراف، والبدء في نقاشات جادة حول الأولويات الاقتصادية مثل الإيرادات والرواتب، والأولويات الأمنية بما فيها وقف إطلاق النار وصولاً إلى تسوية سياسية تنهي النزاع بشكل شامل.
وتتواصل المساعي الأممية المسنودة بحراك دبلوماسي دولي لتمديد الهدنة وتوسيع نطاقها، في مسعى حثيث لوقف آلة الحرب وتسريع خطوات التهيئة لإحداث خرق جوهري في جدار الأزمة نحو سلام مستدام في البلد الغارق بالدماء ووضع حد للأزمة الإنسانية الرهيبة.
تحديات الفرصة
ومع ما يعتري الهدنة التي وصفها مراقبون بـ"الهشة"، اعترف المبعوث الأممي "بوجود بعض النواقص في التنفيذ الكامل لعناصر الهدنة"، ولكنه عاد ليؤكد أن "الانتقال من سبع سنوات من الحرب إلى حالة من الهدوء النسبي لن يخلو من التحديات".
واستدرك "ومع ذلك، كانت الهدنة تحولية بالنسبة إلى اليمن، لقد أحدثت فرقاً ملموساً في حياة الناس، إن الشعب اليمني والمجتمع الدولي يريدان ويتوقعان تنفيذ الهدنة بشكل كامل وتجديدها وتعزيزها".
ودعا الأطراف اليمنية إلى الارتقاء إلى مستوى المناسبة وألا يفوتوا الفرصة، معرباً عن أمله أن تشارك الأطراف بشكل بناء مع جهوده وأن تدرك المكاسب التي يمكن أن تحققها الهدنة الممتدة والموسعة للشعب اليمني.
وأعلنت الهدنة الإنسانية حيز التنفيذ مطلع أبريل (نيسان) الماضي برعاية الأمم المتحدة، وشملت وقفاً كلياً لإطلاق النار وإطلاق رحلتين أسبوعياً من مطار صنعاء، والسماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، الخاضع لسيطرة الميليشيات (غرب اليمن)، إضافة إلى فتح الطرق والمعابر بمدينة تعز ومحافظات أخرى.
الترتيب لتسوية
غروندبرغ أشار إلى مواصلة جهوده التي بدأها خلال الأشهر الماضية وحقق خلالها خطوات واعدة نحو التهدئة التي عززت الآمال اليمنية والدولية لإنهاء الحرب والدخول في تسوية شاملة. وقال إن "الهدف في نهاية المطاف هو المضي قدماً نحو تسوية سياسية تنهي النزاع بشكل شامل".
وأضاف أن "الشعب اليمني والمجتمع الدولي يريدان ويتطلعان إلى تنفيذ الهدنة وتجديدها وتعزيزها بشكل كامل لتعود بالفوائد لليمنيين".
وتابع "بفضل الالتزام المستمر للأطراف، فقد صمدت الهدنة إلى حد كبير لما يقرب من أربعة أشهر، مما يمثل أطول فترة هدوء نسبي منذ أكثر من سبع سنوات وانخفاض كبير في عدد الضحايا المدنيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهدت الأسابيع الماضية تحركات دبلوماسية دولية ملحوظة لتمديد الهدنة قبل انتهائها، لعل أهمها ما خرجت به "قمة جدة" التي عقدت الأسبوع الماضي في السعودية بحضور قادة دول الخليج ومصر والأردن والعراق ومشاركة الرئيس الأميركي بايدن، في مسعى حثيث لإحياء آمال السلام وتجنيب البلد مزيداً من جولات الصراع التي أشعلها الانقلاب الحوثي على الدولة في عام 2014.
ثقة وحلحلة
وبحسب الوسيط السويدي فإن البناء على الهدنة "سيوفر منصة لبناء مزيد من الثقة بين الأطراف، والبدء في نقاشات جادة حول الأولويات الاقتصادية مثل الإيرادات والرواتب، والأولويات الأمنية بما فيها وقف إطلاق النار للمضي قدماً نحو تسوية سياسية".
ويتطلع الوسيط الدولي لتمديد الهدنة الإنسانية وتوسيع نطاقها، في ظل تعنت ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانياً ورفضها تنفيذ أحد البنود الرئيسة التي نص عليها الاتفاق، ويتمثل في رفع حصار تعز عبر فتح طرقات حيوية.
وبينما أعلنت الميليشيات والحكومة عدم ممانعتهما تمديد الهدنة إلا أنهما وضعا شروطاً لذلك.
إذ تؤكد الشرعية ضرورة شروع الحوثيين في رفع حصارهم عن تعز كما نصت الهدنة، فيما تشترط الميليشيات أن تدفع الحكومة رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتهم.
ملف الحصار
وفي ما يتعلق بمسار محادثات فتح الطرقات والمعابر التي يرفض الحوثيون تنفيذها وخصوصاً من وإلى مدينة تعز المكتظة بملايين السكان، أوضح أن الميليشيات "رفضوا مقترحين لفتح معابر تعز ومحافظات أحدثها اقتراح أممي من أربعة طرق"، بينها ما دعا إليها المجتمع المدني، وثلاثة طرق فرعية أعلنت الميليشيات فتحها قبل أن تعود للتنصل منها بعد موافقة الحكومة اليمنية على المقترح.
وعلى الرغم من تعنت الجماعة المدعومة من إيران في حلحلة هذا "الملف الإنساني" فإن المبعوث الأممي أكد أنه لن يتوقف عن متابعة جهوده "للتقريب بين الطرفين للتوصل إلى اتفاق لفتح الطرق الرئيسة بشكل مستدام وآمن في تعز والمحافظات الأخرى، سيبقى هذا أولوية لفترة الهدنة هذه وأي تمديد لها في المستقبل".
مكاسب
أشار غروندبرغ إلى ما سماها "المكاسب التي جناها اليمنيون خلال الهدنة"، مبرزاً التزام الحكومة الشرعية والتحالف العربي تنفيذ تعهداتهم، إذ "تم تشغيل 20 رحلة تجارية ذهاباً وإياباً حتى الآن بين صنعاء وعمان، ورحلة واحدة ذهاباً وإياباً بين صنعاء والقاهرة أقلت جميعها ما يزيد على 8000 مسافر".
ولفت إلى أن مكتبه يدرس خيارات ربط مطار صنعاء بمزيد من الوجهات ضمن تمديد الهدنة، مستعرضاً عدد الرحلات التي جرت بين صنعاء والقاهرة والأردن، إضافة إلى عدد سفن الوقود التي دخلت ميناء الحديدة خلال أشهر الهدنة الأربعة.
وكشف البيان عن أن "مكتب المبعوث الأممي يدرس خيارات ربط مطار صنعاء بمزيد من الوجهات ضمن تمديد الهدنة إلى ما بعد 2 أغسطس".
ولفت النظر إلى دخول 26 سفينة وقود إلى ميناء الحديدة تحمل 720270 طناً مترياً من مشتقات الوقود وذلك خلال عام 2021 بأكمله، الذي دخلت فيه 23 سفينة وقود تحمل أقل من 470000 طن متري إلى الميناء ذاته.
ومنذ بدء سريانها، باشرت الحكومة والتحالف العربي الداعم لها الترحيب بالهدنة وتنفيذ الالتزامات من جانبها التي "تهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانية عن ملايين السكان في مناطق سيطرة الميليشيات"، فيما فشل البند المتعلق بفتح الطرق والمعابر من وإلى مدينة تعز، ولم تفلح مفاوضات عمان التي اختتمت قبل نحو شهر بين وفدي الحكومة والحوثيين في إحداث اختراق بشأنها، مع نجاح نسبي للهدنة ميدانياً، على الرغم من سلسلة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين.
تطلعات مدعومة دولياً
ومع تطلع ملايين اليمنيين إلى استمرار الهدنة التي من شأنها التخفيف من معاناتهم جراء الحرب الحوثية، أكد المبعوث الأممي أنه "مع تجديد الهدنة سنشهد دخولاً منتظماً لسفن المشتقات النفطية في الوقت المناسب"، مشيراً إلى أن "مع ارتفاع أسعار الوقود عالمياً أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى ضمان التدفق السلس للوقود لدعم الخدمات الأساسية".
ومع حالة تفاؤله بإقناع الطرفين الالتزام ببنود الهدنة ووقف التحشيد والهجمات المسلحة وعمليات اجتياح المدن، فإنه لم يخف وجود بعض القصور في التنفيذ الكامل لعناصر الهدنة، مؤكداً أن التهدئة أحدثت تحولاً كبيراً لليمن وحققت فرقاً ملموساً في حياة الناس.
ولهذا جدد دعوته بمخاطبة كل من الحكومة اليمنية وميليشيات الحوثي "لعدم إضاعة فرصة تمديد الهدنة وتوسيع نطاقها"، مشيراً إلى أن "تجديدها أمر مدعوم دولياً ومن الشعب اليمني أيضاً".
وكانت الحكومة اليمنية ومعها التحالف العربي قد نفذت البنود الإنسانية التي تعهدت بها بما في ذلك وقف العمليات العسكرية والطلعات الجوية، على الرغم من "تصاعد الخروقات الحوثية المدعومة إيرانياً" وفقاً لاتهام الحكومة الشرعية، إذ تؤكد تقارير صادرة من وزارة الدفاع اليمنية رصد مئات الخروقات الحوثية وهجماتها وتحشيدها المستمر نحو عدد من المناطق ومنها محافظة مأرب الاستراتيجية "استغلالاً لغياب الطلعات الجوية".